الشيخ الصفار: الإحسان إلى الناس نهج أخلاقي يحتاج إلى مأسسة وتنمية
الشيخ الصفار في الليلة الثالثة من المحرم 1430هـ في مجلس الشيخ محمد صالح المبارك يؤكد على أن الإحسان نهج أخلاقي عظيم تحتاجه المجتمعات بشتى مجالاته، مضيفاً القول: بأن مجالات الإحسان عديدة وأن المجتمع بحاجة إلى تكوين لجان ومؤسسات لتنميتها.
هذا موجز خطابه الذي كان بعنوان: صناعة الإحسان، وهو في ثلاثة محاور جاءت كالتالي:
الإحسان يعرّف بأنه مأخوذ من الحسن وهو ضد القبح والاحسان ضد الاساءة. وفي الاصطلاح له معنيان:
الأول يأتي بمعنى الإتقان. أحسنت فعل الشيء يعني أتقنته. كما في قوله تعالى ﴿وصوركم فأحسن صوركم﴾. وفي الحديث: (إذا صليت فأحسن ركوعك وسجودك) أي اتقنه.
المعنى الثاني هو فعل الخير أو ما ينفع الناس، وهو موضوع البحث الذي ركز عليه سماحته.
يشير سماحته إلى أن من طبيعة الإنسان حبه فعل الخير لنفسه حتى يعيش عيشة راضية، وإذا ما فعل الخير لغيره ونفعهم به فهي درجة متقدمة من الإحسان هو المأمول من كل شخص.
يؤكد الشيخ الصفار على عدة دوافع تدعوا الإنسان لصناعة الإحسان وفي طليعتها فطرته النقية السليمة التي تدعوه لذلك، مضيفاً بأنه قد يندفع بدافع ديني أخلاقي لإيمانه بالقيم الإنسانية، وقد يكون بسبب حسه ووعيه الاجتماعي. وأخيراً اداركه أهمية ما يعمل والذي سوف يجني ثماره هو شخصياً ومجتمعه.
من أهم المفاهيم الأخلاقية وروداً في القرآن الكريم مفهوم الإحسان مع ما يحوي هذا المفهوم من مشتقات. فهناك 200 آية حول مشتقات هذه الكلمة ومنها ﴿إن الله يأمر بالعدل والإحسان﴾. ولذلك فمكانة المحسنين عظيمة عند الله وأجرهم عظيم، ومن ثمراته:
ـ حب الله للمحسنين: المحسنون هم أحباب الله كما يؤكد ذلك قوله تعالى: ﴿وأحسنوا إن الله يحب المحسنين﴾.
ـ عناية الله بالمحسنين: إن الله عزّ وجل يولي عنايته للمحسنين، ويرافقهم بتأييده ﴿إن الله مع المحسنين﴾.
ـ رحمة الله ولطفه بالمحسنين: ﴿إن رحمة الله قريب من المحسنين﴾.
ـ بشارة الله للمحسنين بخير الدنيا والآخرة: ﴿وبشّر المحسنين﴾.
ـ يوم القيامة: فضل المحسنين يوم القيمة عظيم وكبير حتى لمن يحسن لسائر المخلوقات، كما ورد عن رسول الله أن الله تعالى غفر لامرأة بغية ذنبها لأنها رأت ذات يوم كلباً يهلث من شدة العطش في صحراء قاحلة فاستخدمت خفها وسقته ماء تروي عطشه.
ويقول : أهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة. يعني أن أهل المعروف في الدنيا يأتون يوم القيمة فيكون عندهم فائض من الحسنات لدخول الجنة فيطلب منهم أن يتصدقوا بفاضل حسناتهم للمحتاجين لها.
ـ الحفظ من المكاره: عمل الإحسان يحفظ صانعه من كل سوء كما في الحديث (صنائع المعروف تقي ميتة السوء).
ـ جذب قلوب الناس: جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها كم في الحديث، ويقول أمير المؤمنين : من كثر إحسانه، زاد خدمه وأعوانه. ويقول الشاعر:
أحسن إلى الناس تستقطب قلوبهم | فطالما استعبد الإنسانَ | إحسانُ
يؤكد فضيلته على أن الإحسان بتعدد مجالاته ووجوهه يعتمد على ركائز أساسية وهي:
أولاً: الكلمة الطيبة والرأي النافع:
يحتاج الناس إلى الكلمة الطيبة والرأي السديد لتقويم منهجهم في الحياة، سيما مع تطور متطلبات الحياة وتعقدها في بعض الجوانب فإن إدارتها أصبحت صعبة وتحتاج إلى خبرة ورأي سديد. وبذل الرأي والمشورة للغير هو وجه من وجوه الإحسان، والدال على الخير كفاعله.
ثم يذكر سماحته عدة نماذج لذلك ومنها مثلاً:
ـ خريجو الثانوية العامة: كثير من الطلاب يتخرجون من الثانوية العامة ولا يستطيعون اختيار التخصص المناسب لميولهم، وما تحتاجه البيئة العملية. فتخصيص لجان لتوجيههم ومساعدتهم هو إحسان لهم وللمجتمع.
ـ كذلك بالنسبة للوظائف: قد تكون هناك وظائف متاحة ولكن بعض الخريجين لا يعلمون عنها، فمساعدتهم بالحصول عليها والبحث لهم عن وظائف مناسبة أمر مطلوب.
ـ في مجال الأعمال الحرة: ليس من الصحيح أن يتم الاعتماد على الوظائف فقط، عمل المشاريع والمؤسسات عوائده أكثر، ولكن الناس بحاجة إلى ذوي الخبرة لمساعدتهم في اختيار المشروع الناجح، وكيف يتم إدارته؟ وما هو سبيل النجاح؟. وعندنا الآن صندوق المئوية، وهو يدعم الشباب الراغبين في عمل مشاريع تجارية بالمال والمشورة والأخرى أهم.
ـ المشاكل العائلية: كثير من المشاكل العائلية يمكن أن تحل بواسطة خبراء ومستشارين في هذا الجانب، هناك لجان في بعض المناطق تقوم بهذا العمل عن طريق الهاتف وتحل عبره مشاكل عديدة.
ـ التصرفات الخاطئة لدي بعض الشباب: أيضاً تحتاج إلى توجيه بالكلمة الطيبة والقول الحق. قد يفعل الشخص الخطأ وهو غافل أو لا مبالٍ، ولكن بالتوجيه والكلمة الطيبة يعي ويرعوي عن خطئه.
أحد أساتذة جامعة كاليفورنيا بأمريكا عمل فريق ارشاد من الطلاب لمكافحة التدخين عن طريق مناقشة وحديث شخصي مع المدخنين عبر الهاتف في البداية كانت النتيجة أن ثلث المتصل بهم أقلعوا عن التدخين من أصل 3300 مدخن، وبعد فترة كانت النسبة 96% وهي نسبة نجاح عالية.
ثانياً: بذل المال:
ويؤكد الشيخ الصفار على أهمية تنمية هذا الجانب مضيفاً بأن البذل مطلوب من الجميع وليس الأغنياء فقط. فالبذل في سبيل الله مضمون بالتعويض من قبل الله تعالى: ﴿وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه﴾. ويقول : ما نقص مال من صدقة قط، فأعطوا ولا تجبنوا.
ملفتاً إلى أن البذل ينبغي أن يكون مواكباً لمتطلبات العصر، فينبغي أن يكون هناك مشاريع سكنية للمحتاجين، وبعثات لتدريس الطلاب، وتزويج العزاب وغيرها من الأمور التي يكون المجتمع بحاجة ماسة لها.
ثالثاً: السعي العملي:
حيث ينبغي السعي لحل مشاكل الناس. وأن نؤسس لجان لذلك.
لا يخلو مجتمع من المحسنين، ولكنها قد تكون حالة محدودة بافراد، وقد تكون حالة سائدة في المجتمع. وهنا يؤكد الشيخ الصفار على أهمية نشر ثقافة العمل الخيري الجماعي وأن يكون ظاهرة اجتماعية، مشيراً إلى أن ذلك يكون بعدة أمور منها:
ـ التربية على الإحسان: أن يربي الأب أولاده على فعل الخير حتى يكون فعل الخير لهم عادة. رجل عنده عادة حسنة وهو أنه حين يعطي المصروف الشهري لابنه يعطيه مبلغاً معيناً ويطلب منه أن يتصدق به على الفقراء.
كذلك من الجميل أن يشجع الأب ابنه على مساعدة الغير والسعي لحل مشاكلهم ما أمكنه ذلك، كأن يشجعه على مساعدة زملائه من الطلاب في المدرسة أو الجامعة.
ـ نشر ثقافة الإحسان: وذلك عبر المجالس والخطابة. في الوقت الذي نوجه الناس للصوم والصلاة والحج وغيرها من الأمور العبادية علينا أن نوجههم لفعل الخير للناس.
ـ مأسسة الإحسان: كل حاجة من حاجات المجتمع ينبغي أن نؤسس لها لجنة لرعايتها وإدارتها. في الغرب هناك عدة لجان لفعل الخير يبادر لها أناس بمحض إرادتهم بل ويتسابقون على ذلك. في بعض الجامعات كما في أستراليا وأمريكا وغيرها يكون هناك قسم لتسجيل أسماء المتطوعين الراغبين بعمل صداقة مع الطلاب الأجانب فقط لتطوير مهارة التحدث باللغة الإنجليزية. وهناك لجان لرعاية نشاط السباحة في البحر في أستراليا مثلاً لأن السباحة تكون في المحيط وأمواجه شديدة فكثير ممن يريدون السباحة يتعرضون للغرق سيما من لا علم له بذلك كغير الأستراليين، لذلك تجد أماكن مخصصة للسباحة وأناس يرتدون زياً خاصاً لمراقبة المكان واستعداداً تاماً لمساعدة من يحتاج لهم.
ونحن بحاجة ماسة لهذه الروحية سيما وأنها تتجلى فيها صفة الإنسانية.
يؤكد الشيخ الصفار بأن مجتمعاتنا لها نشاطاتها الخيرة، وإن كنا نطمح في المزيد. هذه النشطات يقوم عليها أناس يبذلون الكثير من وقتهم وجهدهم ومالهم لخدمة الناس، فمن واجب المجتمع شكرهم وتشجيعهم (لم يشكر الخالق من لم يشكر المخلوق). ويقول زين العابدين في رسالة الحقوق: أما حق ذي المعروف عليك:
شكره: بأن تقدم له الشكر على ما يقدم من خير لك وللمجتمع.
ذكره: بأن تذكر للناس حسن صنيعه ففي ذلك تشجيع له ولغيره. ونشر ثقافة الإحسان في المجتمع.
والدعاء له بالتوفيق، حتى لو كان المحسن غير صالح فدعاؤك له يكون سبيل إلى هدايته. (من عمل فيكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تقدروا فادعوا له حتى تتأكدوا أنكم خرجتم من إحسانه).
موضحاً سماحته بأنه وإن كان على المحسن أن يعمل المعروف لوجه الله ولا ينتظر الشكر من الناس كما يقول الله تعالى عن أهل البيت : (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) ولكن المحسن بشر يحس ويتأثر، ولذلك يؤكد الله تعالى ورسوله وأهل البيت على شكره والدعاء له.
الإحسان صفة عظيمة، وهي من صفات الله عزّ وجل وكل مؤمن أولى بأن يتحلى بها. ولذا لا بد من التركيز عليها ونشر ثقافتها في المجتمعات.
وكان ختام الحديث بالاستشهاد بإحسان الامام الحسين وانه كان مقصد السائلين والمحتاجين، لذا كان خروجه من الحجاز صدمة لهم.