رقابة المواطن على المؤسسات العامة
أكد سماحة الشيخ حسن الصفار في خطبة الجمعة 2 ذو القعدة 1429 (31 أكتوبر 2008م) أن من الظواهر الطبيعية الصحية في حياة الإنسان ارتباطه بمجموعة من الأصدقاء والأقران وهو ما يطلق عليه بـ(الثلة).
وأوضح أن من عادة الإنسان رغبته في أن يكون ضمن مجموعة، وأن يكون حوله عدد من الأصحاب والأصدقاء، وهذه الرغبة تكون ظاهرة في مرحلة الشباب أكثر منها في المراحل الأخرى، مبنياً: أنها حالة صحية، فتعايش الإنسان ضمن مجموعة تنمّي عنده مهارة العلاقة مع الآخرين، والقدرة على التعامل معهم، ولذلك اثر في الصحة النفسية، لأن حالة الوحدة تصيب الإنسان بالكآبة، وخاصة حينما تصيبه ظروف صعبة، أو تحل به أزمة أو مشكلة فإذا كان عنده ثلة أصدقاء يساعدونه على مواجهة المشاكل، ويرفعون معنوياته النفسية، ويكسبونه مهارة العلاقة مع الآخرين، والتعامل معهم، وهي حالة ايجابية وفي مرحلة الشباب تشتد حاجة الإنسان لهذه الأمور.
وأشار: أن على الإنسان أن يختار الثلة التي يكون في وسطها، والمجموعة التي ينضم إليها، وقد يرى الإنسان نفسه بشكل عفوي مع مجموعة من الناس، إما لأنهم من أقربائه، أو من أبناء حارته، أو من زملائه في المدرسة أو العمل، فيصبحوا ثلته وأصدقائه، وقد يكونون صالحين أو غير صالحين.
وبيَّن سماحته: أن الحالة العفوية ليست سيئة في بعض الأحيان، موضحاً: تأثر الإنسان بالمجموعة التي يعيش في وسطها من ناحية بناء الشخصية، وبناء الأفكار والسلوك، مؤكداً على أهمية دور العائلة في توجيه الولد والبنت في اختيار المحيط الذي يعيش وسطه، والمساعدة على الانضمام للمجموعات الصالحة والمفيدة، وسلط الضوء على خطورة غياب دور العائلة عن التوجيه مما له كبير الأثر على تكوين شخصية الإنسان.
وأشار إلى تقسيمات الثلة التي يكون الإنسان في وسطها:
وهذا يضع الإنسان على خط الفساد والانحراف، نتيجة اقترابه من هذه المجاميع الفاسدة، وكثير من الناس انحرفوا ووقعوا في المهالك لمصاحبتهم أشخاص سيئين، وتناول القرآن الكريم هذه الحالة التي تورث الندم يوم القيامة في قوله تعالى ﴿يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً﴾ (الفرقان:28-29 ). وفي آية أخرى يتمنى عدم معرفته لهؤلاء الأشخاص الذين قادوه إلى الانحراف في حياته ﴿يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ﴾(الزخرف: من الآية38). ومن الطبيعي أن الإنسان يتأثر إذا عاش في وسط موبوء وفاسد.
وعن درجات الفساد والانحراف قال الشيخ: إذا كان الفساد والانحراف في درجاته الأولى يقود إلى التساهل وهو يؤدي إلى ما هو اكبر منه، إلا إذا كان الإنسان قوي الشخصية، يؤثر عليهم، ويأخذهم باتجاه الصلاح، وإذا كان لا يضمن التأثر بهم فيجب عليه الابتعاد عنهم.
هي مجرد علاقات عاطفية كالاجتماع للأكل والشرب والتنزه، وهي أفضل من الحالة السابقة، إلا أنها سبب في تضييع الوقت.
وهي ثلة هادفة وصالحة لديهم شيء من الوعي والفهم، والالتزام الديني، والاهتمام بقضايا المجتمع والنجاح الدنيوي، وإذا تصادق إنسان مع شباب طامحين ناجحين جادين في عملهم، بغض النظر عن الجوانب الأخرى، مثل إذا كان ليس لديهم اهتمام بالمجتمع، لكنهم ناجحون يكتسب منهم، ويأخذ الصفات الايجابية منهم، وعلى الإنسان أن يسعى أن يكون ضمن مجموعة من هذا القبيل، وأن تساعد العائلة أبناءها ذكوراً وإناثاً أن يكون لهم محيط من الأصدقاء والأقران، محيط صالح يستفيدون منه وينمون من خلاله.
واستعرض سماحة الشيخ: عدداً من الآيات والأحاديث التي تتحدث ضمن هذا السياق:
1. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ (التوبة:119) لان الإنسان إذا اتقى الله وكان بمفرده هذه التقوى قد تضعف عنده، وتهتز في نفسه، وإذا كان في مجتمع صالح تترسخ عنده حالة التقوى، وتكون أمامه فرصة لنقلها للآخرين.
2. عن رسول الله : «أسعد الناس من خالط كرام الناس».
3. وعنه : «من لم تنتفع بدينه ودنياه فلا خير لك في مجالسته» أي من عنده نجاح في أمور الدنيا وتجلس معه وتكسب منه أمر جيد، وإذا كان عنده نجاح والتزام بأمور الدين وتجلس معه وتكسب منه أمر جيد، ولكن إذا لم يكن ناجحاً في دينه ودنياه فالجلوس معه مضيعة للوقت.
4. عن أمير المؤمنين علي : «خير إخوانك من سارع إلى الخير وجذبك إليه وأمرك بالبر وأعانك عليه». فأجمل الأصدقاء من يجذبك إلى عمل الخير.
5. وعنه : المعين على الطاعة خير الأصحاب.
6. وفي رواية أخرى عنه : خير الإخوان من أعان على المكارم.
وبيّن سماحته: أن تفعيل دور الإنسان و الجماعات الصالحة في المجتمع يتأتى من خلال نقاط ثلاث:
أولاً: على الإنسان أن يبحث عن الجماعات التي تخدم الدين المجتمع لا سيما وان في مجتمعاتنا جمعيات ومؤسسات وأنشطة ومجاميع تقوم بأعمال الخير وخدمة المجتمع.
ثانياً: على المجاميع الصالحة أن تستقطب وأن لا تكون مغلقة، وأن تفتح صدرها وتبسط ذراعها لأبناء المجتمع وتستقطب وتجتذب.
ثالثا: تشجيع تكوين المجاميع، علينا أن نشجع تكوين مجموعات بالمجتمع، كإنشاء هيئة أو مؤسسة أو فريق أو جمعية، أن نشجع اكبر قدر ممكن من وجود المؤسسات والهيئات والأنشطة في المجتمع.
واستخلص سماحته في الخطبة الثانية مسؤولية أفراد الناس في إقامة الحق والخير فيما بينهم من خطبة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال فيها: «من واجب حقوق الله على عباده النصيحة بمبلغ جهدهم، والتعاون على إقامة الحق بينهم وليس امرؤ وإن عظمت في الحق منزلته، وتقدمت في الدين فضيلته، بفوق أن يعان على ما حمله الله من حقه، ولا امرؤ وإن صغرته النفوس، واقتحمته العيون، بدون أن يعين على ذلك أو يعان عليه».
وعن الأفراد الذين يكونون في المواقع القيادية في المجتمع وعلاقة الناس بهم، أكد سماحته: أن من واجب الناس تجاه هذه المواقع أن يكونوا في موقع المراقبة والنصيحة والإعانة، مبيناً أن هذه المشكلة تعاني منها الدول المتخلفة.
وأشار الشيخ: إلى الأجهزة والمؤسسات الرسمية التي تدير وتصرف شؤون الناس، من تعليم وصحة وخدمات بلدية وأجهزة أمنية، واجب عليها أن تدير شؤون الناس على الوجه الأكمل، إلا أنهم بشر قد يكون فيهم الصالح والطالح، وفيهم من لا تكون له كفاءة في إدارة هذا المنصب، وقد يكون منحرفاً وفاسداً، وبناء على أصالة الصحة وحسن الظن بالناس فالأصل أنهم صالحون، وبيَّن بعض الأسباب التي يمكن أن تدفع بعض الموظفين للفساد:
• قد يكون هو فاسد أو يحدث له فساد من خلال موقعه.
• وقد يكون غافلاً أو قليل الكفاءة وضعيف الإدارة
• وقد يعتريه الكسل والتقصير
• وقد يكون في جهازه عناصر سيئة.
وحتى لا تصبح الدوائر الحكومية بؤرة للفساد، أكد على أهمية تحمل الدولة لمسؤولية الرقابة والمتابعة لأعمال أجهزتها وموظفيها، ومحاسبتهم وتفتيشهم إدارياً، باعتباره موجوداً حتى في صدر الإسلام، والتجسس الذي تمنعه الآية الكريمة ﴿ وَلا تَجَسَّسُوا ﴾ مشروع في هذا الموضع.
وأضاف: إن على المواطنين أن يتحملوا المسؤولية، وأن يراقبوا، وأن لا يسكتوا على أي خطأ أو تقصير، تجاه أي وضع متردٍ في أي مؤسسة من مؤسسات الدولة، حتى لا يستشري الفساد وتضيع مصالح المواطنين وثروات الوطن.
وأشار سماحته إلى بعض النقاط التي يجب على المواطنين تحمل مسؤوليتها، منها:
1. على المواطن أن يرفع هذا التقصير إلى المستويات العليا في الدولة. وأن يستفيد من المؤسسات التي مهمتها أن تراقب مؤسسات الدولة.
2. استثمار الإعلام في توصيل صوتهم عبر الطرح المتواصل، حتى تعالج المشكلة في مختلف الجهات.وأكد أنه ما ضاع حق وراءه مطالب، وإن الله يحب الإنسان الذي يدافع عن حقه في قوله تعالى:﴿لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ (النساء: من الآية148). ومن يرفض المطالبة بحقه ويسكت عنه يكون آثماً، وهذا يزيد من فساد الموظفين وتسلطهم وانحرافهم.
3. تعاون الناس فيما بينهم لأداء دورهم وتحمل مسؤوليتهم في الرقابة على المؤسسات العامة.
والحمد لله رب العالمين