الشيخ الصفار يستعرض بعض توجيهات الإمام الجواد (عليه السلام)
دعا سماحة الشيخ حسن الصفار لقراءة سيرة أهل البيت بموضوعية وإنصاف، مؤكداً أن ذلك يكشف تميزهم وتفوقهم على من سواهم، مشيراً أن هناك معلمين بارزين في سيرتهم : أولاً- الممارسة الطاهرة النقية في هذه الحياة، فسلوكهم واضح ونقي، وثانياً- العطاء الذي قدّمه أهل البيت للأمة. واستعرض شيئاً من مآثر وحديث الإمام الجواد الذي تمر على الأمة ذكرى شهادته المؤلمة.
وفي سياقٍ آخر أكد أن قرارات الإنسان وتصرفاته تحتمل الصواب والخطأ، مبيناً أن هناك من هو مستعد للتراجع عن الخطأ حينما يلفت نظره إليه، إلا أن الكثيرين ممن تأخذهم العزة بالإثم، فيتشبّثون بقراراتهم ولا يؤلون للنصيحة أي اعتبار، مؤكداً أن هذا السلوك غير سوي، وعليهم مراجعة ذواتهم فالإمام علي يقول: من لم يتعظ بالناس وعظ الله الناس به.
الحمد لله الذي دلّ على غناه بفقر الممكنات، وعلى قدمه بإيجاد الحادثات، وعلى قدرته بعجز المخلوقات. تفرّد بالوحدانية، فهو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد.
نحمده سبحانه في السرّاء والضراء، ونشكره في الشدة والرخاء، ونستكفيه شرّ ما أُبرم من القضاء.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الأول في الابتداء، الباقي بعد فناء الأشياء.
ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، المبعوث لكافة الخلق، أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً.
صلى الله عليه وآله خير آل، الداعين إلى الرشاد والكمال، والمتصفين بأفضل الصفات والخصال.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله جلّ جلاله، فهي الجُنّة الواقية من الأخطار، والمنجية في يومٍ تشخص فيه القلوب والأبصار، وأحذّركم ونفسي غضب الله ونقمته، وما توعّد به من أصرّ على معصيته.
جعلنا الله وإياكم من عباده المتقين، التائبين الصالحين.
أكد الشيخ الصفار في خطبة الجمعة 30 ذو القعدة 1429هـ (28 نوفمبر 2008م) أن من يقرأ سيرة أهل البيت بموضوعية وإنصاف يكتشف تميزهم وتفوقهم على من سواهم، مشيراً أن هناك معلمين بارزين في سيرتهم :
أولاً- الممارسة الطاهرة النقية في هذه الحياة، فسلوكهم واضح ونقي، ولا يستطيع أحد أن يجد فيه ثغرة أو نقطة ضعف، رغم اختلاف الظروف التي عاشوا فيها بين شدّةٍ ورخاء، إلا أن ذلك لم يؤثر على نقاء سيرتهم العطرة. والتاريخ شاهدٌ على ذلك إذ لم يستطع أحدٌ أن يُسجّل ولا ثغرة واحدةٍ على أيٍّ من أئمة أهل البيت .
ثانياً- العطاء الذي قدّمه أهل البيت للأمة ليس له نظير، فمن يقرأ كلامهم وأحاديثهم يُدرك بجلاء عمق المعرفة الإيمانية التي يتحلون بها، ويُدرك أن هذه الكفاءة وهذه السيرة الربّانية لا تتأتى إلا بعناية خاصة من قبل الله تعالى.
وبمناسبة استشهاد تاسع الأئمة الإمام محمد بن علي الجواد أشار الشيخ الصفار إلى بعض الجوانب المشرقة من سيرته ملفتاً الانتباه إلى أن هذا الإمام العظيم رغم صغر سنه، ورغم وجوده بين مناوئيه، إلا أنه استطاع أن يفرض مكانته وفضله بين أبناء الأمة، فاعترف له بالفضل العلماء الذين يعيشون حالة المنافسة مع أهل البيت ، فضلاً عن أؤلائك الذين يعترفون لهم بالفضل، ويعتقدون بإمامتهم. فهذا عم أبي الإمام الجواد، وهو علي بن الإمام جعفر الصادق على كبر سنه ومكانته العلمية بين الناس، إلا أن الرواية تقول: دخل أبو جعفر الجواد مسجد رسول الله فوثب علي بن جعفر بلا حذاء ولا رداء، فقبل يديه وعظمه، فقال له أبو جعفر: يا عم اجلس رحمك الله. فقال يا سيدي كيف أجلس وأنت قائم؟ فلما رجع علي بن جعفر إلى مجلسه جعل أصحابه يوبخونه ويقولون: أنت عمّ أبه! وأنت تفعل به هذا الفعل؟ فقال: استكوا إذا كان الله عز وجل –وقبض على لحيته- لم يؤهل هذه الشيبة وأهّل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه، أؤنكر فضله؟ نعوذ بالله مما تقولون! بل أنا له عبد!
وفي سياق الحديث عن مآثر الإمام الجواد استعرض الشيخ الصفار روايتين متطرقاً إلى بعض ما تتضمنانه من قيمٍ سامية.
- يقول الإمام الجواد : ((من سلامة الإنسان قلة حفظه لعيوب غيره، وعنايته بإصلاح عيوب نفسه)).
أشار الشيخ الصفار في معرض الحديث حول هذه الرواية إلى أن الكمال لله تعالى، ولمن عصمهم الله بفضله ورحمته، وإلا فإن الإنسان معرضٌ للخطأ، وما يُميز الناس عن بعضهم البعض، هو أن الإنسان السليم في تفكيره ونفسيته يتوجه لاكتشاف عيوبه وإصلاحها، لا أن يشغل باله بأخطاء وعيوب الآخرين، فذلك سلوكٌ غير سوي، وفوق ذلك فإن ذلك يجعل الإنسان يعيش حالة الغفلة، ويُطبّع في نفسه الأخطاء.
- يقول الإمام الجواد : ((ثلاث يبلغن العبد رضوان الله تعالى: كثرة الاستغفار، ولين الجانب، وكثرة الصدقة)).
وفي هذه الرواية يركّز الإمام الجواد على ثلاث خصال يبلغ بها العبد رضا خالقه سبحانه، وهي:
- كثرة الاسغفار: والاستغفار ينبغي أن يكون بمعناه الحقيقي، أي: أن يُدرك الإنسان حالة الضعف الخلل وممارسة الخطأ وأن يعزم على تجاوزها وإصلاحها.
- لين الجانب: بأن يكون الإنسان ليناً وليس شديداً في تعامله مع المحيطين حوله، وبالتأكيد أسرته وعائلته بالدرجة الأولى.
- كثرة الصدقة: وهي عنوان المؤمن، وتُبارك في الرزق، وتدفع البلاء، وتجعل الإنسان محبوباً عند الله تعالى وعند الناس.
ودعا الشيخ الصفار لمزيد من الاهتمام بكثرة التصدق، وأن يسعى الإنسان لتعويد زوجته وأبنائه على هذا السلوك العظيم، فإضافة إلى أن له بذلك الأجر والثواب الكبير، فإن التعوّد على الصدقة من أفضل العادات، وبها يتعرض الإنسان للبركات من الله تعالى.
أشار الشيخ الصفار إلى أن الإنسان في قراراته وتصرفاته قد يكون مخطئاً أو مصيباً، وليس هناك من يدّعي العصمة لنفسه، وحتى من عصمهم الله تعالى فإنهم في علاقتهم الربّانية مع الله تعالى يُظهرون الخضوع والخشوع، ويُقرّون لله بالتقصير، فيستغفرون الله تعالى ويطلبون منه العفو والرحمة، مع أن الله تعالى قد عصمهم، ويُضيف الشيخ الصفار: إن هذا السلوك يحتمل أمرين:
الأول: أن يكون لتعليم وتربية وتوجيه الأمة.
الثاني: أن المعصوم يُدرك عظمة الله تعالى، ويستشعر عظيم فضله، فيعيش الشعور بأنه مهما أطاع الله تعالى، وبالغ في الخشوع إلا أنه يبقى مقصراً في جنب الله سبحانه.
وأكد أن على الإنسان أن يحتمل حدوث الخطأ في قراراته وتصرفات، مشيراً أن من سعادة الإنسان أن يكون هناك من ينصحه ويعظه. فنحن نُدرك قيمة ذلك في جوانب حياتنا المادية، فحين يضلّ أحدنا الطريق ويكون هناك من يُرشده للطريق السليم فإن يشعر بالسعادة البالغة ويُقدّم شكره وثنائه لمن أرشده. فكذلك في الجوانب المعنوية، فإن من سعادة الإنسان أن يُوفّق بمن يُقدّم له النصحية والموعظة.
وأشار أن الناس تجاه النصيحة ينقسمون إلى قسمين:
الأول: يعتبر هذه النصحية فرصة لمراجعة الذات، فيُفكّر بجدية في الموضوع، ويكون مستعداً للتراجع عن القرار عند اكتشافه للخطأ.
الثاني: يتسامى على النصيحة، فيرى نفسه فوق الخطأ، وبتعبير القرآن الكريم، تأخذ العزة بالإثم، يقول تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ (البقرة، 206).
وأوضح الشيخ الصفار أن العلاقات الإجتماعية مليئة بمثل هذه المواقف، وخصوصاً ما يرتبط بالعلاقة الأسرية، حيث يرفض الكثيرون النصائح المقدّمة لهم، مع أن الناصح ليس له منفعة في ذلك، إلا أن الشعور بالأنفة والكبرياء يكون حائلاً دون قبول النصيحة.
يقول الإمام علي : من لم يكن أملك شيءٍ به عقله، لم ينتفع بموعظة.
وقال : الجاهل لا يرتدع وبالموعظة لا ينتفع.
وقال : من وعظك أحسن إليك.
وقال : من وعظك فلا توحشه.
وقال : من لم يتعظ بالناس وعظ الله الناس به.
واختتم الشيخ الصفار الخطبة بالتأكيد على أن الإنسان كما يهتم بتحصيل النصيحة في جوانب حياته المادية، فليهتم بها في جوانب الحياة المعنوية، وعلى الإنسان أن يُربي نفسه على تقبل النصائح من الآخرين، وإن لم يقتنع بها مباشرة، وإنما يجعلها مفتاحاً لمراجعة الذات وتصحيح الأخطاء.
والحمد لله رب العالمين