سماحة الشيخ في قناة الجزيرة: الفتنة الطائفية إنما تنبت وتترعرع في الأرض التي تتقبلها
شارك سماحة الشيخ حسن موسى الصفار في برنامج (حوار مفتوح) الذي بثته قناة الجزيرة على الهواء مباشرة، مساء يوم السبت الموافق: 15 محرم 1425هـ، وكانت مشاركة سماحته من مكتب القناة في بيروت.
وقد شارك في هذا الحوار كلٌ من: الدكتور إبراهيم الجعفري، عضو مجلس الحكم الانتقالي (بغداد)، الدكتور محمد مهدي عاكف، المرشد العام لحركة الإخوان المسلمين (القاهرة)، الدكتور مثنى حارث الضاري، عضو هيئة العلماء المسلمين في العراق (بيروت)، العلامة الشيخ يوسف القرضاوي، الداعية الإسلامي المعروف (مسقط)، الأستاذ عبد الباري عطوان، رئيس تحرير صحيفة القدس العربية (لندن).
ونقتطف من هذا الحوار الفقرات الخاصة بسماحة الشيخ حسن الصفار، ونص إجابة سماحته على الأسئلة التي وُجّهت إليه خلال البرنامج:
الأستاذ غسان: الشيخ حسن الصفار وأنت عالم دين شيعي سعودي –بصراحة- هل تعتقد أن –لا سمح الله- أي توتر وأي فتنة موجودة في العراق هل يُمكن أن تبقى فقط في هذا القطر أم أن نيرانه قد تمتد إلى المنطقة بكاملها وبالتالي هل هناك من محرك أساسي يريد لهذه الفتنة أن تندلع في هذا الوقت بالذات انطلاقة من سياسة فرق تسد.
سماحة الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وآله الطاهرين وصحبه الطيبين.
في البداية أتقدم بخالص العزاء لأسر الشهداء الأبرياء المظلومين في كربلاء والكاظمية، أسأل الله تعالى للشهداء المغفرة والرحمة ولأسرهم ولجميع الشعب العراقي الصبر والسلوان.
وثانياً- أشيد بوعي ونضج القيادات العراقية سنية وشيعية التي تعالت على الجراح، ووجهت مشاعر الشعب باتجاه الوحدة وباتجاه نيل الاستقلال وانتزاع السيادة من الاحتلال.
بالنسبة للسؤال الذي تفضلتم به، لا شك أن الفتنة إذا حصلت في أي منطقة من مناطقنا الإسلامية فإن آثارها تصيب الجميع، وهذا ما أدركه الواعون. حيث أن عندنا في المملكة العربية السعودية صدرت عدة بيانات، من علماء ومفكرين ومثقفين، من السنة والشيعة، من الرياض ومن المنطقة الشرقية ومن الحجاز ومن كل المناطق. هذه البيانات تعبر عن إدراك وعن وعي بأن هذه الفتنة ينبغي أن تحاصر وأن تطوّق، حتى لا تمتد آثارها –لا سمح الله- إلى المناطق الأخرى، وحتى لا تحقق الأهداف التي أرادها الأعداء.
لدي ملاحظة حول الجهة التي وراء هذا الفعل.
الأستاذ غسان: عفواً شيخ حسن قبل أن تتحدث عن الجهة، من فضلك.
سماحة الشيخ: نعم.
الأستاذ غسان: عندما تقول (التي أرادها الأعداء) من هم الأعداء وماذا يريدون بالتحديد؟
سماحة الشيخ: هناك أعداء في الداخل، وهناك أعداء في الخارج.
الأعداء من الخارج: هم الجهات والقوى التي تريد الهيمنة على مناطقنا وعلى أمتنا.
وفي الداخل هناك بعض الفئات التي تساعد الأعداء على تنفيذ خططهم وتنفيذ برامجهم.
وهنا أريد أن أقول: العراق ساحةٌ مفتوحة، وهناك احتلالٌ موجودٌ في العراق وهناك جهاتٌ مختلفة من الموساد وغيره، بالتأكيد أن لها ضلع وأن لها تأثير، ولكن هذا لا ينبغي أن يُنسينا أن هناك أرضية في مناطقنا وفي شعوبنا هي التي تمكن هذه الأطراف من أن تنفذ مثل هذه الفتن.
هذه الأرضية هي وجود تعبئة وتحريض من قبل بعض الفئات ضد قبول التعددية. هناك مذاهب متعددة ومتنوعة موجودة في الأمة الإسلامية، ولكل مذهب ولكل طائفةٍ آراؤها ومعتقداتها وشعائرها، وهي تتفق على أصول ومبادئ الدين وأركانه. ولكن هناك بعض الجهات لا تزال لا تقبل بوجود هذه التعددية، وبالتالي هناك تعبئة من هذا الطرف ضد الطرف الآخر، تعبئة في أوساط الجمهور في أوساط الناس برفض الطرف الآخر، هذه التعبئة تخلق أرضية تمكن الأعداء من أن ينفذوا خططهم وبرامجهم. ولذلك لا يكفي أن ندين الأعداء وأن نحمل الآخرين المسؤولية، يجب علينا أن نكون شفافين وواضحين وأن نحاول تغيير هذه الحالة الموجودة في بعض أوساطنا وأجوائنا.
الأستاذ غسان: الشيخ حسن الصفار، هل تعتقد أن ما يحصل في العراق، حيث أن ما يحصل في العراق يهم كل الأمة العربية والإسلامية، وإن أراد بعض العراقيين أن يتحدثوا معنا بمنطقٍ قطريٍّ ضيق بائس ليس كالدكتور إبراهيم الجعفري، سؤالي هو: ونحن في إطار الشيعة والسنة –أجبني بصراحة- هل تعتقد أن من هم خارج العراق يتعاطون مع الشأن العراق أيضاً بشأن مذهبي؟ بمعنى آخر، يقول الأخ الشيعي: أنا مع أخي الشيعي في العراق أياً كان: إسلامياً علمانياً راضياً بالاحتلال؛ ويقول الأخ السني أيضاً في الخارج للعراقي: أنا مع أخي السني في العراق أياً كان: إسلامياً علمانياً كردياً أو شيوعياً أو هو راضٍ بالاحتلال. بمعنى آخر، أن التقويم يكون على قاعدةٍ مذهبية وليس على قاعدةٍ سياسية استراتيجية.
سماحة الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، في البداية أشكر سماحة الشيخ القرضاوي على ما تحدث به ودوره مشكورٌ على هذا الصعيد، لأنه من العلماء القلائل الذين يبشرون بثقافة التقريب بين المذاهب، ونشر التسامح بين المسلمين. كما سعدت بسماع كلام الأستاذ محمد مهدي عاكف، أيضاً كلامه يدل على وعيٍ ونضجٍ وهذا هو المأمول من شخصٍ يحتل موقعه فجزاه الله خيراً.
أريد أن أتحدث عن نقطةٍ وهي: ما حدث في العراق الجميع يتناوله من زاوية أنه يقصد إحياء فتنة طائفية.
الفتنة الطائفية إنما تنبت وتترعرع في الأرض التي تتقبلها. يجب أن نعترف وبعيداً عن الشعارات، وبعيداً عن الطروحات العامة، بأن العلاقة بين المذاهب الإسلامية إلى الآن لم تصل إلى المستوى المطلوب لا يزال هناك بعض التشنج في العلاقات بين أتباع المذاهب الإسلامية، وهذا له سببان:
السبب الأول: وجود ثقافةٍ تحريضية عند مختلف الأطراف.
كل طرفٍ يعبئ طرفه ضد الطرف الآخر، على أساس أنه الفرقة الناجية، وأن الأطراف الأخرى هالكة وفي النار. الثقافة التحريضية التعبوية هي التي تهيئ أرضية الفتن الطائفية، وتمكن للأعداء أن يتحركوا من خلالها.
السبب الثاني: وجود بعض السياسات للتمييز الطائفي في بلاد المسلمين.
السياسات التي تهمش فئةً على حساب فئةٍ أخرى، فتعطي امتيازات لهذه الجهة وتمنع تلك الجهة. نحن نحتاج أن تكون الأوضاع في بلادنا أوضاعاً عادلة وديمقراطية، بحيث أن المواطن يعيش المواطنة بغض النظر عن مذهبه، وبغض النظر عن انتمائه الفكري.
إذا تحقق هذان الأمران: نشر ثقافة التسامح ووضع حد للتعبئة والتحريض المذهبي من ناحية، ومن ناحية أخرى إذا عولجت سياسات التمييز الطائفي بأن يُتعامل مع المواطنين في كل بلدٍ إسلامي على أساس مواطنتهم وبعيداً عن تصنيفهم مذهبياً أو طائفياً؛ نكون قد أغلقنا الطريق أمام مؤامرات الأعداء. وهذا ما نأمل أن يقوم به العلماء الواعون.
ما حدث في العراق حدث، وقبله حدث في باكستان، وقبله حدث في أفغانستان، ويحصل في مناطق أخرى بدرجات مختلفة، على العلماء الواعين أن يتحملوا مسؤوليتهم تجاه هذا النمط من التفكير، نمط التحريض والتعبئة المتبادلة، بأن جهةً من الجهات سنيةً كانت أن شيعية تعتبر نفسها هي المسلمة فقط، وأن البقية مشركون، وأن البقية كفار، وأن البقية مبتدعة، لأنهم يختلفون معها في هذه الجزئية العقدية أو في هذا الحكم الفقهي.
يجب أن يتفق علماء المسلمين، وخاصةً الآن بعد هذه الفتنة العمياء، على توجيه خطابٍ للأمة الإسلامية بوضع حدٍ لخطاب التعبئة والتحريض، فكل من آمن بالله رباً، وبمحمدٍ نبياً، وبالآخرة معاداً، وبالقرآن كتاباً، وبالكعبة قبلةً، وآمن بأركان الإسلام فهو مسلم، مهما تنوعت اجتهاداتهم العقدية والفقهية.
يجب أن يقرر العلماء هذا الأمر، وأن لا يقبلوا التشكيك في أديان الآخرين، تكفير الآخرين أو نسبة الشرك لهم أو ما أشبه.
وينبغي إيصال رسالة إلى كل الحكومات بأن تعيد النظر في سياسات التمييز الطائفي حتى يعيش الناس متساوين في وطنيتهم وفي حقوقهم وفي واجباتهم، وبهذا نفوت الفرصة على الأعداء، وإلا أن نلقي باللائمة دائماً على الخارج وعلى الأعداء ونتجاهل العوامل الداخلية عندنا، هذا لا يحل المشكلة!.