مقدمة كتاب «أفغانستان: تاريخها – رجالاتها»

مكتب الشيخ حسن الصفار

الكتاب: أفغانستان: تاريخها، رجالاتها
المؤلف: الشيخ حسين الفاضلي
دار النشر: دار الصفوة/ بيروت- لبنان، الطبعة الأولى 1414هـ - 1993م

 

بقلم الخطيب الحسيني المصقع، وصاحب المؤلفات القيمة العالم الفاضل والأديب القدير سماحة العلامة المجاهد حجة الإسلام الشيخ حسن الصفار (دامت أيام إفاضاته):

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

الحمد للَّه رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله الطاهرين، وصحبه المنتجبين.

إن أهم ما يحتاجه الإنسان في مواجهة تحديات الحياة أن يعرف نفسه وأن يكتشف قدراته وطاقاته فيمتلك الثقة بالذات ويعمل لتفجير مواهبه وتفصيل نقاط القوة لديه، وتلافي مكامن الضعف والثغرات.

لذلك تؤكد النصوص والروايات الدينية على موضع معرفة الذات، يقول الإمام علي (عليه السلام):

((أفضل المعرفة معرفة الإنسان بنفسه)).

و(( من جهل نفسه كان بغيره أجهل )).

و(( كفى بالمرء جهلاً أن يجهل نفسه )).

وأسوأ ما قد يعانيه الإنسان هو أن يجهل نفسه ويفقد الثقة بذاته، فيصبح منهزماً أمام أبسط التحديات، ضعيفاً لدى أدنى مواجهة، تبعاً للآخرين وعالة عليهم.

وكما تنطبق هذه المعادلة على الإنسان الفرد تنطبق تماماً على الإنسان المجتمع.. فأي مجتمع إنساني إنما تكون قيمته ودوره بحسب معرفته بذاته وثقته بنفسه.

فإذا امتلك المجتمع المعرفة بالذات والثقة بالنفس فإنه سيواجه التحديات بإرادة ثابتة، أما إذا افتقد ذلك فسيبتلى بخور العزيمة وضعف الإرادة.

ويبدو أن مجتمعاتنا الإسلامية تواجه هذه المشكلة منذ انفتاحها على الحضارة المادية الحديثة... حيث تضافرت أسباب وعوامل أفقدت مجتمعاتنا ثقتها بنفسها وأصابتها بمرض ضياع الذات.

فالانبهار بالحضارة المنتصرة أوقع الهزيمة في النفوس فما عادت ترى لتاريخها ومبادئها وواقعها أي قيمة أو شأن أمام عملاق الحضارة المادية..

والغزو الثقافي والحرب النفسية والتعبئة الإعلامية التي حشدها الأعداء كانت تستهدف إلغاء الذات والتنكر للتراث وإضعاف الثقة في صفوف أبناء الأمة وقد تحقق لهم الكثير من ذلك.

وثمة عامل آخر من الداخل هو أكثر سوءاً من العامل الخارجي، يتمثل في سلبية التعامل بين جهات وفئات الأمة، حيث تسعى كل جهة لتحطيم معنويات الجهة الأخرى، وطمس تاريخها وآثارها، والمحصلة النهائية تكون ضعف الجميع وتأخرهم..

فطبيعي أن تتعدد الاتجاهات الفكرية والانتماءات القومية العرقية، والكيانات السياسية، في أمة كبيرة مترامية الأطراف، لكن العلاقة بين هذه التوجهات والانتماءات والكيانات، كان يجب أن تكون إيجابية تكاملية، ما دام الإسلام هو الإطار الذي يشمل الجميع.

كان ذلك هو المفترض لكن ما حدث ويحدث العكس من ذلك تماماً حيث ترى كل جهة في الجهة الأخرى نقيضاً وعدواً تكرس وجودها وجهودها لمحاربته ولو بالتوافق والتحالف مع الأعداء الخارجيين الحقيقيين والذين استفادوا من هذه الحالة المتخلفة في الأمة فأخذوا يغذون التناقضات بين أطراف الأمة ويغرون بعضها ببعض.. وما الحرب الأهلية في لبنان والحرب العراقية الإيرانية وغزو الكويت والقتال الداخلي في أفغانستان إلا نماذج لهذه الحالة الأليمة.

ولن تتجاوز الأمة هذا الواقع الفاسد إلا إذا تغيرت معادلة التناقض والتحالف في أوساط الأمة فيصبح -العدو هو النقيض وإن تظاهر بالصداقة والود- والداخل هو الحليف وإن اختلف معه عرقياً أو فكرياً أو سياسياً.

وانطلاقاً من هذه المعادلة الجديدة المطلوبة يصبح بناء القوة الذاتية لدى كل جهة في الأمة، وإحياء تاريخها وآثارها، وتقدم مستواها وواقعها يصبح ذلك جزءاً من مشروع قوة الجميع وتقدمهم.

فلا يخاف العراق بناء القوة الإيرانية، ولا يحذر الخليج من قوة العراق، وهكذا بين سائر البلدان الإسلامية. وكذلك الحال بين المذاهب الإسلامية فلا ينزعج أهل السنة من تقدم طائفة الشيعة، ولا يتحسس الشيعة من نمو قوة السنة.

إننا نشبه قوماً انكسرت بهم سفينتهم في البحر وواجهوا جميعاً خطر الموت والغرق فإذا ما رأوا أحدهم يتشبث بوسيلة للنجاة والخلاص ويصل بها إلى الشاطئ فإن ذلك يرفع معنوياتهم ويشجعهم على المحاولة مثله، ويؤكد في نفوسهم إرادة الحياة..

فنجاته ليست على حسابهم وانتصاره على أمواج البحر ليس انتصاراً عليهم بل على الخطر الذي يتهددهم جميعاً.

وفي بلد كأفغانستان عانى فيه أهله المسلمون قروناً من التخلف، وعقوداً من الاستبداد والطغيان السياسي كان من نتيجتها الاحتلال الروسي المدمر الذي حول أغلب مناطق البلاد إلى أطلال، وأفنى خيرة أبنائها وشرد وهجر ثلث سكانها تقريباً.

هذه البلاد ما أحوجها اليوم إلى تلاحم القوى وتضافر الجهود بين أبناء شعبها على اختلاف قومياتهم ومذاهبهم وأحزابهم ليعيدوا بناء بلادهم المدمرة، ولينهضوا بشعبهم نحو حياة حرة كريمة.

ولن يتحقق ذلك لأفغانستان إذا حكمت أذهان قياداتها معادلة النقيض الداخلي. بحيث أصبحت كل جهة تعرقل تقدم الجهة الأخرى، وتمنعها من المشاركة وأداء دورها الكامل في بناء البلاد من جديد.

إن تاريخ أفغانستان مجهول حتى لأبنائها، وإن آثار الأفغانيين أصابها الضياع والاندثار، وإن كتابة أي جزء من تاريخ أفغانستان وإحياء أي قسم من آثارها خدمة لكل أفغانستان ولكل الأفغانيين.

وهو بالتالي خدمة لكل المعرفة والتراث الإسلامي والإنساني.

بهذه النظرة الإيجابية طالعت فصول هذه الكتاب الجميل الذي يتحرك بين أنامل القارئ..

إنه يسلط الضوء على جزء مجهول من تاريخ وواقع أفغانستان حيث يتحدث عن الشيعة باعتبارهم جزءاً لا يتجزأ من نسيج الشعب الأفغاني.. وإذا كانت الحساسيات والصراعات الطائفية في الماضي تمنع من إحياء آثار الطوائف المختلفة.. فإن الحاضر في أفغانستان يجب أن يختلف عما مضى.. فقد شاركت كل القوميات والمناطق والطوائف في مواجهة الغزو الروسي العدواني، وصنعوا جميعاً ملاحم التضحية والفداء حتى أجبروا الغزاة المعتدين على الانسحاب.. لا بل أسهموا بجهادهم في سقوط الإمبراطورية الشيوعية -الاتحاد السوفيتي-..

والآن وبعد أن انتصر الأفغانيون في جهادهم الأصغر ضد العدو الخارجي بقي عليهم أن ينجحوا وينتصروا في جهادهم الأكبر ضد آثار التخلف ورواسب الماضي في ساحتهم الداخلية.. فهل ينجحون في ذلك؟ ذلك ما يأمله كل مسلم واع.

إن هذه المحاولة الطيبة التي قام بها المؤلف في هذا الكتاب، للتعريف بنضال الشيعة وتاريخهم في أفغانستان تعتبر إسهاماً مشكوراً في بناء صرح الوحدة والتعاون بين الأفغانيين.

وكانت بداية هذا الكتاب مقالة مختصرة كتبها المؤلف وأطلعني عليها وإدراكاً مني لأهمية وحاجة الساحة الثقافية إليه طلبت منه –وفقه اللَّه- توسعة البحث وتكميله، فاستجاب مبادراً بنشاط وحيوية فائقة حيث أنجز تأليف هذا الكتاب في فترة قياسية.

والمؤلف شاب طموح مثابر يواصل دراسته في الحوزة العلمية، ويمارس الخطابة بنجاح واقتدار، وباللغة العربية، وهو سليل عائلة كريمة فأبوه سماحة العلامة الحجة الشيخ محمد علي الفاضلي مدرس البحث الخارج في الحوزة العلمية الزينبية.. وصاحب الأخلاق الفاضلة والتواضع الكبير.

وإني إذ أبارك للمؤلف هذا الجهد المشكور لأرجو من أن يواصل نشاطه الفكري في مجال الكتابة والتأليف كما الدراسة والخطابة ليكون بتوفيق اللَّه أحد أعلام الدين والفكر في الساحة الأفغانية والإسلامية.

أخذ اللَّه بأيدينا جميعاً إلى ما فيه الخير والصلاح، والحمد للَّه رب العالمين.

حسن الصفار    
20/ شوال/ 1413هـ