الشيخ الصفار يدعو للتسلح بقيمة الورع لتحقيق أهداف الصيام العليا
دعا سماحة الشيخ حسن الصفار للتسلّح بقيمة الورع لتحقيق أهداف الصيام العليا، ذلك أنه يعني الكف عن محارم الله والتحرج منها. مؤكداً أنه ينبغي أن يكون لدى الإنسان رهبة داخلية تجاه المعاصي والانحرافات بشكل عام. مشيراً أن قيمة الورع إنما تتحقق عندما تكون فرص الإقدام على تلك المعاصي متاحة. مشيراً إلى أبرز العوامل التي من شأنها أن تُعزز هذه القيمة في ذات الإنسان، وهي: الوعي، وذكر الله، والإرادة القوية.
وأكد أن هذا الشهر الفضيل من أفضل الفرص التي يُمكن للإنسان عبرها أن يعود لذاته ويكتشف نقاط الخلل فيها فيتعهد بينه وبين ربّه لإصلاحها، فليس هناك أحد إلا ويحمل معه ذنوباً وأخطاءً وتقصيراً في جانب أو أكثر من جوانب حياته، ملفتاً النظر إلى بعض الجوانب المهمة، كصلة الأرحام، وأداء الحقوق الشرعية، وتلاوة القرآن، وصلاة الليل. وأكد في حديثه على التفاعل مع المؤسسات واللجان الاجتماعية داعياً إلى ضرورة المساهمة في دعمها والمشاركة الفعلية فيها، ذلك لأن هذا الجانب من شأنه أن يدفع بحركة المجتمع للأمام، ويحميه من مختلف الإنحرافات والأخطار المحدقة به.
الحمد لله بجميع محامده كلّها على جميع نعمه كلّها، الحمد لله الذي لا مضادّ له في ملكه، ولا منازع له أمره.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو المتصرف في خلقه، وبيده أمور عباده، يُحيي ويُميت ويُميت ويُحيي وهو على كلِّ شيءٍ قدير.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله نبي السماحة والعدل، ورسول الهداية والحق، بعثه الله رحمةً للعالمين، وجعله خاتم النبيين. صلى الله عليه وآله الهداة الميامين.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله التي من أجل كسبها شرّع الله تعالى الصيام، وفرضه على جميع الأنام، فقال عز من قائل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة، 183).
بدأ الشيخ الصفار خطبة أول جمعة من شهر رمضان المبارك 5 رمضان 1429هـ (9 سبتمبر 2008م) برواية جاء فيها: أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبٍ سأل رسول الله : ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فأجاب : ((يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله)).
وأكد أن ثمرة الصيام وأهدافه العظيمة إنما تتجسد وتتحقق من خلال قيمة الورع. مشيراً إلى تعريف ابن منظور في لسان العرب للورع بأنه التحرج! ويعني الكف عن المحارم والتحرج منها.
مضيفاً: إن مستويات الناس في الإقبال على الأعمال على ثلاثة:
أولاً- الإقبال على العمل بشوق واندفاع.
ثانياً- الإقدام على العمل ضمن الحالة الاعتيادية، فسيان بين القيام به أو عدمه.
ثالثاً- أن يكون هناك تحرج في القيام بالعمل، ومثله أن يُطلب من أحدهم أن يتقدم ويُلقي خطاباً في ظل وجود شخصيات مُهابة.
وأكد أنه ينبغي أن يكون لدى الإنسان رهبة داخلية تجاه المعاصي والانحرافات بشكل عام. مشيراً أن قيمة الورع إنما تتحقق عندما تكون فرص الإقدام على تلك المعاصي متاحة، وإلا فإن إحجام الإنسان عن المعاصي في ظل عدم قدرته على الوصول إليها فهذا يتحقق معه المثل: إن هذا العنب لحامض! ذلك لأن الوصول إليه غير متحقق.
مشيراً أن قيمة الورع تجلّت في قصة نبي الله يوسف ، وقد عبّر عنها الله تعالى بجلاء في كتابه الحكيم، يقول تعالى: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ (يوسف، 23).
وأشبع الشيخ الصفّار الحديث باستعراض عددٍ من النصوص الدينية التي تؤكد أن صيام شهر رمضان إنما يتحقق بتحقق قيمة الورع، فعن الرسول الأعظم أنه قال: ((إن الصيام ليس من الأكل والشرب فقط، إنما الصيام من اللغو والرّفث، فإن سابّك أحد أو جهل عليك فقل إني صائم)). وعنه : ((ما صام من ظلّ يأكل لحوم الناس))، وعنه : ((من اغتاب مسلماً في شهر رمضان لم يُؤجر على صيامه))، وعن السيدة الزهراء : ((ما يصنع الصائم بصيامه إذا لم يَصُن لسانه وسمعه وبصره وجوارحه)).
وأورد جملةً من النصوص الدينية التي يتجلى فيها الحثّ على الورع واتخاذه منهجاً في الحياة، يقول : ((خير دينكم الورع))، وعنه : ((من لم يكن له ورعٌ يرده عن معصية الله تعالى إذا خلا بها، لم يعبأ الله بسائر عمله، فذلك مخافة الله في السرّ والعلانية))، وعنه : ((إنك لن تدع شيئاً إلا أبدلك الله خيراً منه))، وعن الإمام علي : ((الورع الوقوف عند الشبهة))، وعن الإمام الباقر : ((إن أشد العبادة الورع))، وعن الإمام الصادق : ((ليس منّا ولا كرامة من كان في مصر فيه مائة ألف أو يزيدون وكان في ذلك المصر أحد أورع منه))، وقال : ((لا ورع أنفع من تجنب محارم الله عزّ وجل، والكف عن أذى المؤمنين واغتيابهم)).
وحول السبيل لتحقيق هذه القيمة العليا في ذات الإنسان، أشار الشيخ الصفّار إلى ثلاثة عوامل مساعدة:
أولاً- الوعي، فوعي الإنسان بالذنوب والمعاصي وآثارها السلبية على نفسية الإنسان وحياته، وعلى محيطه ومجتمعه بشكلٍ عام، يحصّنه من الوقوع فيها، والورع عنها.
ثانياً- ذكر الله تعالى، ويعني أن يستحضر الإنسان دائماً وأبداً الله تعالى فيكون نصب عينيه في جميع تحركاته، مما يجعله يستذكر قدرة الله عليه، وأنه سيكون بين يدي الله تعالى في يومٍ تشخص فيه الأبصار، وبذلك يتورع عن محارم الله.
ثالثاً- قوة الإرادة، فبها يصنع الإنسان المعجزات، ومن خلالها يصل إلى قمم النجاح، وبالتاكيد عبر قوة الإرادة يصمد الإنسان أمام الشهوات والمغريات، ذلك لأن الذي سقطوا في وحل الإنحرافات إنما كانت إرادتهم ضعيفة إن لم تكن خاوية.
واختتم الشيخ الصفار الخطبة بالتأكيد على ضرورة أن يتذكر الإنسان دائماً وأبداً هذه القيمة العظيمة، وأن يستحضر الهدف الأسمى من الصيام الذي من أجله شرّعه الله تعالى، لتتعزز هذه القيمة في ذاته، ويكون بذلك مستحقاً لثواب الله تعالى وجزائه الأوفى في شهره الأعظم.
أكد الشيخ الصفّار أن شهر رمضان هو أفضل فرصة لتزكية وإصلاح الذات، داعياً نفسه وجموع المصلّين إلى إعادة النظر في ذواتهم ورصد مواطن الخلل والنقص فيها، والعزم على تجاوزها وإصلاحها، مؤكداً أن الله تعالى سيوفق كل المؤمنين الذين يعتزمون نهج الصلاح وتزكية الذات.
مشيراً إلى بعض الجوانب التي قد يُقصّر فيها الإنسان، ومحفّزاً باتجاه البدء في هذا الشهر الكريم لتجاوز حالة التقصير، ومن تلك الجوانب:
- صلة الأرحام، فإن كنت مقصّراً في هذا البعد المهم فعليك أن تجعل لنفسك برنامجاً في هذا الشهر لصلة أرحامك، وتجعله حالة دائمة عندك في بقية الشهور.
- أداء الحقوق الشرعية، إذ أن الله تعالى قد أوجب عليك خمس الفائض من أموالك، فإن كنت متجاهلاً لهذا الحق الشرعي، فليكن شهر رمضان بدايةً في هذا الطريق، وتأكد أن ما تُنفقه في سبيل الله فإن الله تعالى سيُخلفه.
- تلاوة القرآن الكريم، وهو رسالة الله تعالى إلى خلقه، ومنهجه القويم، فإن كنت ناسياً لتلاوة القرآن فيما مضى، فليكن لك برنامج يومي تلتزم فيه بتلاوة القرآن الكريم، وليكن هذا الشهر الفضيل بداية الانطلاق في هذا البرنامج العبادي الهام.
- صلاة الليل، فهي تحمل آثاراً معنوية لا حصر لها، فإن كنت غافلاً عن قيمتها فليكن شهر رمضان مدرسةٌ في هذا الجانب.
وأكد الشيخ الصفّار على جانب اجتماعي مهم، وهو التفاعل مع المؤسسات الخيرية والاجتماعية في المنطقة، فمجتمعنا كبقية المجتمعات لا يخلو من الثغرات التي تحتاج إلى من يتوجّه نحوها لإصلاحها.
مشيراً أن المجتمع ينعم بعدد من المؤسسات واللجان الاجتماعية التي تعني بمختلف شؤون المجتمع، وليس فقط بمساعدة الفقراء، فجميع الجمعيات الخيرية تضم إلى جانب لجنة مساعدة الفقراء العديد من اللجان: لجنة كافل اليتيم، لجنة إصلاح ذات البين، لجنة تيسير الزواج، لجنة التكافل الاجتماعي. وبعض الجمعيات بها لجان للتأهيل والتوظيف، وكذلك لجان للقرآن الكريم.
وأكد أنه ينبغي على كل واعٍ غير منتمٍ لأي من المؤسسات واللجان الاجتماعية أن يرى في أي مجال يستطيع أن يُساهم بما يخدم مجتمعه، وليكن شهر رمضان شهر الإقدام على هذا العمل الاجتماعي المهم.
وأشار الشيخ الصفار أن التفاعل الاجتماعي مع المؤسسات واللجان الاجتماعية ضعيفٌ جداً، ومعظم السيولة المادية لهذه المؤسسات تأتي من خارج المجتمع، في حين أن هذه المؤسسات تُقدّم خدماتها للمجتمع، محذراً من أن العزوف عن التعاون مع هذه المؤسسات من شأنه أن يُفرز حالات الانحراف والإجرام في المجتمع ويزيد من حالات التفكك الاجتماعي، مما يعني ضرورة تظافر الجهود من أجل الوقوف أمام مختلف الظواهر السلبية التي يشكو منها المجتمع.
وأوصى في ختام خطبته كل واحدٍ للمبادرة في الإنضمام لإحدى المؤسسات الاجتماعية والتفاعل معها، أو إنشاء مؤسسة جديدة تعني بجانب من الجوانب المختلفة التي هي بحاجة إلى رعاية واهتمام. مؤكداً أن هذه خصلة من الخصال المهمة التي ينبغي التوجه لها، وقد حثّ رسول الله على هذا الأمر وأن ثوابه عظيم لا يُحصيه إلا الله تعالى، فقد ورد عنه أنه قال: ((من تطوّع بخصلةٍ من خصال الخير في شهر رمضان، كان كمن أدى سبعين فريضة من فرائض الله)).
والحمد لله رب العالمين