المبتعثون للدراسة.. طموح التنمية والتقدم
الشيخ الصفار يوجّه خطابه للطلاب والطالبات المبتعثين في الخارج
وجّه سماحة الشيخ حسن الصفار خطابه للطلاب والطالبات المبتعثين في الخارج، ملفتاً نظرهم إلى ضرورة الجد والاجتهاد، والتحلي بالالتزام الديني والأخلاقي، والاستفادة من إيجابيات تلك المجتمعات، والتواصي فيما بينهم والتعاون، وأن يرسموا صورةً إيجابية عن مجتمعهم بتعاملهم وسلوكهم الراقي. وأكد على العوائل والمجتمع بأن يكون لهم دورٌ هام في تشجيع الطلاب والطالبات على الابتعاث من جهة، ومتابعة شؤون المبتعثين من جهةٍ أخرى حفاظاً على دراستهم والتزامهم. وعبر عن أمله بأن يأخذ برنامج الابتعاث موقعيته الصحيحة في جانبه الرسمي فمستوى الاهتمام لا يزال في حدوده الدنيا.
وأكد أن الأوطان لا تُبنى بمجرد وجود الثروات والموارد الطبيعية، إنما تبنى بتنمية الكفاءات والطاقات. مضيفاً: لا ينقص بلادنا الثروات والإمكانات الطبيعية، وإنما تحتاج إلى وجود كفاءات وطاقات بشرية في مختلف المجالات، بدليل أننا نستورد الكفاءات من الخارج.
أكد الشيخ الصفار في بداية محاضرة الليلة الثانية عشر من المحرم لعام 1430هـ (7 يناير 2009م) أن إدراك الإنسان لقيمة العلم تجعله يندفع للبحث عنه في أي بقعة في العالم، سواءً على المستوى الفردي أو المجتمعات. مضيفاً: إن حكمة الله تعالى شاءت أن يكون العلم مبثوثاً في مختلف المجتمعات والشرائح الإنسانية، فالعلم منتجٌ للعقل والإدراك، والله تعالى منحها لمختلف الأعراق والأوطان. فقد يكون هناك علمٌ في بلد غير متوفر في بلدٍ آخر، كما أن دورة الحضارة تتنقل بين المجتمعات، فالمجتمع الذي يقود الحضارة في زمنٍ ما، ليس بالضرورة أن تستمر القيادة له، وهذا واضحٌ في طبيعة الحياة البشرية. ولذلك ورد عن الرسول الأعظم قوله: «اطلبوا العلم ولو بالصين»، وواضح أن طلب العلم هنا لا يختص بالعلوم الدينية.
وأشار إلى أن الغربيين كانوا يدرسون في البلاد الإسلامية أيام تقدمها في قرطبة والقيروان وبغداد ودمشق، وكانوا يفتخرون بذلك، تماماً كما يفتخر المسلمون اليوم بدراستهم في الغرب.
وأضاف: كل الدول في العالم الآن تبتعث مجاميع من طلابها للدراسة في الخارج، مشيراً إلى إحصائية اليونسكو لعام 2005م، والتي تشير إلى أن هناك 3 ملايين طالب يدرسون خارج بلدانهم، حتى تلك الدول المتقدمة، فالولايات المتحدة الأمريكية وهي أقوى دولة في المجال العلمي والتكنولوجي وتستقطب ثلثي طلاب العالم الذين يدرسون في الخارج، ومع ذلك فإن 46 ألفاً من طلابها يدوسون في الخارج. واليابان التي تضم 500 جامعة و600 كلية، إلا أن 65 ألفاً من الطلاب اليابانيين يدرسون في الخارج. والصين ذلك العملاق الاقتصادي، ومع ذلك فإن أكبر عدد طلاب يدرسون في الخارج هم من الصينيين، إذ يبلغ عددهم 394 ألف طالب.
فطلب العلم خارج الوطن ظاهرة إنسانية عالمية، حيث أن الأمم والمجتمعات التي تسعى لكسب المعرفة والعلم تتجه بدفع أبنائها لكسب تلك المعرفة والعلم في المناطق التي تتوفر فيها.
وأكد أن أهداف الهجرة لطلب العلم لا تنحصر في هذا الجانب فقط، وإنما هي وسيلة للتبادل الثقافي والحضاري. فيمثل الطلاب الذين يدرسون خارج بلادهم جسوراً للتواصل والتبادل الثقافي.
مشيراً إلى ميزة إضافية مهمة تختص بطالب العلم نفسه، فعلى المستوى الشخصي تُصقل شخصيته ونفسيته، وكذلك فإنه يكون أكثر توجّهاً للدراسة وطلب العلم، لبعده عن الانشغالات الاجتماعية.
في إجابته على تساؤلٍ مهم: كيف يُبنى أي وطنٍ من الأوطان، وخاصة في هذا العصر؟ قال الشيخ الصفار: المال والثروة وحدها لا تبني الوطن، الإمكانات الطبيعية المتوفرة لا تبني الوطن، ذلك لأن التنمية والبناء والتقدم يحتاج إلى الكفاءة، خاصةً وأن مسيرة التقدم العلمي والتكنولوجي والصناعي في العلم تسير بسرعةٍ مذهلة، فتحتاج إلى متابعةٍ وملاحقة، والتأخر يعني التخلف والفقر.
وأضاف: لا ينقص بلادنا الثروات والإمكانات الطبيعية، وإنما تحتاج إلى وجود كفاءات وطاقات بشرية في مختلف المجالات، بدليل أننا نستورد الكفاءات من الخارج، ففي المجال الطبي لا تتجاوز نسبة السعودة 16% وهي نسبة منخفضة جداً.
مؤكداً أن جذب الكفاءات في الماضي إلى بلادنا كان أمراً ميسوراً، ولكنه الآن يواجه صعوبة بالغة، ولا بديل إلا بتنمية الكفاءات المحلية.
وأكد أن بلادنا أصبحت ميداناً لكسب الخبرة من قبل ابناء شعوب أخرى، وبلادنا تدفع الثمن، نتيجة الأخطاء التي ستحصل بسبب هؤلاء الذين يأتون إلى بلادنا دون مهارة سابقة.
مشيراً إلى المجتمعات الأخرى والتي كانت تعيش تخلفاً سلكت هذا الطريق، حيث اهتمت ببناء الكفاءات في داخلها من خلال جلب الخبرات من الخارج، وابتعاث الطلاب للدراسة وكسب المعرفة من المجتمعات المتقدمة، وبالتالي حققوا إنجازات كبيرة وضخمة. مسلطاً الضوء على تجربة كوريا الجنوبية والتي تُعتبر بلداً فقيراً من حيث الموارد الطبيعية، وكانت واحدة من أفقر ثلاث دول في آسيا إلى منتصف القرن الماضي، لكنها الآن أصبحت ثالث أقوى اقتصاد في آسيا، بعد اليابان والصين، وتُقدر صادراتها الصناعية من السيارات والآلات يومياً بليون دولار أمريكي، حسب إحصائية اليونسكو لعام 2005م، ويقول المحللون أن سر تقدم كوريا الجنوبية بالدرجة الأساس هو استفادتهم من ابتعاث طلابهم للخارج لكسب العلم والمعرفة لينقلوها بدورهم إلى بلادهم وبذلك تحقق التقدم لهذه الدولة.
مؤكداً على ضرورة بناء الكفاءات وإلا فإن بلادنا ستبقى في وضعها المتخلف، وسنة بعد أخرى ستعيش التخلف أكثر، لأن الكفاءات والقدرات والخبرات الأجنبية لن تأتي إلى بلادنا، لأنها ستجد أن الفرص في بلادها أو بلدان أخرى أفضل بكثير.
أشار الشيخ الصفار أن برنامج الابتعاث للخارج توقف لسنوات، وعاد الآن من جديد، مؤكداً على ضرورة إنجاح هذا البرنامج، مركزاً حديثه على ثلاثة أمور:
أولاً- على المستوى الرسمي، أعرب عن أمله لأن يتسع الاهتمام بمستوى الابتعاث، فهو منخفض قياساً للمجتمعات الأخرى، ويُقاس هذا المستوى بنسبة المبتعثين إلى مجموع طلاب التعليم العال، فنسبة الطلاب المبتعثين لعام 2005م في هون كونج تبلغ 22%، والمملكة المغربية 14%، ونسبة المبتعثين في بعض دول الخليج كالبحرين وقطر والكويت 13%، أما بالنسبة للملكة فنسبة المبتعثين 1.6%، ومع فتح برنامج الابتعاث فإن النسبة قد تصل 3%، وهي نسبة منخفضة جداً.
مشيراً أن أحد الكتاب تحدث في جريدة الحياة على أن برنامج الابتعاث سنوياً من المملكة (5000) طالب، في حين أن المملكة بحاجة إلى مضاعفة العدد عشر مرات، أي (50000) حتى تصل نسبة المبتعثين إلى 20%.
ثانياً- على المستوى الاجتماعي، أكد على ضرورة أن يعي المجتمع قيمة الاستثمار في العلم، وأهمية الابتعاث للخارج، موجهاً خطابه للآباء بأن يضعوا في حسابهم بأن مصلحتهم ومصلحة أبنائهم لا تقتصر عند حدود بناء العقارات ليتوارثها الأبناء، إنما الاستثمار في بناء الكفاءة العلمية هو الأهم والأجدى بالاهتمام. ومن يتمكن من الابتعاث لأبنائه فعليه أن يقدم على ذلك.
مضيفاً: وعلى المجتمع بشكل عام أن يهتم بهذا الجانب، فقوة المجتمع تُقاس بقوة كفاءاته، وإنما يُحترم المجتمع بمقدار ما لديه من كفاءات وطاقات، فالمطلوب هو تشجيع هذا الجانب المهم لكسب العلم والمعرفة.
مشيراً إلى تجارب ناجحة على هذا الصعيد في لبنان والبحرين، مستفهماً أن مجتمعنا هل يخلو من الإمكانات المالية أم أن هناك عدم انتباه، أن روح البذل والعطاء لا تزال ضعيفة وفي حدودها الدنيا؟
وأكد على ضرورة الاهتمام بالطلاب المبتعثين في الخارج، فعلى العوائل أن يُشجعوا أبناءهم ويتابعوهم، وعلى المجتمع أن يتبنى تأسيس مؤسسة أو لجنة لمتابعة شؤون هؤلاء الطلاب.
ثالثاً- بالنسبة للطلاب المبتعثين، حيث وجّه خطابه إلى الطلاب والطالبات في الخارج، وكان من خطابه:
يا أبناءنا الأعزاء وأنتم في الخارج، عليكم أن تعرفوا مدى الآمال المعلّقة عليكم، فأنتم تصرفون من أموال بلدكم، وعلى حساب عواطف أهاليكم، فعليكم:
- أن تجدوا وتجتهدوا في دراستكم، فالبعض يعتبر الابتعاث وكأنه رحلة ونزهة، ولا يحمل همّاً كافياً للاهتمام والاجتهاد.
- عليكم أن تروّضوا أنفسكم على الالتزام الديني والأخلاقي، رغم أنكم تعيشون في أوضاع مختلفة عن أوضاع مجتمعكم، حيث الانفتاح، فاصبروا وتحمّلوا.
- وعليكم أن تستفيدوا من إيجابيات تلك المجتمعات، فلا تقتصروا على جانب الدراسة وحسب، فأنتم ضمن مجتمعات متقدمة، متحضرة، وتمتلك جوانب إيجابيات كبيرة، ومنها: الجدية في الحياة، الدقة في المواعيد، الاهتمام بالدراسة والعمل، الصدق والصراحة، فعليكم أن تكسبوا هذه الإيجابيات وتستفيدوا منها.
وختم خطابه بالتأكيد على مسألة العلاقة فيما بين الطلاب أنفسهم، فعليهم أن يدعموا بعضهم البعض، وأن يتعاونوا، متجاوزين الفروقات التي يفرزها الواقع الاجتماعي سواءً على المستوى المذهبي، أو المرجعي أو المناطقي، مؤكداً على ضرورة أن ينفتح الطلاب على بعضهم بعضا، وأن يستفيدوا من تجاربهم ويتداولونها، وأن يرفعوا من معنويات بعضهم بعضاً. ملفتاً نظر الطلاب والطالبات الملتزمين بضرورة أخذ زمام المبادرة لتوجيه زملائهم، فهي مسؤولية بحجم الوعي الذي يمتلكونه.
مضيفاً: كل إنسان عليه أن يرسم لوطنه ولمبدئه ومجتمعه صورةً من خلال تعامله، قال الإمام الصادق : «معاشر شيعتنا إنكم قد نسبتم إلينا، فكونوا لنا زيناً، ولا تكونوا علينا شيناً».