الشيخ الصفار يدعو لمراعاة حقوق عاملات المنازل
دعا سماحة الشيح حسن الصفار للاستغناء عن عاملات المنازل إلا بمقدار الحاجة، مؤكداً أن التعاون العائلي والنظام الأسري من شأنه أن يُحقق ذلك. وأضاف: إذا دعت الضرورة وجود العاملة في المنزل فينبغي أن تُراعى الحقوق الشرعية والإنسانية وحقوق العمل، مشيراً إلى تقريرٍ أصدرته «هيومان رايتس ووتش» جمعية حقوقية بنيويورك حول أوضاع عاملات المنازل بالسعودية، ويحكي التقرير عن حقائق تعيشها العاملات، ويحمل عنوان: وكأنني لست إنسانة. ويُسلّط الضوء على أبرز الإساءت التي تتعرض لها العاملات، وأهمها: عدم دفع الأجور لشهور ولسنوات، تجديد الإقامة قسراً والحبس، العنف البدني والجنسي، والافراط في العمل. وأكد الشيخ الصفّار أن التعاليم الدينية تأمر بحسن التعامل مع العاملين، وتُحذر من الإساءة إليهم وظلمهم.
وفي سياق آخر حذّر الشيخ الصفار من قرناء السوء، وأكد أن الشيطان الرجيم قد يكون قريناً للإنسان، وهو أسوء قرين. وأورد مجموعة من الصور التي يُمكن من خلالها أن نتصور كيف يكون الشيطان قريناً للإنسان، وأبرزها: أن يتصف الإنسان بصفة من الصفات الشيطانية، كالبخل والغضب والكذب، أن يكون للإنسان أصدقاء سوء من البشر يُمارسون أعمالاً شيطانية، وتورط الإنسان بإحدى العادات السيئة الإجرامية، كالإدمان على المخدرات.
الحمد لله العلي عن شبه المخلوقين، الغالب لمقال الواصفين، الظاهر بعجائب تدبيره للناظرين، الباطن بجلال عزته عن فكر المتوهمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أشهد أنه عدْلٌ عدَل، وحَكَمٌ فَصَل. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وسيد عباده، كلما نسخ الله الخلق فرقتين جعله في خيرها، أرسله بالضياء وقدمه بالاصطفاء. صلى الله عليه كلما ذكره ذاكر، وشكره شاكر، وعلى آله أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، وأعلام التقى.
أوصيكم عباد الله بتقوى الله فإنها الزِّمام القِوام، فتمسّكوا بوثائقها، واعتصموا بحقائقها، تؤول بكم إلى أكنان الدّعة، وأوطان السّعة، ومعاقل الحرز، ومنازل العز. جعلنا الله وإياكم ممن أعزه بتقواه وأعانه على نفسه وهواه.
أكد الشيخ الصفار في بداية خطبة الجمعة 8 رجب 1429هـ (11 يوليو 2008م) أن طبيعة الحياة اقتضت أن يخدم الناس بعضهم بعضاً، وأن يكون هناك أناسٌ يعملون لحساب أناسٍ آخرين، مضيفاً: وكون الإنسان في موقعية العامل لا يسلبه شيئاً من حقوقه الإنسانية، وإنما ينبغي التعامل معه في إطار الحقوق الشرعية، مع مراعاة ضوابط العقد الذي بموجبه تم الاتفاق على العمل.
مشيراً إلى أن البعض من أصحاب العمل يُسيئون بحكم سلطتهم التعامل مع العاملين عندهم، متجاهلين كل الضوابط الشرعية والانسانية. ملفتاً الانتباه إلى أن هذا العامل قد يكون أكثر قرباً من الله تعالى، ويمتلك كفاءة متقدمة على صاحب العمل، ويتصف بميزات لا يمتلكها صاحب العمل، إلا أن الظروف الاقتصادية والمعيشية جعلته في موقعية العامل. وتبرز هنا كلمة رائعة تُمثّل دعاءً يتمناه الكثير: (اللهم ارزقني حظاً استخدم به ذوي العقول، ولا تمنحني عقلاً يستخدمني به ذوي الحظوظ).
وأشار إلى أن النصوص والرويات تأمر بحسن التعامل مع العاملين، وتُحذر من الإساءة إليهم وظلمهم، فعن الرسول الأعظم أنه قال: ((من ظلم أجيراً أجرته أحبط الله عمله وحرّم الله عليه ريح الجنة))، وعن أبي ذر (رضي الله عنه) أن رسول الله قال: ((إن إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تُكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم)). وقال أنس بن مالك: خدمت رسول الله عشر سنين فما قال لي أف، ولا قال لشيءٍ فعلته لمَ فعلتَه؟ ولا لشيءٍ لم أفعله إلا فعلت كذا؟
ودعا الإمام علي غلاماً له فلم يجبه، فدعاه ثانيةً فرآه مضجعاً، فقال: أما تسمع يا غلام؟ قال: نعم. قال : فما حملك على ترك جوابي؟ قال: أمنت عقوبتك فتكاسلت. قال : اذهب فأنت حرٌّ لوجه الله تعالى.
وعن ياسر خادم الإمام الرضا قال: قال لنا أبو الحسن : إذا قمت على رؤوسكم وأنتم تأكلون فلا تقوموا حتى تفرغوا، ولربما دعا بعضنا فيقال هم يأكلون، فيقول: دعوهم حتى يفرغوا.
وقال أبو مسعود الأنصاري: كنت أضرب غلاماً فسمعت من خلفي صوتاً: اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك عليه، فالتفت فإذا هو النبي ، قلت يا رسول الله هو حرٌّ لوجه الله، فقال : لو لم تفعل للفحتك النار.
واستعرض الشيخ الصفار بعض النتائج التي توصلت إليها منظمة (هيومان رايتس ووتش) الحقوقية في تقريرها حول أوضاع عاملات المنازل في السعودية، تحت عنوان: (وكأنني لست إنسانة).
ووصفت المنظمة –والتي مقرها نيويورك- أن أوضاع العاملات تصل إلى درجة العبودية والاسترقاق. ويقع التقرير في (133) صفحة ثمرة عامين من إجراء البحوث، ويتضمن (142) مقابلة مع عاملات ومسؤولين حكوميين ووكلاء استقدام.
ويُشير التقرير إلى أن أبرز الاساءات تتمثل في:
- عدم دفع الأجور لشهور ولسنوات.
- تجديد الإقامة قسراً والحبس.
- العنف البدني والجنسي.
- الافراط في العمل.
وأوضح التقرير أن عدد العاملات في المنازل السعودية يزيد على 1,5 مليون عاملة، معظمهنّ من دول شرق آسيا: أندونوسيا، وسيريلانكا، والفلبين، والنبيال، والهند.
وأشار التقرير إلى مجموعة من الحقائق، والتي قد يراها البعض مبالغة، إلا أن الواقع المعاش يكشف عن الكثير منها، وأكد الشيخ الصفار أن مجتمعاتنا لا يُعجبها أن يتكلم الآخرون عن عيوبها، وهذا غير منطقي فإذا لم نتكلم عن عيوبنا لنُصلحها، سيتكلم الآخرون عنها.
ومن بين الحقائق التي يؤكدها تقرير المنظمة:
- نظام العمل يستبعد العاملات في المنازل من مظلة حمايته، مما يحرمنهنّ من الحقوق المكفولة لغيرهن من العمّال، مثل: يوم العطلة الأسبوعية، وأجور الساعات الإضافية، حيث أن بعضهنّ قد تعمل (18) ساعة يومياً وطيلة أيام الأسبوع.
- وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع الشرطة أعدت مأوى في الرياض لمساعدت عاملات المنازل على المطالبة بأجورهنّ وإعادتهنّ لبلدانهنّ.
- في المملكة (8) ملايين عامل يُشكلّون ثلث السكّان، وقد أرسلوا إلى بلادهم (15,6) مليار دولار سنة 2006م.
وحول هذا الموضوع الشائك، أكّد الشيخ الصفار على مجموعة من النقاط يرى من الضروري الالتفات إليها، وجعلها أمام الأعين حين يستدعي الأمر وجود عاملة في المنزل:
أولاً- الاستغناء عن العاملات إلا بمقدار الحاجة، فالعاملة عنصر غريب في البيت لها عاداتها وتقاليدها، فانفتاحها على أوضاع البيت وعلى تربية الأبناء بالتأكيد سيكون له أثر قد يكون سلبياً، ولذا ينبغي أخذ هذا الموضوع بعين الاعتبار عند الحاجة لاستقدام عاملة لتعمل في المنزل. إضافة إلى أن البعض يعتبر وجود العاملة في المنزل من قبيل الموضة والتفاخر، وهذا يدفعنا إلى أن نُعيد النظر في هذه الأفكار والعادات السلبية التي بدأت تتسلل إلى مجتمعاتنا.
وأكد الشيخ الصفّار أن التعاون العائلي ووجود نظام أسري متقدم، كفيل بالاستغناء عن عاملات المنازل، وكفيلٌ بحماية الأسرة من تبعات وجود عاملة في المنزل.
ثانياً- رعاية الحقوق الإنسانية، فالعاملة إنسانة من حقها أن تُحترم، ولا يصح التعامل معها كآلة.
ثالثاً- رعاية حقوق العمل، بإعطائها راتبها في موعده، ومنحها إجازة أسبوعية، وأن تُصرف لها أجرة ساعات العمل الإضافية.
رابعاً- رعاية الأحكام الشرعية، فالعاملة ليست من المحارم، ولذا ينبغي أن تُراعى الضوابط الشرعية من العفة والاحتشام، والتزام الحجاب الشرعي، لحماية الأسرة، وضمان استقامة أفرادها.
أشار الشيخ الصفار في الخطبة الثانية إلى أن وجود علاقة بين الإنسان وآخر تُلقي بظلالها على الإنسان، فإذا كان هذه العلاقة دائمة فإن أثرها سيكون كبيراً، وعلى الإنسان أن يأخذ حذره فإن كان هذا القرين يؤثر عليه ويتأثر به فإن علاقتهما فيها ندّية، أما إذا كان القرين له تأثير أقوى فهنا تكون المسألة أكثر خطورةً، لأن هذه العلاقة قد تصل إلى مرحلة الذوبان، مما يجعل التأثر بالقرين في أعلى درجاته، مما يُحتم على الإنسان النظر في علاقاته وإلى أي مسار تسير به.
وأضاف: إن آيات القرآن الكريم تُحذرنا من الشيطان الرجيم، وأنه العدو الأكبر للإنسان، يقول تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً﴾ (فاطر، 6). مؤكداً أن المشكلة الأكبر أن يتخذ الإنسان هذا الشيطان قريناً له، ولذا جاء التحذير من الله تعالى أن تصل العلاقة مع الشيطان إلى هذا المستوى، يقول تعالى: ﴿وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاء قِرِيناً﴾ (النساء، 38).
وأورد الشيخ الصفار مجموعة من الصور التي يُمكن من خلالها أن نتصور كيف يكون الشيطان قريناً للإنسان:
أولاً- أن يتصف الإنسان بصفة من الصفات الشيطانية، كالبخل والغضب والكذب، وما شابه ذلك.
ثانياً- أن يكون للإنسان أصدقاء سوء من البشر يُمارسون أعمالاً شيطانية، وهؤلاء من أخطر ما قد يقع فيه الإنسان فعليه الحذر، وانتقاء الأصدقاء بدقة. وعلى العوائل مراقبة أصدقاء أبنائها لحمايتهم من أصدقاء السوء.
ثالثاً- تورط الإنسان بإحدى العادات السيئة الإجرامية، كالإدمان على المخدرات، ولا يعني ذلك أنه لا يُمكن تجاوز هذه الحالة وأن يُنقذ الإنسان نفسه، نعم إذا كانت لديه إرادة فإنه سيتجاوز ذلك.
وأكد الشيخ الصفار أن العاقبة وخيمة في الدنيا والاخرة، إذا كان الشيطان قريناً للإنسان.
وختم الشيخ الصفّار الخطبة بمقطع من خطبة لسيد البلغاء والموحدين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول فيها: ((واعلموا أنه ليس لهذا الجلد الرقيق صبرٌ على النار، فارحموا نفوسكم، فإنكم قد جربتموها في مصائب الدنيا. أفرأيتم جزع أحدكم من الشوكة تُصيبه، والعثرة تُدميه، والرمضاء تُحرقه؟ فكيف إذا كان بين طابقين من نار، ضجيع حجر، وقرين شيطان! أعلمتم أن مالكاً إذا غضب على النار حطم بعضها بعضاً لغضبه، وإذا زجرها توثبت بين أبوابها جزعاً من زجرته)).
والحمد لله رب العالمين.