الشيخ الصفار يدعو للتحلي بالوعي أثناء موسم الحج تجنباً للفتن الطائفية
دعا سماحة الشيخ حسن الصفار المسلمين للتحلي بالوعي تجنباً للوقوع في فتن طائفية، مؤكداً أن الساحة الإسلامية محمومة ومهيئة لذلك. موجهاً نداءً للمنتمين للمدرسة السلفية بأن يتعاملون مع بقية المسلمين بأفق أوسع، وأن يتقبلوا الاختلاف، لا أن يُحوّلوه إلى صراع لا يخدم أي جهةٍ إسلامية إنما يصب في خندق الأعداء والمتربصين بالمسلمين الدوائر. داعياً في الوقت نفسه القادمين لزيارة رسول الله من داخل وخارج المملكة أن يكونوا حذرين من الوقوع في فخ الإثارات، وأن لا تكون الأعمال المستحبة على حساب القضايا الكبرى كالوحدة والانسجام مع جميع المسلمين. مضيفاً: إن صورة الإسلام والمسلمين امام العالم يتحمل مسؤوليتها الجميع.
وبمناسبة اليوم العالمي للطفل الذي يُصادف (20 نوفمبر) تحدث الشيخ الصفار عن حقوق الطفل، والدور المطلوب القيام به من قبل الوالدين والأسرة بدرجة أولى، والمجتمع بدرجة ثانية، مؤكداً أن الأطفال أمانة ومسؤلية شرعية والاهتمام بتربيتهم وأداء حقوقهم ضرورة أسرية واجتماعية.
الحمد لله مبدأ الحمد ونهايته، ومنتهى الشكر وغايته، رافع العمل، وغافر الزلل، وباسط الأمل، ذي القدرة والسلطان، والجود والامتنان، لا تُبدله العصور، ولا يخفى عليه مستور، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. نحمده سبحانه على عظيم نعمه، وواسع فضله، وسابغ رزقه.
ونشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، شهادةً تلحقنا بالموحدين، وتفرق بيننا وبين المشركين، وتثقل موازيننا يوم الدين، يوم يقوم الناس لرب العالمين.
ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، هذّبه وكمّله، واصطفاه وأرسله، ختم به النبيين، وفضلّه على المرسلين. صلى الله عليه وآله الهداة إلى الحق والداعين إلى الرشد.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله الذي منه مبدؤكم، وإليه مرجعكم ومردكم، جعلنا الله وإياكم ممن أعزّهم بطاعته، وأبعدهم عن ذلّ معصيته.
أشار الشيخ الصفار في بداية خطبة الجمعة 23 ذو العقدة 1429هـ (21 نوفمبر 2008م) إلى المكانة العظيمة التي تحتلها مكة المكرمة في قلوب المسلمين جميعاً فهي المكان الذي اختاره الله تعالى لبيته الحرام، وفيها قبلة المسلمين، ويحج إليها المسلمون كل عام، وفيها ولد أفضل الخلق أجمعين وسيد المرسلين نبينا محمدٍ ، وقد ورد عن رسول الله قوله: ((والله إنك لخير أرض الله إلى الله وأحب أرض الله إلى الله، ولو لا أني أخرجت منك لما خرجت)).
ورأى الشيخ الصفار أن موسم الحج لهذا العام يأتي وسط ظروف خاصة تمر بها الأمة الإسلامية، مشدداً على ضرورة أن يتحلى الحجيج بمزيدٍ من الوعي أثناء أدائهم لمناسك الحج. مؤكداً أن الدولة تتحمل جزءً كبيراً من المسؤولية، إلا أن الناس أنفسهم عليهم أن يظهروا بالمظهر اللائق أثناء هذه الفريضة المقدّسة.
وفي عرضه لرواية عن الإمام الباقر حيث يقول: ((ما يُعبؤ بمن يؤم هذا البيت إذا لم يكن فيه ثلاث خصال: ورعٌ يحجزه عن معاصي الله، وحلمٌ يملك به غضبه، وحسن الصحابة لمن صحبه)) أكد الشيخ الصفار أن فريضة الحج تتميز عن غيرها من الفرائض باجتماع المسلمين من مختلف البقاع والأعراق والبيئات والطباع مما يولّد نسبة كبيرة من الاحتكاك والتماس فيما بينهم، ونتيجة لذلك قد تستبد بالبعض حالة الغضب والانفعالات، وهذا لا يتناسب والمكان المقدس الذي يجتمع فيه المسلمون، ولذا ينبغي على الحجيج أن يتحلوا بالهدوء والطمأنينة التي من شأنها أن تخلق أجواء الألفة والاحترام المتبادل فيما بين الحجيج، ليُقدم المسلمون من خلال موسم الحج صورةً مشرقة عن الإسلام والمسلمين، وليكونوا يداً على عدوّهم الذي يتربّص بهم الدوائر، مؤكداً أن غفلة المسلمين عن هذا الجانب قد تجعل الساحة مفتوحة للمغرضين والحاقدين والمتربصين بأن ينفذوا إلى الأوساط فيُثيروا الفتنة ويُحققوا أهدافهم البغيضة بحق الإسلام والمسلمين. لافتاً الانتباه إلى أن هذا التصرف ليس بالضرورة أن يصدر من خارج الأمة الإسلامية، فربما هناك من المسلمين من تأخذهم العزة بالإثم ليُمارسوا دوراً متخلفاً بحق الإسلام والمسلمين، مؤكداً أن هؤلاء أخطر على الإسلام والمسلمين من العدو الخارجي.
وأبدى الشيخ الصفار انزعاجه وتألمه لما يقوم به البعض من أتباع المدرسة السلفية عند استقبالهم لزوار رسول الله وأئمة البقيع والصحابة الأخيار وأمهات المؤمنين، حيث يتوافد الكثير من المسلمين إلى مدينة رسول الله بقصد الزيارة والتبرك والتوسل إلى الله تعالى، مفتتحين مناسك حجهم بهذه الأجواء الروحية، إلا أنهم يواجهون بمنطق متعصب يُمارسه البعض من المنتمين للمدرسة السلفية حيث يرون أن زيارة المدينة المنورة بقصد الزيارة والتبرك تُعتبر بدعة، ولا تقف المسألة عند حدود الاعتقاد فقط، وإنما تتجاوزه إلى الحد الذي يُساء فيه لبقية المسلمين في اعتقاداتهم وتوجهاتهم العبادية، ويرى الشيخ الصفار أن هذا التصرف يُنافي الشرع بل ويقدح فيه، ويُعطي صورة سلبية لهذا البلد الذي يحتضن الحرمين الشريفين.
وأكد الشيخ الصفار أنه يتوجب على هؤلاء أن يحتفظوا بآرائهم حول زيارة النبي وأئمة البقيع وأن يتركوا للمسلمين حريتهم الدينية، فليس هناك وصاية لأحد على أحد في الدين، ومنتهى الأمر عليهم أن يُقدّموا النصيحة والدعوة لما يؤمنون به، وذلك بشرط التزام التعاليم الإسلامية الحقة من احترام الناس، والتعامل الحسن وحسن الظن.
وأشار الشيخ الصفار إلى أن الأمة الإسلامية اليوم في مواجهة ضاغطة مع تيارات الفتنة والتعصب، وهذا يجعل الساحة مفتوحة على مختلف الاحتمالات، مما يعني ضرورة أخذ الحيطة والحذر خصوصاً في موسم الحج مع التجمع الجماهيري للمسلمين.
ودعا الشيخ الصفار المؤمنين إلى التسلح بالوعي، وأن لا يكون التزامهم ببعض الشعائر المستحبة على حساب القضايا الكبيرة كالوحدة والانسجام مع جميع المسلمين، وإذا كانت هناك بعض الأعمال التي من شأنها أن تُثير الأطراف الأخرى فينبغي النظر فيها وتقليصها حفاظاً على الصورة العامة للإسلام والمسلمين، ولكي تُسد كل الثغرات التي يُمكن للأعداء من خارج الأمة أو المغرضين من داخلها النفوذ منها.
مشيراً أن المملكة في هذه المرحلة تعيش أصداء المبادرة التي أطلقها الملك عبد الله لحوار الأديان والتي أقيمت في نيويورك، وحيث أثيرت حول هذه المبادرة الكثير من الشكوك والاتهامات، فإن الممارسات غير الإيجابية في موسم الحج ستعكس الصورة السلبية للبلد مما يقوّي تلك الاتهامات والشكوك بشأن هذه المبادرة.
واختتم الشيخ الصفار الخطبة بالتأكيد على أن الوعي وإدراك خطورة المرحلة هما السبيل للخروج بموسم الحج بصورة مشرقة، وإلا فإن تجاهل ذلك من شأنه أن يخلق أجواء طائفية مشحونة يتضرر بسببهاالمسلمون جميعاً.
بمناسبة اليوم العالمي للطفل الذي يُصادف (20 نوفمبر) تحدث الشيخ الصفار عن حقوق الطفل، وأنه أمانة عند والديه بدرجة أولى، وعند المجتمع بدرجة ثانية. وأن الطفل كائنٌ صغير لا يعرف حقوقه فضلاً عن أنه غير قادرٌ على الدفاع عنها. مشيراً أن شخصية الطفل تتبلور من خلال المعاملة التي يتلقاها في أسرته، وهو سيكون رجل الغد (ذكراً أو أنثى) فكان من الضروري الاهتمام برعايته وتربيته، خصوصاً في هذا العصر الذي زادت فيه انشغالات الناس وتحدياتهم واهتماماتهم، فبات طفل هذا العصر لا يلقى الرعاية التي كان يلقاها الطفل في الماضي، حيث كان محاطاً بعاطفة كبيرة من الأسرة، وكان الوالدان قريبين من أولادهم بل وملتصقين بهم.
وأكد على ضرورة التفكير في نصيب الأطفال من الوالدين بالجلوس معهم ومؤانستهم والترفيه عنهم، يقول : ((لجلوس أحدكم مع عياله ساعة، أفضل من عبادةٍ في مسجدي هذا)). ومرةً خرج رسول الله على عثمان بن مظعون ومعه صبيٌّ له صغير يلثمه، فقال: ابنك هذا؟ قال: نعم. قال: أتحبه يا عثمان؟ قال: إني يا رسول الله أحبه! قال : أفلا أزيدك له حباً؟ قال: بلى فداك أبي وأمي! قال : إنه من يُرضي صبياً صغيراً من نسله حتى يرضى ترضّاه الله يوم القيامة حتى يرضى. وعن الإمام الصادق : إن الله ليرحم العبد لشدة حبه لولده. وعنه : من قبّل ولده كتب الله له حسنة، ومن فرّحه فرحه الله يوم القيامة، ومن علّمه القرآن دعي بالأبوين فيُكسيان حلتين يُضيء من نورهما وجوه أهل الجنة. وعنه : من كان له صبي فليتصاب له.
وأشار الشيخ الصفار إلى أن إنسان هذا العصر بسبب الضغوط المختلفة التي تواجهه سواءً الاقتصادية منها أو النفسية جعلت البعض يُقصّر في واجباته تجاه أولاده، والبعض الآخر أصبح يُمارس عنفاً تجاه أسرته تنفيساً عما بداخله، فأصبح هناك حديث واسع عن العنف الأسري، وباتت مظاهره واضحة جلية. وهذا يُخالف التعاليم الإسلامية التي تدعو للرحمة بالطفل، فعن الإمام الصادق يقول: قال نبي الله موسى : يا رب أي الأعمال أفضل عندك؟ قال: حب الأطفال. فإني فطرتهم على توحيدي، فإن أمتهم أدخلتهم جنتي برحمتي.
وأضاف الشيخ الصفار أن البعض يُلقي باللائمة على الطرف الآخر في الحياة الأسرية، فالزوج يُلقي باللائمة على زوجته، والزوجة كذلك، في حين أن كلاً منهما يتحمل مسؤولية تجاه الأسرة، ولا يُمكن للبناء الأسري أن يتكامل إلا بإرادة واعية من قبل الزوجين لذلك، وأن حدوث المشاكل بينهما من شأنها أن تفكك الكيان الأسري والضحية بكل تأكيد هم الأطفال.
وأكد الشيخ الصفار في ختام الخطبة أن المجتمع ينبغي أن يتحمل مسؤولية كبيرة تجاه الأطفال بإنشاء المؤسسات التعليمية والترفيهية التي تعني بالأطفال ليأخذوا نصيبهم من الاهتمام، ولكي يُغطي المجتمع النقص الذي قد يتسبب فيه الوالدان تجاه أطفالهم. وحتى تتكامل الجهود بين داخل الأسرة والمحيط الاجتماعي.
والحمد لله رب العالمين