الشيخ الصفار في حفل ترانيم: يجب ألا يقل مستوى أداءنا الفني عن مستوى أداء التوجهات الأخرى
واصلت فعاليات مهرجان ترانيم السادس «عروج» تقديم عروضها لليلة الثالثة على التوالي على قاعة فجر ترانيم بالربيعية حيث بدأ الحفل لليلة الثالثة الخميس ليلة الجمعة 4/9/1429هـ بحضور كثيف غطى كامل المدرج ، وقد بدأ الحفل بتلاوة عطرة من الذكر الحكيم بصوت القارئ الأستاذ السيد حسين الشعلة.
بعد ذلك بدأت فقرات الليلة الثالثة بفيلم وثائقي بعنوان «سيد المحبة» يتناول سيرة المرحوم سماحة السيد عبد الله الصالح "أبو رسول" رحمه الله.
ثم ألقى سماحة الشيخ حسن الصفار كلمة بدأها بتقديم التهنئة بالشهر الفضيل، وتهنئة القائمين على مهرجان ترانيم انعقاد مهرجانهم السنوي، الذي قال عنه إنه أصبح معلما تفتخر به المنطقة، ويفخر به المجتمع، لما يبرز من كفاءات وقدرات، ولما يجلي من صورة فنية رائعة، تتحدث عما يكنه هذا المجتمع من توجهات خيرة، ومن إبداعات عظيمة، اسأل الله سبحانه لهم دوام التوفيق والتقدم، وان تكون كل سنة مثار تطور وتقدم عن السنوات السابقة إن شاء الله.
ثم تحدث سماحته عن الأمنية التي يتمناها الإنسان المؤمن وهي أن تنتشر حالة الإيمان، وان تكون هي السائدة في المجتمع، وأضاف: يعتقد المؤمنون بأن توجههم الإيماني هو الأنفع للناس، وهو الأصلح لأبناء المجتمع، كما يعتقدون عن تأمل وتعقل، بأن التوجهات الأخرى تضر بأبناء المجتمع، وتبعده عن مصالحه الدنيوية والأخروية، ولكن الواقع لا تصنعه التمنيات، الواقع لا تحكمه العقائد والأفكار، فمعادلة الواقع الخارجي قائمة على أساس العمل، والفاعلية والجد والاجتهاد، من كان أكثر فاعلية في الحياة، فان اتجاهه يكون هو الأقوى فيها، ومن كان أكثر اجتهادا وعملا، فإنه يكسب الجولة في صراع التوجهات والأفكار والمعتقدات، لذا ينبغي على المؤمنين ألا يقل مستوى عملهم عن مستوى إيمانهم ومعتقداتهم، وإذا حصل هناك تفاوت بين مستوى الإيمان، وبين واقع العمل، فإن ذلك يحكي عن ازدواجية يرفضها القران الكريم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ﴾، مطلوب من المؤمن أن يترجم إيمانه وآراءه إلى برامج عملية، تتحرك على الأرض، وتكون هي الدعوة إلى ما يؤمن به، العمل هو الذي يستقطب الناس، وهو الذي يبرز مصداقية الفكرة، وهو الذي يجعلها حية مجسدة أمام الناس.
وأعتبر سماحته أن مشكلة المتدينين، وخاصة في هذا العصر، أن مستوى أدائهم العملي كمؤمنين متدينين، يقل عن مستوى أداء التوجهات الأخرى، وقال: نرى التوجهات الأخرى التي تختلف معنا في المنهج أو المعتقد أو التوجه، نراها أكثر فاعلية ونشاطا وعملا، لذا فمن الطبيعي أن تكون أكثر استقطابا وتأثيرا، فعلى المستوى الأخلاقي مثلا، نحن نشكو أن أبنائنا من الجيل الناشئ، أصبح مستقطبا لاتجاهات لا تتوافق مع ما نؤمن به من قيم ومبادئ وأخلاقيات، إننا نشعر بألم وحسرة حينما نرى مظاهر الانحراف السلوكي والأخلاقي، في بعض المساحات والأوساط من أبناء مجتمعنا، لكن علينا أن نعرف أن مجرد التألم والتحسر، وأن مجرد التمني، واجترار مثل هذا الكلام في المجالس، لا يغير من المعادلة شيئا، علينا أن نواجه الساحة عمليا.
ودعا سماحته إلى رفع درجة النشاط والفاعلية، وذلك: حتى نكون اقدر على استيعاب ناشئتنا وأبنائنا، وإرشادهم إلى الطريق
الصحيح، الذي نأمل أن يسيروا فيه، كما سار أسلافهم، ولذلك يدعو الله عباده المؤمنين للعمل ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا﴾ وليس فقط أن تتمنوا أو تنظّروا وتتحدثوا: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ العمل هو الذي يحسم المعركة، وهو الذي يكسبك الجولة، وهو الذي يبرز مصداقية الفكرة التي تؤمن بها، وهو الذي يمكنك من استقطاب من تريد استقطابهم.
وطالب سماحته الساحة الدينية أن تعترف بالتقصير في مجال العطاء والعمل، وقال: هناك في أبناءنا، وفي جيلنا الصاعد الناشئ الكثير من الطاقات والقدرات، لو أننا فتحنا أمامهم المجال، وصنعنا لهم الأجواء، وكونا لهم الأطر المناسبة، لرأيناهم في مستوى من الإبداع والتفاعل، لتفجرت الطاقات والقدرات والكفاءات بما يبرز قوة المجتمع، وبما يؤكد الحالة الدينية والأخلاقية فيه.
وضرب سماحة الشيخ مثالا للفاعلية، ولاحتواء الكفاءات بمهرجان ترانيم، واللجان الفنية المتعددة المتنوعة التي تشارك كل عام في هذا المهرجان، وقال: إنها دليل وشاهد على أن في مجتمعنا طاقات، ومواهب وقدرات تبحث عن فرصة، وتبحث عن ساحة ومجال، فعلينا أن نتيح لهم هذه الفرصة، لا أن نكتفي بالخطب والمقالات، وبجر الآهات في المجالس، إنما علينا أن نجند طاقتنا وقدراتنا من اجل دعم هذه الأنشطة المتعددة، في الجانب الفني والاجتماعي والثقافي والإعلامي، حتى نستطيع أن نخوض معركة القيم، والمفاهيم والأفكار على المستوى العملي الفعلي.
وتوقف سماحته متأملا في الآية الكريمة:﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ وتساءل: ماذا يعني ﴿ فَسَيَرَى اللَّهُ﴾؟ وأجاب: المسالة ليست فقط إن الله يرى عملكم، وإنما التشجيع على العمل والدفع إليه، إن الله يقدّر عملكم ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ ﴾، يعني: عملكم في موضع تقدير، وفي موضع ترحيب من قبل الله تعالى، كيف يقدر الله عمل المؤمنين؟ بالتوفيق، بأن يزيد في توفيقهم، ويضاعف لهم الأجر والثواب، :﴿وَقُلِ اعْمَلُوا﴾ فإذا عملتم في سبيل الله، فإن الله تعالى يزيدكم توفيقا، ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) سورة العنكبوت﴾، الله يزيدكم توفيقا إن عملتم، ﴿وَرَسُولُهُ﴾! ماذا يعني أن الرسول يرى عملنا؟ يعني أن الرسول يدعو لنا، ويشفع لنا، يحبنا حينما نعمل في خدمة القيم والمبادئ، ثم تقول الآية: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ﴾، ماذا يعني أن يرى المؤمنون عملنا؟ يعني أن يمدوا يد الدعم والتعاون والتشجيع، هذا هو المطلوب، إن الله سبحانه وتعالى يعد العاملين بأنّ المؤمنين سوف لا يقفون منهم موقف المتفرج، إذا عملتم فان المؤمنين سيرون عملكم، من يعمل في سبيل الله، في مجتمع إيماني، فسيجد الترحيب والدعم والتشجيع والعطاء، من مجتمع المؤمنين.
وطالب سماحته أن نضع علامة استفهام حينما يقل تفاعل المجتمع مع العمل الديني، فهذا يعني احد شيئين: إما أن هذا الوعد الذي وعدنا به الله تعالى - الله وعدنا إذا عملتم فان المؤمنين سيدعمونكم - إما أن هذا الوعد قد تخلف عن التحقق، وحاشا لله أن يعد بما لا يحصل، وإما أن هذا المجتمع لا تتوفر فيه الحالة الإيمانية بالمستوى المطلوب، إذا كانت الحالة الإيمانية متوفرة في المجتمع بالمستوى المطلوب، فإنه لن يبخل بالدعم والعطاء والتشجيع، والوقوف إلى جانب أي حركة عملية، لأنه سيرى أن هذا جزء من واجبه، وجزء من ممارسته الإيمانية
وقارن سماحته بين المجتمعات الأخرى، وكيف تتفاعل مع الأنشطة المختلفة والمتنوعة، وقال: إنهم يتجاوبون مع الفن من اجل الفن، ويتجاوبون مع مختلف الإبداعات والعطاءات، وهذا يعني أن المجتمع الإيماني يجب أن يكون أكثر تفاعلا وتجاوبا مع أي حركة تخدم القيم والمبادئ.
وتأسف الشيخ الصفار على ما يحدث بعض الأحيان، حيث نجد العاملين في سبيل الله وكأنهم بحاجة إلى الاستجداء، وكأنهم بحاجة إلى إقناع الآخرين وجذبهم، من اجل دعم أعمالهم وأنشطتهم، إن هذا يكشف عن شيء من الخلل علينا أن نتلافاه، إننا حينما نتألم لحالات الانحراف والفساد في بعض أوساط مجتمعنا، ونطمح أن يكون أبناؤنا في خط الهدى والصلاح والاستقامة، هذا يعني أن نتحمل مسؤوليتنا لدعم كل الأنشطة والفعاليات، وكل الأعمال التي تقوي هذا التوجه الإيماني القيمي، إنني ومن خلال متابعتي، ومواكبتي لهذا المهرجان، ومن خلال متابعتي للّجان العاملة فيه بمختلف ألوان عملها، الفني الإبداعي، إنني اشعر بمسؤولية كبيرة، وبتقصير كبير، وأرجو أن يوفقنا الله جميعا للتعويض عن هذا الأمر، بمزيد من التفاعل والتعاون والدعم، والتشجيع لهذه الأنشطة التي لم يعد لنا عذر أمامها، هذه الأنشطة فرضت نفسها على الساحة الوطنية، وعلى المستوى الإقليمي والعالمي، أبناؤنا والحمد لله أصبحوا يدخلون المسابقات في إنتاج الأفلام، وفي إنتاج الإعمال الفنية المختلفة، فيشهد لهم الجميع بنجاحهم وتفوقهم وتميزهم، وقبل أن يكافئهم ويعترف بهم الآخرون، نحن في حاجة إلى أن نفتخر ونعتز بهذا المستوى المتقدم من الإنتاج.
وختم سماحة الشيخ الصفار كلمته بالتضرع لله سبحانه للعاملين بالتوفيق والتأييد، ودعى نفسه وأبناء المجتمع بمختلف شرائحهم، وخاصة علماء الدين، ورجال الأعمال، والمثقفين، دعاهم: إلى دعم هذه الأنشطة والوقوف معها، والصرف عليها بما تستحق، وقال سماحته: معركتنا لم تعد مقتصرة على أن نبني حسينيات ومساجد، ونقيم مواكب للعزاء على أهميتها، الحسينيات والمساجد ومواكب العزاء وسائر المظاهر الدينية، أمور مهمة ويجب الحفاظ عليها ودعمها، ولكنها وحدها لا تكفي إذ علينا أن ندعم هذا النشاط المتطور، هذا النشاط الفني المتقدم، فهو الأقدر في هذا العصر على مخاطبة الأفكار، وعلى التأثير على المشاعر والأحاسيس، إنه يمثل الآن معركة الصراع الحقيقية بين ألوان القيم السائدة، وبين ألوان المفاهيم والأفكار، علينا أن نفتخر بهذا المستوى المتقدم، وأن نقف إلى جانب أبنائنا المعطاءين، والرواد على هذا الصعيد.