الشيخ الصفّار يدعو إلى تطوير المنبر الحسيني بما يتناسب مع العصر
أشاد سماحة الشيخ حسن الصفّار ـ في خطبة الجمعة 5/ 1/ 1430ﻫ ـ 2/ 1/ 2009م الأولى ـ بالدور الذي تمارسه المواسم الولائية في إحياء أمر أهل البيت ، وبخاصّة ما تعيشه المنطقة هذه الأيام من إحياء لموسم عاشوراء الذي تُخلّد فيها قضية ثورة الإمام الحسين ، وذلك بما مارسه من دور كبير في حياة الأمّة الإسلامية في بعث روح الثورة ضدّ الظلم والاضطهاد، وهي القضية التي ظلّت منارًا للثوّار والأحرار في العالم على طول التاريخ.
وذلك بعدما افتتح الخطبة بما يلي:
«الحمد لله الذي رفع مقام الشهداء، وخصّهم بمزيد الفضل وجزيل العطاء، وأنزلهم أعلى درجات السعداء.
نحمده سبحانه على السرّاء والضرّاء، ونشكره في حالتي الشدّة والرخاء، ونستلهمه الصبر عند المصيبة والبلاء. ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، الربّ المتعال، مخلصين له الدين في الأقوال والأفعال، متكلين عليه في رفع الشدائد والأهوال.
ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أفضل من صبر على نوائب الزمان، وتحمّل الأذى في جنب الرحمن، وخاض معارك الجهاد ضدّ الظلم والعدوان.
صلى الله عليه وعلى آله صلاة تضارع ما تحمّلوا في ذات الله من المصائب، وتكافِئ ما أصابهم في نشر الدين من النوائب، وتحقّق لهم في الدنيا والآخرة أعلى المقامات والمراتب.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله والالتزام بالدين الذي ضحّى من أجله الأنبياء والأئمة والأولياء، فإنه الأمانة في أعناقنا، وهو سبيل سعادتنا ونجاتنا، جعلنا الله وإياكم ممن يلوذ بالتقوى ويعتصم بالعروة الوثقى».
وأشار سماحته إلى أن هذه المواسم الثقافية الدينية تعدّ من أجلى النعم الإلهية على مجتمعاتنا، حيث تشكّل موسمًا للوعظ والإرشاد والتوجيه والتثقيف الديني والاجتماعي، فَعَدّ المنبر الحسيني أبرز البرامج انتشارًا في هذا الموسم، مقدِّرًا عدد المجالس الحسينية في المنطقة (القطيف والأحساء) في العشرة الأولى من المحرّم بِـ 2000 مجلس تقريبًا، مثمّنًا الدور الذي يقوم به هذا المنبر، وهو الدور الذي تطوّر عما كان يمارس قديمًا، إذ لم يكن المنبر قديمًا سوى وسيلة لذكر فضائل ومصائب وسِيَر أهل البيت ، ليتطوّر اليوم، فيعالج العديد من المسائل الدينية في العقيدة والفقه والتفسير والأخلاق وبعض المبادئ والقيم الدينية، إضافة إلى ما كان له من دور في الماضي، داعيًا إلى تطوير هذه الوسيلة، لترقى إلى مستوى ما تتطلّبه الساحة الشيعية اليوم، ذلك أن هذه الساحة ما عادت معزولة ومنغلقة على ذاتها، كما هو الحال سابقًا، فكل ما يدور داخلها ينقل بالصوت والصورة على شتّى الفضائيات والإذاعات ووسائل الإعلام المحلّية والعالمية، بل أصبحت كثير من هذه الطقوس والبرامج مثار جدل وتساؤل لدى الكثيرين، طالبًا من خطباء المنابر الالتفات إلى هذه المسألة، ليكون المنبر وسيلة للتثقيف والوعي الدينيين في المنطقة، وكذلك أن يشكّل صورة مشرقة لمدرسة وتعاليم أئمة أهل البيت أمام العالم والمحيط الذي نعيش فيه، فما نعيشه اليوم من توفّر وسائل الاتصال والإعلام أصبح حجّة علينا لكي نوصل صوتنا وفكرنا إلى الآخرين بصورة صحيحة غير مغلوطة، حتى لا تكون هذه الوسائل منبرًا لتصيُّد الأخطاء من قبل الآخرين، وذلك بحجة المحافظة على عاداتنا وتقاليدنا التي توارثناها دون أن يكون لها أي مستند ودليل شرعي يدعونا للالتزام بها على حساب المصلحة الإسلامية العليا، ومشيدًا بما شهدته المنطقة من ظهور لبعض البرامج الحضارية، وذلك من قبيل برنامج التبرّع بالدم، طالبًا استمراره وتفاعل المجتمع معه، داعيًا ـ في نهاية الخطبة ـ الإخوة من بقية المذاهب والاتجاهات إلى حضور مجالسنا الحسينية ليتعرفوا إلى واقعنا مباشرة ودون أي تشويش من قبل الآخرين.
وفي الخطبة الثانية ـ التي افتتحها بإحدى فقرات خطبة الإمام الحسين في كربلاء التي يقول فيها: «ألا وأن الدعيَّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين، بين السلة[1] والذلة، وهيهات منّا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجورٌ طابت وطهُرت، وأنُوفٌ حميّة، ونفوسٌ أبيّة، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإني زاحف بهذه الأسرة على قلَّة العدد وخذلان الناصر» ـ أشار إلى أن الإنسان حينما يواجه عدوًّا لديه شيء من التعقّل، فإنه قد يستطيع الوصول معه إلى منطقة محايدة، وإلى حالة من الهدنة والمسالمة، وهي الحالة التي لا تعني انتهاء الصراع بين هذين الطرفين، وإنما إدارته بوسيلة أخرى غير الحرب الحاسمة.
مشيرًا إلى أن الإمام الحسين لم يكن في مشروعه الإصرار على المواجهة المسلّحة، وإنما الوصول إلى حالة من إدارة الصراع بشيء من المسالمة، دون اللجوء إلى المواجهة الحاسمة التي ينتصر فيها أحد الطرفين المتنازعين، ذلك أن الحرب من المفترض أن تكون آخر مراحل الصراع، فهناك العديد من الوسائل يراهن عليها أطراف النزاع، من قبيل الإضعاف التدريجي للطرف المقابل، أو زيادة القوّة الرادعة عند أحدهما، أو حصول أمر خارجي يغيّر المعادلة لصالح أحد الطرفين، أو المراهنة على عنصر الزمن الذي قد يُنهك أو يتعب معه أحد الطرفين، وغيرها من الطرق.
وهذا في حال كان الطرف الآخر قابلاً للحوار، وليس متعنّتًا متجبّرًا، كما كان الحال مع يزيد وواليه على الكوفة عبيد الله بن زياد، اللذين كانا مصرّين على مقاتلة الإمام الحسين، فلم يتيحا له المجال، فلم يخيّراه إلا بين: الإذلال أو المقاتلة، فلم يقبل إلا بالتضحية في سبيل إعلاء كلمة الدين ونصرته، فخطّت تضحيته الطريق نحو الأحرار والثوّار في جميع أنحاء العالم، وما هذه المآتم والمجالس الحسينية التي لا تكاد تخلو منها بقعة أو دولة من دول العالم، إلا نتيجة لهذا الإخلاص والرؤية الثاقبة التي تمتّع بها سيد الشهداء والأحرار الإمام الحسين .
مذكرًا بما تشهده الأراضي المحتلّة في فلسطين من تجبّر وتعنّت القوّة التدميرية الوحشية الإسرائيلية ضدّ إخواننا الفلسطينيين، وبخاصّة ما يعيشه الغزّاويون لليوم السابع على العدوان الإسرائيلي، الذي ذهب ضحيته أكثر من 400 شهيد، و2100 من الجرحي، وكان من ضحايا هذا العدوان الغاشم استشهاد القيادي البارز في حماس الدكتور نزار ريّان، الذي استشهد في غارة إسرائيلية على منزله، ذهب معه فيها تسعة من أهله، زوجاته وبعض أبنائه، وهو المجاهد الحاصل على شهادة دكتوراه في الحديث، وخطيب وإمام مسجد في غزّة.
طالبًا من الإخوة الفلسطينيين أن تكون ذكرى عاشوراء الإمام الحسين ملهمًا لهم في الصمود والإباء والتضحية والفداء من أجل القضية العادلة التي يدافعون عنها، ومن الحكام العرب والمسلمين نصرة هذا الشعب المظلوم والمضطهد بما يملكونه من وسائل الضغط والمساعدة.