الشيخ الصفار يشارك في تكريم حافظات القرآن
شارك سماحة الشيخ حسن الصفار في الحفل الذي أقامه الوجيه الحاج عبدالجبار بومرة وحرمه أم إبراهيم لتكريم أربع من حافظات القرآن هن: فرحة مريط، وياسمين المرزوق، ونوال المحيميد، وليلى آل جبر، وذلك مساء الجمعة 26/9/1429هـ الموافق 26/9/2008م، في الحسينية الحيدرية بسيهات بالاشتراك مع مركز علوم القرآن بأم الحمام.
هذا نص كلمة سماحة الشيخ الصفار:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله الطاهرين.
قال الله في كتاب الكريم: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ (26) سورة المطففين
زود الله سبحانه وتعالى كل واحد من بني البشر بطاقات وكفاءات ومواهب عظيمة وأتاح لهم جميعا في هذه الحياة المجال لكي يفجروا هذه الطاقات، وليصقلوا هذه المواهب، فمجال العمل في هذه الحياة مفتوح أمام الجميع، والحياة ساحة تنافس، وميدان سباق، ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ (2) سورة الملك، قسم من الناس يجهلون ما وهبهم الله من طاقات ومواهب، وقسم آخر يتكاسلون عن تفجير طاقاتهم ومواهبهم، وقلة من الناس هم الذين يكتشفون نعم الله عليهم ويستثمرون تلك النعم بإظهارها وهذا معنى قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ (11) سورة الضحى، أي: أظهر هذه النعم والكفاءات التي أعطاك الله سبحانه وتعالى إياها.
وللتنافس دور كبير في إظهار الطاقات والكفاءات، ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ لكن التنافس الإيجابي يحتاج إلى ثلاثة شروط:
تكافؤ الفرص
الشرط الأول: تكافؤ الفرص، المجتمع التي يتاح فيه مجال التنافس هو الذي تتكافأ فيه الفرص، أما إذا أعطيت الفرص لجهة وسلبت من جهة أخرى فهذا لا يكون تنافسا، التنافس الصحيح يعني تكافئ الفرص، المجال يكون مفتوحا أمام الجميع، حينما يعيش شعب من الشعوب أو أمة من الأمم، وتكون الفرص متكافئة بين أبناء هذه الأمة فإن حركة الإبداع تتسارع، والطاقات تظهر وتتفجر، كما نرى الآن هذه الظاهر في المجتمعات المتقدمة، فالمجال فيها مفتوح، نرى أن رجلا يأتي أبوه من كينيا ويعيش في أمريكا فيجد أن المجال أمامه مفتوح فيتقدم لينافس على مقعد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وكما قال أحد الدعاة: "لو كان أوباما في دولة عربية أو إسلامية لرأيته الآن في مكاتب الترحيل"، إذ يعتبر من العمالة الغير مرغوب فيها، لذا يقومون بترحيله من تلك البلد، هناك المجال مفتوح وبالتالي تظهر وتنطلق الكفاءات، لكن الوضع في بلداننا العربية والإسلامية لا يوجد فيه تكافؤ للفرص، ويكون التفاوت إما على أساس عرقي، أو قومي، أو مناطقي، أو طائفي، أو فئوي، ومن يخسر حينئذٍ؟ الخاسرون هم الأوطان والأمم والمجتمعات، بل أحيانا في داخل المجتمعات نفسها لا يوجد تكافؤ للفرص، مثلا و نحن نجتمع هذه الليلة لتكريم أربع حافظات للقرآن، بمبادرة من الوجيه ورجل الخير الحاج عبدالجبار بومرة حفظه الله، وبجهد من مركز علوم القرآن بأم الحمام برعاية فضيلة الشيخ غازي الشبيب وبجهود الأخوة والأخوات العاملين في المركز معه، هنا ينبغي أن نشير إلى أن الفرصة حينما تتاح للأخوات كما تتاح للأخوة، للإناث كما للذكور، سنجد أنه لا تقل كفاءة المرأة عن الرجل، مواهبها وكفاءاتها وقدراتها وإخلاصها ونشاطها لا يقل عن الرجل، ولكن المرأة غالبا ما تعيش في أجواء اجتماعية تنعدم فيها تكافؤ الفرص، ثم يقال: إن المرأة دورها ضعيف، او يقال إن كفاءتها قليلة.
التشجيع
الشرط الثاني: التشجيع، فعندما نوجد التشجيع على الإبداع والعطاء في مختلف المجالات، تتفجر الكفاءات، وبحمد الله بدأت هذه السنة الحسنة في مجتمعنا، نرى هناك حفلات لتكريم المبدعين والأدباء ورجال الخير، ولتكريم الحافظين للقرآن والحافظات، وهذا ما ينبغي أن نستمر عليه في مختلف المجالات، لا بد من التشجيع بمختلف صوره، لأن التشجيع هو كلمة السر لتقدم المجتمعات والأمم.
قبول المنافسة
الشرط الثالث: قبول المنافسة، ففي بعض المجتمعات المتميز يعرقل طريقه، لماذا؟ لأن هناك مرضاً من الأمراض التي تصيب النفوس، وهو مرض الحسد، المجتمع الذي لا تغمره الراحة عندما يجد من يتقدم، ومن يتميز ويتفوق، يعاني مشكلة تحتاج إلى العلاج، وقد جعل القرآن الكريم علاج هذا المرض في طليعة أهدافه يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ (57) سورة يونس، أي معالجة الأمراض التي في النفوس، ومن أسوء الأمراض التي تمنع التنافس الإيجابي هي حالة الحسد والحقد، فالمجتمع الذي يحب المتميز ويقدره في أي مجال من المجالات، فإنه يتقدم، بينما المجتمع المتخلف ينزعج إذا رأى أحد أفراده متميزا، أو متقدما في أي مجال من المجالات، ونحن نعرف أن الحسد والحقد ليس من سمات النفس المؤمنة، وإنما الغبطة التي تعني تمني النعمة، فإذا رأيت إنسانا متفوقا فأنت تتمنى أن تكون متفوقا مثله، بينما الحسد يعني تمني زوال نعمة الآخر، فإذا رآه متفوقا يتمنى له أن يسقط ويفقد تفوقه، هذا المجتمع الذي تسود فيه هذه الروح لا يحقق التنافس الإيجابي.
يشن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حملة كبيرة ضد هذا المرض النفسي، يقول : (الحقد من طبائع الأشرار)، ويقول : (الحقد الأم العيوب)، ويقول أيضا : (طيبوا قلوبكم من الحقد فإنه داء موبي).
لماذا يحقد الإنسان وينزعج عندما يتقدم غيره والمجال مفتوح أمامه للمنافسة؟ وأشير أيضا إلى أن المكاسب والمصالح لا تستحق
من الإنسان المؤمن أن يحقد أو يحسد من أجلها، يقول أمير المؤمنين في كلمة جميلة: (الدنيا أصغر وأحقر وأنزر من أن تطاع فيها الأحقاد)، كم هي كلمة رائعة حق لنا أن نتأملها ونكررها.
أيها الأخوة: هذا المجلس حلبة من حلبات التنافس وتشجيع التنافس الإيجابي نحو الخير يجب أن يكون في مختلف مجالات الحياة، وقد بدأ مجتمعنا يسير ولله الحمد في هذا الاتجاه، وهو غني بالطاقات والكفاءات والمواهب، إنما يحتاج أن يفتح الطريق أمام كفاءاته، حينها سنرى عندنا كنوزاً وثروات في إنساننا، وبحمد الله إنني مسرور إذا أنني أعيش في حقبة ذهبية تنطلق فيها أعمال الخير والإبداع في مجتمعنا، وهذا أهم مكسب للمجتمع، فالمكسب الأهم أن يتمكن المجتمع من بناء ذاته، وصنع قوته.
في الختام لابد من شكر مركز علوم القرآن بأم الحمام، وشكر كل المؤسسات القرآنية في أنحاء المنطقة، ونشكر رجل الخير أبو إبراهيم على هذه المبادرة الطيبة، وأن نسجل أسمى آيات التقدير والإكبار لأخواتنا الكريمات اللاتي تشرفن وتوفقن لحفظ القرآن الكريم، ونأمل أن يتضاعف هذا العدد إن شاء الله في الأيام المقبلة، وأن نجد من نساءنا من تفسّر القرآن، ومن تكتب حول القرآن وعلومه، ومن تبدع وتكتشف نظريات ومفاهيم وأشياء جديدة من القرآن.
أسأل الله لأخواتنا الحافظات التوفيق والتسديد وأن يجسدن القرآن في حياتهن، بعد أن حفظنه في قلوبهن، وأن يصبحن قدوات لبقية الأخوات، والحمد لله رب العالمين.
جدير بالذكر أن حفل التكريم أقيم ضمن أمسية قرآنية شارك فيها مجموعة من القراء، بالإضافة إلى كلمة لفضيلة الشيخ غازي الشبيب، وحضره جمع من العلماء والمهتمين بالشأن القرآني.