الشيخ الصفّار يدعو للتهيؤ لشهر رمضان، ويستحضر خصائصه وبركاته العظيمة
دعا سماحة الشيخ حسن الصفّار في آخر جمعة من شهر شعبان للتهيؤ لشهر رمضان المبارك، للاستفادة القصوى من خيراته وبركاته، مؤكداً أن ذلك يستلزم الالتفات إلى قيمة هذا الشهر والتعرّف على خصائصه العظيمة، فمعرفة الإنسان بذلك تؤهله لكسب أكبر الفائدة من هذا الشهر، وأكد أن إيحاء الإنسان لذاته بعظمة شهر رمضان وقدسيته ومكانته لها دورٌ كبير في تهيئة النفس لهذا الشهر الكريم. وأكد أن شهر رمضان من أهم المحطات على الصعيد الزمني الهدف منها: أن يتذكر الإنسان البعد الذي قد يكون غائباً عن اهتماماته بالمستوى المطلوب، وهو البعد الروحي والقيمي، إذ أن انغماس إنسان هذا العصر في المصالح المادية له أثره الكبير في تقليص الاهتمام بالجانب الروحي عند الإنسان.
وأشار أن النصوص الدينية تُبيّن الكثير من الخصائص العظيمة لشهر رمضان، وأبرزها: غفران الذنوب، والعتق من النار، ومضاعفة ثواب الأعمال. مضيفاً: إن شهر رمضان فرصة كبيرة لأن يُسّلم الإنسان نفسه لله تعالى ليعود نقياً من كل الشوائب، وهذه من أعظم بركات هذا الشهر الفضيل.
الحمد لله الذي خلقنا من العدم، وأسبغ علينا الوافر من النعم، وأخرجنا بنور الإسلام من الظلم، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تفرّد بالقدرة والخلق، فلا مضادّ له في إرادته، ولا منازع له في هيمنته.
ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، فضّله الله تعالى على جميع خلقه، وختك به انبياءه ورسله.
اللهم صلّ على محمدٍ وآله كما خصصته بصلواتك وصلوات ملائكتك، وأمرتنا بالصلاة عليه والتسليم له، اللهم أدم عليه وعلى آله أفضل صلواتك وبركاتك، واشملنا ببركاتها وخيراتها، يا رب العالمين.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، التي تعني أداء الواجبات، والبعد عن المحرمات، والاحتياط عند الشبهات، جعلنا الله وإياكم من عباده المتقين الصالحين المصلحين.
بدأ سماحة الشيخ الصفّار خطبة الجمعة 27 شعبان 1429هـ (29 أغسطس 2008م) بطرح تساؤلٍ مهم، وهو: ماذا يعني ذكر الله سبحانه وتعالى بالنسبة للإنسان؟ وفي إجابته أكد أن ذكر الله تعالى يعني استحضار القيم الإلهية، واستحضار الجانب الأهم في شخصية الإنسان وهو البعد المعنوي الروحي. وأن ذكر الله يعني حضور الشعور بالمسؤولية في نفس الإنسان، بأن هناك جهةً لها الأمر والنهي عليه، وأنه واجبٌ عليه إطاعتها، والخضوع لها، وأنه سيقف يوماً للحساب بين يدي هذه الجهة، أي بين يدي الله سبحانه وتعالى.
مضيفا: ومن ينسى الله يعني أنه ينسى الجانب المعنوي القيمي الروحي في حياته. فيتعامل مع حياته باعتباره وجوداً مادياً لا أكثر من ذلك. فيسعى خلف الشهوات والملذات والمصالح المادية. ونتيجة ذلك أن يكون الإنسان غافلاً عن المسؤولية وعن الحساب والجزاء والآخرة. فيُطلق العنان لنفسه فيقول ما يشاء ويفعل ما يشاء ويتصرف كما يهوى ويشاء. والله تعالى يؤكد في القرآن الكريم أن الذين نسو الله فإن الله أنساهم أنفسهم، وبالتالي نسو الجانب الأهم في حياتهم وهو الجانب المعنوي، لأن إنسانية الإنسان تتجلى بالجانب المعنوي، أما الجانب المادي فالإنسان شريك مع سائر الحيوانات فيها. يقول تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (الحشر، 19).
ويقول الإمام علي عن الذي ينغمس في شهواته وملذاته بأنه: ((كالبهيمة المربوطة همّها علفها، أو المرسلة شغلها تقممها)).
وحول أوضاع البشرية اليوم أكد الشيخ الصفّار أن أبناء البشرية حينما انغمس أكثرهم في الأهواء والشهوات والمصالح المادية انحسر الجانب القيمي والمعنوي والروحي في حياتهم. ونتيجة ذلك ما نراه سائداً الآن في أوضاع المجتمعات البشرية: من انتشار الجرائم، والعدوان، والموبقات، والانحرافات، والمفاسد. كما أننا نرى أن بعض الناس تحوّلوا في حياتهم إلى وحوش مفترسة. فماذا تقول عن الذي يحرق والديه بالنار؟ أو ذلك الذي يطعن أباه أو أمه حتى الموت؟ أو الذي يُعذّب بعض أبنائه وفلذات كبده حتى يهلك؟ هؤلاء بالفعل نسو أنفسهم، فتحوّلوا إلى وحوشٍ مفترسة، وأداتٍ للأهواء والشهوات.
لذلك يحتاج الإنسان إلى أن يتذكر هذا البعد المعنوي في شخصيته دائماً وأبداً.
وقارن بين اهتمام الناس بأجسامهم وأرواحهم، ففي الجانب الأول يصرف أغلب الناس جزءً كبيراً من الوقت بما يتعلّق بأجسامهم، فيوفّرون الطعام والشراب واللباس، ويهتمون بالنظافة والزينة، وكلها أمورٌ مرتبطة بالجسم. ولكن ماذا عن أنفسهم وأرواحهم؟
مؤكداً كما أن الجسم يتلوّث بالغبار، وبما يُفرز من عرق ومن مواد، فيحتاج إلى تنظيف وتطييب، فكذلك الروح يتراكم عليها الغبار، والنفس يُصيبها التلوّث، فيحتاج الإنسان إلى تطهير وتزكية نفسه وروحه. وكما أن الجسم يتعرض للأمراض والأسقام فيحتاج إلى الفحوصات والعلاج، فكذلك الروح تتعرض للأمراض والأسقام فتحتاج إلى التعهد بالفحوصات والعلاج.
فكما نهتم بأجسامنا علينا أن نهتم بأرواحنا وأنفسنا. فالإنسان بروحه وليس بجسمه فقط، ولذلك بمجرد مغادرة الروح للجسد، لا قيمة للجسد. <فأنت بالروح لا بالجسم إنسانا>.
وأشار أن من نعم الله تعالى علينا أن وضع لنا محطّات من أجل أن نستذكر فيها هذه الجوانب التي ترتبط بأرواحنا وأنفسنا، لكي لا نغفل عن مصالحنا الروحية، وعن تزكية وتطهير أنفسنا، وإنما تعاهدها دائماً بالتنقية والتزكية والتطهير.
مؤكداً أن من أهم المحطات على الصعيد الزمني هي محطّة شهر رمضان المبارك. فهو محطة هامة، والهدف منها: أن يتذكر الإنسان هذا البعد الذي قد يكون غائباً عن اهتماماته بالمستوى المطلوب، وهو البعد الروحي.
مضيفاً: شهر رمضان هو محطة للتزّود الروحي، وهو محطّة للتطهير والتزكية عما قد يُصيب نفس الإنسان وروحه، من قذورات وآلام وأمراض وأسقام. لذلك على الإنسان أن يهتم بهذا الشهر الكريم على هذا الصعيد حتى يستفيد الفائدة المرجوة والمطلوبة من هذا الشهر العظيم.
واستفتح الشيخ الصفّار الخطبة الثانية بفقراتٍ من خطب رسول رسول الله قبيل شهر رمضان، فكان مما قال : ((سبحان الله ماذا يستقبلكم! وماذا تستقبلون! قالها ثلاث مرات)).
وفي خطبةٍ أخرى قال : ((جاءكم رمضان، رمضان شهرٌ مبارك، افترض الله عليكم صيامه، تُفتّح فيه أبواب الجنان، وتُغلق أبواب الجحيم، وتُغلّ فيه الشياطين، فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حُرم)).
وأكد الشيخ الصفار أن تعامل الإنسان مع الأشياء والأمور يتأثر بمقدار معرفته بها، والتفاته إليها، وهذا ينطبق على كل شيءٍ من الأشياء، فبمقدار ما يعرف الإنسان عن ذلك الشيء، وبمقدار ما يلتفت إليه، يكون تعامله معه واستفادته منه.
مضيفاً: إذا كان هناك شيء من الأشياء يجهله الإنسان، فإن من جهل شيئاً أنكره. والناس أعداء ما جهلوا. فقد تكون عطشاناً وهناك ماء لا تعرف مكانه فلا يُمكنك الاستفادة منه، وقد يكون هناك شخصٌ مفيدٌ جداً لك، لكنك تجهل هذا الشخص فلا تستفيد منه.
مؤكداً أن المعرفة درجات، فكلما كان مستوى المعرفة أكثر كانت الاستفادة أكثر.
ملفتاً الإنتباه إنه أنه أمامنا فرصة عظيمة وكبيرة جداً وهي شهر رمضان المبارك، فهل نعرف الخصائص التي يتميز بهذا هذا الشهر الكريم وخدماته؟ وهل نحن ملتفتون ومتوجهون إليها؟ فإن كنا كذلك نتمكن من استثمارها والاستفادة منها، وإلا فإننا سنضيّع على أنفسنا فرصة هذا الشهر الكريم، وتتلخص استفادتنا في حدود الصوم فقط.
مؤكداً أن شهر رمضان فيه خدمات وخيرات وبركات لا يُمكن وصفها! ويحتاج الإنسان حتى يستفيد منها أن يتعرّف عليها وأن يتّجه بقلبه وروحه نحوها.
وبالتأكيد فإنه لا يخلو أي مسلم يصوم شهر رمضان من الاستفادة من بركات هذا الشهر الفضيل، إلا أن السؤال عن مستوى الاستفادة؟
مشيراً أن الأحاديث الواردة عن رسول الله وعن الأئمة الطاهرين جاءت لتنبّه الإنسان إلى أهمية هذا الشهر وخصائصه، حتى يستفيد منه الفائدة المرجوة.
وأضاف: ويبدو أن رسول الله في كلّ سنة قبيل شهر رمضان كان يُهيء أصحابه لقدوم هذا الشهر الكريم، ومما ورد عنه في بعض خطبه أنه قال: ((أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة المغفرة، شهرٌ هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهرٌ دُعيتم فيه غلى ضيافة الله، وجُعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب)). وقال : ((لو يعلم العباد ما في رمضان لتمنت أن يكون رمضان سنة)).
موضّحاً أن النصوص تُشير إلى بعض الخصائص والخدمات التي ينبغي أن نتوجه إليها ونستثمرها من هذا الشهر الفضيل لنستفيد منها، ومن أهم هذه الخصائص:
• غفران الذنوب: ويعني معالجة نقاط الخلل والثغرات في نفس الإنسان وروحه، يقول : ((فإن الشقي من حُرم غفران الله في هذا الشهر الكريم)). وقال : ((إنما سُميّ رمضان لأنه يرمض الذنوب)) ولا يتحقق ذلك إلا إذا سلّم الإنسان نفسه لله وأخلص نيّته. وقال : ((من صام رمضان وقامه إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه))، وفي حديثٍ آخر: ((من صامه إيماناً واحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)).
• العتق من النار: فشهر رمضان هو شهر العتق من نار جهنّم، قال : ((إن لله في كلّ ساعةٍ من ليلٍ أو نهارٍ من شهر رمضان ألف عتيقٍ من النار، كلّهم قد استوجبوها)).
• مضاعفة ثواب الأعمال، قال : ((من أدّى فيه فرضاً كان له ثواب من أدّى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور، ومن تلى فيه آيةً من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور)).
واختتم الشيخ الصفّار الخطبة بهذه العبارات: أيها المؤمنون أدعو نفسي وأدعوكم للتهيؤ لشهر رمضان المبارك، حتى نستفيد جميعاً من خيراته وبركاته، ويحتاج ذلك إلى إلتفاتٍ لقيمة هذا الشهر، وإلى إيحاء ذاتي بأن يوحي الإنسان إلى ذاته بانه مقبل على شهر عظيم، وأن عليه أن يستعدّ لهذا الشهر وأن يستفيد منه الاستفادة القصوى.
والحمد لله رب العالمين