الشيخ الصفار يُشيد بالملتقى الثاني لعلماء السنة والشيعة بالنجف الأشرف ويستنكر التعتيم الإعلامي عليه
أشاد سماحة الشيخ حسن الصفار بالملتقى الوطني الثاني لعلماء السنة والشيعة بالنجف الأشرف، مؤكداً أهمية هذا التوجه الإيجابي الذي يخدم بشكلٍ مباشر الوحدة الإسلامية والتقارب فيما بين المسلمين. ويجعل العراق نموذجاً للتآلف بين المسلمين، مسلطاً الضوء على خطاب المرجع السيد السيستاني لوفد علماء السنة مشيداً بدوره الواعي في خدمة الوحدة في العراق وعلى مستوى الأمة.
ومن جانب آخر استنكر التعتيم الإعلامي الذي طال هذا الملتقى، مؤكداً أن ذلك يكشف عن وجود حالة مرضية لدى وسائل الإعلام التي تُسخّر الكثير من طاقاتها وجهودها لمظاهر الفتن والنزاع والشقاق، لكنها تغض الطرف عن مبادرات التقارب والوحدة.
وأبدى موقفه الإيجابي من مؤتمر حوار الأديان الذي انعقد في نيويورك رغم منحاه السياسي، إلا أنه يخدم توجه السلم العالمي وحسن العلاقة بين الأمم.
وبمناسبة اليوم العالمي لمرض السكر سلّط الشيخ الصفار الضوء على هذا المرض الخطير والذي بات يُهدد الكثير من الناس، مؤكداً أن الدين الإسلامي كما يهتم بروح الإنسان وسلامتها من الأسقام، فكذلك يهتم بصحة جسم الإنسان، لذلك جاءت النصوص الدينية لتؤكد على هذا الجانب، وتضع الآداب التي ينبغي للإنسان الالتزام بها حفاظاً على صحته وسلامته.
الحمد لله الذي هدانا للإسلام خير دين، ومنّ علينا بنبينا محمدٍ أفضل الأنبياء وخاتم المرسلين، واختار لنا اسماً جامعاً وعنواناً عظيماً يجعلنا مُوحَّدين، قال تعالى: ﴿هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ﴾ (الحج، 78).
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بالعبودية له ننال العز، وبطاعته نحرز النجاة، وبالخضوع له نتحرر من كل سلطان.
ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، به جمع الله القلوب المتنافرة، ووحد القبائل المتناحرة، فصنع منهم أمةً واحدة، وملة راشدة، ومجتمعاً قائداً.
صلى الله عليه وعلى آله الذين أوجب الله مودتهم، وفرض محبتهم، وأمر بالتمسك بهديهم، لتنجوا الأمة بهم وبالقرآن من الانحراف والضلال.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، وحقيقتها الورع عن المحارم، واجتناب المآثم، والتزام الواجبات والمكارم.
جعلنا الله وإياكم ممن يفوزون بتقواه، وينالون رضاه، ويخشونه دون من سواه.
أشار الشيخ الصفار في بداية خطبة الجمعة 16 ذو القعدة 1429هـ (14 نوفمبر 2008م) إلى أن القرآن الحكيم تناول في العديد من آياته مسألة الخلافات الدينية، مبيناً أن أصل الاختلاف الديني فيما بين الناس أمرٌ طبيعي، وعلل ذلك بعدة أمور:
أولاً- الاستجابة أو عدمها لرسالات الأنبياء، وهذا يجعل الناس فريقين.
ثانياً- استجابة أصحاب الديانات السابقة أو عدمها لرسالات الأنبياء المتأخرين، وهذا أيضاً يصنع نوعاً آخر من الاختلاف.
ثالثاً- فهم أتباع الدين الواحد لمفاهيم الدين وتعاليمه، وهذا ينتج تعدد المذاهب ضمن الدين الواحد، بل تعدد المدارس ضمن المذهب الواحد.
وأكد الشيخ الصفار أن هذه الصور المتنوعة للاختلاف فيما بين أتباع الديانات ينبغي أن تُصبح ساحة للتعارف والحوار المتبادل، وأن يكون هناك إقرار للحرية وأن يكون الاعتماد على المنطق والبرهان والاحترام حين تكون هناك الحاجة للدخول في الحوار والنقاش، وينبغي أن لا تكون هذه الخلافات مجالاً للصراع والنزاع، وفرض الرأي قسراً. والقرآن الكريم صريحٌ في هذا الجانب، يقول تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ (البقرة، 256).
وأكد الشيخ الصفار أن وجود الأمراض الأخلاقية كالتعصب والاستبداد الفكري، وفرض الرأي على الآخرين، من شأنه أن يخلق حالة من الصراع المتبادل، وهذا ما يرفضه القرآن الكريم.
مضيفاً: إن القرآن الكريم يُقدّم رؤيةً حضارية في اتجاهين، للتعامل مع الاختلافات الدينية:
الاتجاه الأول: إثارة العقل للتفكير والتدبر في المسائل الدينية، والاحتكام لمنطق البرهان والدليل، يقول تعالى: ﴿قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ (البقرة، 111)، ﴿قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا﴾ (الأنعام، 148).
الاتجاه الثاني: الاحترام المتبادل فيما بين أتباع الديانات المختلفة، وأتباع المذاهب المختلفة، والمجال مفتوحٌ للنقاش والحوار الهادف، ولكل الحق في أن يتبع الطريق الذي يؤمن به، يقول تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ﴾ (الكهف، 29).
واستنكر الشيخ الصفار على أؤلائك الذين ما زالوا منشغلين بموضوع الخلافات والصراعات طيلة قرون من الزمن، مؤكداً أن هذا جدلٌ عقيم يُعرقل مسيرة الحياة، وهو بخلاف النهج القرآني الذي يؤكد على الحوار باللتي هي أحسن مع أتباع الديانات المختلفة فضلاً عن أتباع الدين الواحد، يقول تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ (العنكبوت، 46). ويقول تعالى: ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ * وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ (الحج، 67-68) مبيناً أن هذه الآية الكريمة تقر بوجود الاختلاف فيما بين الناس من حيث طريقة تعبدهم له تعالى، وتؤكد أن هذا الأمر ينبغي أن لا يكون مجالاً للنزاع والجدل العقيم، حتى وإن سعى الآخرون لذلك.
وانتقد الشيخ الصفار الذين يُستدرجون لساحة الجدل العقيم عبر الفضائيات أو وسائل الإعلام المختلفة، التي تسعى جاهدةً لإثارة الفتن فيما بين أتباع المذاهب. وأكد أن هؤلاء المجادلين لن يأتوا بجديد في ساحة الجدال الإسلامي.
وعاتب الذين يواصلون مسيرة النزاع والخلاف المذهبي عبر البيانات والتصريحات التي تُعلن بين آونةٍ وأخرى، مؤكداً أن هؤلاء لم يستوعبوا الرؤية القرآنية، أو أن لهذا التحرك مصالح شخصية وفئوية، أو أنه يُدار من خلال جهات مغرضة تهدف لإثارة الفتن فيما بين المسلمين.
وعلى صعيد تجاوز الأمة هذه الصراعات المتبادلة أشار الشيخ الصفار إلى قمة حوار الأديان الذي انعقد في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، مؤكداً أن هذا المؤتمر اتخذ منحى سياسياً في حين أن الحوار بين الأديان في أصله بين الجهات الدينية، إلا أن موقفنا هو مع أي مبادرة إيجابية تخدم هذا السياق.
ومن جانب آخر أشاد الشيخ الصفار بالملتقى الوطني الثاني لعلماء السنة والشيعة بالنجف الأشرف، والذي حضره أكثر من (1000) عالم من الطرفين، وحضره ممثلون من المرجعيات الدينية، وكذلك سفير منظمة المؤتمر الإسلامي، وكان لهذا المؤتمر نتائج إيجابية في ما يتعلق بموضوع الوحدة والحوار المتبادل بين السنة والشيعة.
وأبدى الشيخ الصفار استياءه من التعتيم الإعلامي الذي لحق بهذا المؤتمر، مؤكداً أن ذلك يكشف عن وجود حالة مرضية لدى وسائل الإعلام، التي تُسخّر الكثير من طاقاتها وجهودها لمظاهر الفتن والنزاع والشقاق، لكنها تغض الطرف عن مبادرات التقارب والوحدة، بل إن هناك في جمهور علماء الأمة من يسعون لبث روح اليأس في نفوس الأمة بما يتعلق بموضوع الوحدة والتقارب بين المسلمين، وهؤلاء يُشكلون عقبة في طريق الوحدة، وعليهم أن يُعيدوا النظر في منهجهم هذا.
وسلّط الشيخ الصفار الضوء على خطاب المرجع الديني السيد السيستاني لوفد علماء المسلمين واصفاً إياه بالخطاب الواعي وأنه يُمثل رؤية إسلامية حضارية بالمستوى الرفيع، مشيراً لمقتطفات من خطاب سماحته، جاء فيها:
- انا سعيد بما اسمع من خطاب وحدوي لدى علماء السنة ، و يعزّ عليّ ان اسمع احيانا الكلمات المثيرة للفرقة.
- الاختلاف في الفكر و الاجتهاد لا يجوز ان يكون سببا للتفرقة بل "اختلاف أمتي رحمة".
- انا اجزم ان إرادة التفرقة : جاءت من الخارج.
- عليكم التركيز على بيان المشتركات ولا داعي للتعرض الى المسائل الخلافية.
- بعد التعرض لمرقد الامامين العسكريين (عليهما السلام) دعوت الشيعة كلهم الى الهدوء وعدم الرد وقلت إن ما حدث لم يقم به اهل السنة.
- لو راجعتم كلامي خلال جميع لقاءاتي، فإني ادعو باستمرار الى الوحدة، ولم اتكلم بكلمة واحدة مخالفة لهذا التوجه.
- درست عن الشيخ احمد الراوي، وهو من علماء السنة في سامراء، ولم يكن يخطر ببالي انه على غير مذهبي.
- كنا نراجع بعض الاطباء وهم من اهل السنة، ولكوني من طلبة العلوم الدينية.. لم يكونوا يأخذوا منا اجورا و لم يفكروا اننا من السنة او الشيعة وهذا هو نموذج التعايش الوحدوي في العراق.
- لا يجوز ان نساهم حتى بشطر كلمة من شأنها ان تؤدي الى التفرقة، ويجب الابتعاد عن الخطاب المتشنج.
- انا اعجب كيف لا يقبل بعضنا من بعض حينما يعلن انه يشهد الشهادتين، وبينما نقبل كلام اعدائنا وقد اعلنوا انهم يشنون علينا حربا صليبية.
- قلت لبعضهم اذا كانت لديك فكرة، فعليك ان تعبر عنها بالمنطق اللين وليس بالخشن، واذا خـيرت بين اللـين وما هو ألين، فاختر ما هو ألين للتعبير عن قصدك.
- العلماء مدار الوحدة وقطبها والمسلمون بهم يهتدون فالمرجو منكم ان تظهروا للناس وحدتكم.
- نعم.. في كل طائفة يوجد متطرفون، لكن الخطر هو ان يوجد الصراع بين اصحاب الفكر والثقافة.
وتفاءل الشيخ الصفار في ختام الخطبة بأن تكون العراق مصدراً للوحدة ونموذجاً للتآلف بين المسلمين، بعكس ما أراد لها الأعداء بأن تكون ساحة للنزاع والشقاق، ونشر الخوف، ليس في الساحة العراقية فقط بل في المنطقة كلها، مشيداً بموقف المرجعية العليا للسيد السيستاني الذي تمثل موقفاً حكيماً منبثقاً من سيرة أئمة الهدى (عليهم السلام).
بمناسبة اليوم العالمي لمرض السكر سلّط الشيخ الصفار الضوء على هذا المرض الخطير والذي بات يُهدد الكثير من الناس، مؤكداً أن الدين الإسلامي كما يهتم بروح الإنسان وسلامتها من الأسقام، فكذلك يهتم بصحة جسم الإنسان، لذلك جاءت النصوص الدينية لتؤكد على هذا الجانب، وتضع الآداب التي ينبغي للإنسان الالتزام بها حفاظاً على صحته وسلامته. يقول تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾الأعراف31. ويقول الرسول الأعظم : ((المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء))، ويقول الإمام علي : ((من قلّ طعامه قلّ آلامه))، وعنه : ((من كثر أكله قلّت صحته، وثقلت على نفسه مؤونته))، وقال الإمام الكاظم : ((لو أن الناس قصدوا في الطعام لاعتدلت أبدانهم)).
وأشار الشيخ الصفار إلى خطورة مرض السكر، وأنه لا يُمكن استئصاله، وقد يتعرض المصاب به إلى فقد أحد أعضائه أو تلفها، وقد يصل الأمر إلى بتر أحد الأعضاء، مضيفاً: إن نسبة الإصابة بمرض السكر في تزايد مستمر في المملكة حيث تصل نسبة المصابين الآن إلى أكثر من 20% وهي نسبة كبيرة جداً، مشيراً أن نسبة كبيرة أيضاً من الأطفال مصابون بهذا المرض وراثياً أو نتيجة النمط الغذائي السلبي المتعامل به في المجتمع.
ودعا الشيخ الصفار إلى التفاعل مع هذه المناسبات العالمية، وذلك دليل وعي واهتمام، مؤكداً على أهمية النشاط الرياضي الذي يتقاعس عنه الكثير، في حين أنه من أهم أسباب دواعي الصحة البدنية وسلامة جسم الإنسان. إضافة لذلك أكد على ضرورة اعتماد نمط غذائي صحي من شأنه أن يحمي من الإصابة بهذا المرض الخطير.
وأشار إلى أن الإصابة بهذا المرض قد تكون خارجة عن الإدارة إذا كانت بسبب وراثي، وقد تكون نتيجة سوء التغذية والاهتمام بالصحة البدنية، وهذا ما ينبغي الوقوف عنده من أجل صحة الإنسان وسلامته.
واختتم الشيخ الصفار الخطبة بالتأكيد على مسؤولية الإنسان تجاه نفسه وتجاه أسرته وأبنائه، فالإنسان مسؤوول عن ذلك، ولا يحق له أن يُعرض نفسه للتهلكة، ولا أن يُعرض أهله وأسرته لذلك، يقول تعالى: ﴿وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (البقرة، 195).
والحمد لله رب العالمين