الشيخ الصفار: المقاومة فضحت ثقافة الهزيمة ولابد من امتلاك القوة للمواجهة
طالب سماحة الشيخ حسن الصفار المقاومة الإسلامية العمل على إفشال المخططات التي تعمل عليها قوى الاستعمار والصهيونية في العالم وذلك بامتلاك الثقة بالله وفي نفسها، وبالسعي لامتلاك وتوفير القوة في وجه الغطرسة الظالمة، فالأعداء يريدون من الأمة الإسلامية أن تخضع وأن يكون خيارها الاستسلام، لكن القوى المؤمنة تأبى إلا الانتصار للحق، جاء ذلك في خطبة الجمعة التي القاها سماحته في القطيف في 11/2/1430هـ الموافق 6/2/2009م، وقد بدأ سماحة الشيخ حديثه عن صلة الرحم وأبعاده الثلاثة حسب الاستقراء في الآيات والروايات، فهناك روايات تحث على صلة الرحم وثانية تحذر من قطيعته وأخرى تشير إلى آثار صلة الرحم.
الحمد لله الذي دلّ على غناه بافتقار كل شيء إليه، وعلى قدرته بخضوع كل الكون بين يديه، وعلى وحدانيته ببدء الخلق منه وعودتهم إليه.
نحمده تعالى على عظيم النعماء، ونشكره على جزيل الآلاء، ونلجأ إليه في السراء والضراء.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فتق العقول على معرفته وتوحيده، وفطر النفوس على إدراك وجوب وجوده.
ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، فضله على جميع المرسلين، وختم به النبيين، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.
أكد سماحة الشيخ حسن الصفار في خطبة الجمعة الأولى على أهمية صلة الرحم، فالقرآن جعل صلة الرحم في رتبة تقوى الله، في قوله تعالى: ﴿واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام﴾ فكما أن الإنسان ملزم بتقوى الله التي فيها نجاته في الدنيا والآخرة، كذلك هو ملزم بصلة الرحم لما لها من انعكاسات في الدنيا والآخرة، بل هي تجسيد ومظهر لتقوى الله سبحانه، يقول الإمام الصادق في تفسير الآية: هي أرحام الناس أمر الله تبارك وتعالى بصلتها وعظمها. ألا ترى أنه جعلها معه.
وأضاف سماحته أن المتتبع للآيات والروايات التي تحث على صلة الأرحام يجدها تتحدث عن عناوين ثلاثة:
1- الحث على صلة الرحم والتواصل مع الأقرباء، كقول الله تعالى:﴿ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين﴾ ، وقوله سبحانه ﴿والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشونه ربهم﴾.
2- وهناك أحاديث وروايات تحذر من قطع الرحم حتى ولو كان بينك وبينه اختلاف في الدين أو المذهب أو التوجه، عن أبي حمزة الثمالي أن أمير المؤمنين قال: أعوذ بالله من الذنوب التي تعجّل الفناء فقام إليه عبد الله بن الكواء اليشكري، فقال: يا أمير المؤمنين!.. أوَ يكون ذنوبٌ تعجّل الفناء؟.. فقال : نعم ، ويلك!.. قطيعة الرحم، إنّ أهل البيت ليجتمعون ويتواسون وهم فجرةٌ ، فيرزقهم الله عزّ وجلّ.. وإنّ أهل البيت ليتفرّقون، ويقطع بعضهم بعضاً ، فيحرمهم الله وهم أتقياء، وقال أمير المؤمنين : أقبح المعاصي قطيعة الرحم. ودليل على أن الرحم لا يقطعه شيء، قول الإمام الصادق عندما سأله أبو بصير عن رجل يصرم ذوي قرابته ممن لا يعرفون الحق؟ قال : لا ينبغي أن يصرمهم. وأيضا يروي صفوان عن الجهم بن حميد قال: قلت لأبي عبد الله يكون لي القرابة على غير أمري الهم عليّ حق؟ قال : نعم. حق الرحم لا يقطعه شيء وإن كانوا على أمرك كان لهم حقان: حق الرحم وحق الإسلام.
ونحن نرى البعض يجعل من قطيعة الآخر له عذرا في القطيعة لكن النصوص ترفض ذلك وتحث على الصلة حتى مع القاطعين يقول رسول الله : لا تقطع رحمك وإن قطعتك. وصلة الرحمن ليست مطلوبة فقط مع من هم بالقرب من الإنسان بل حتى مع من بعد مكانه، يقول رسولنا الأكرم : سر سنة صل رحمك، وعنه : أوصي الشاهد من أمتي والغائب منهم أن يصل الرحم وإن كان منه على مسير سنة فإن ذلك من الدين.
3- وهناك روايات دالة على آثار صلة الرحم، ومنها قول رسول الله اتقوا الله وصلوا الأرحام فإنه أبقى لكم في الدنيا وخير لكم في الآخرة. وعنه صلة الرحم تزيد في العمر وتنفي الفقر، وعنه أيضا: أعجل الخير ثوابا صلة الرحم.
ثم تساءل سماحته عن الطريقة المثلى للتواصل مع الأقرباء في عصر تعددت فيه انشغالات الانسان؟ وأجاب: نحن ندرك مدى انشغال إنسان هذا العصر لكن هذا ليس مبررا للإبتعاد عن الأهل والأقرباء، بل هناك من الوسائل المعاصرة ما يساعد الإنسان على هذه المهمة العظيمة، فالمطلوب من الإنسان تجاه أرحامه في البداية التواصل العاطفي، وتبادل المشاعر الطيبة، وهذا مصداق قوله : صلوا أرحامكم ولو بالسلام، وهذا قد يكون برسالة جوال، أو رسالة بريد الكتروني، ترسلها بمناسبة من المناسبات.
وعن أسباب التركيز على صلة الرحم قال الشيخ الصفار: هناك أمران مهمان قد نستظهرهما من هذا الكم الكبير من الأحاديث والروايات الحاثة على صلة الرحم.
الأمر الأول: مؤشر الإنسانية، فالإنسان الذي يصل رحمه، يتجاوز مسألة الأنانية والاهتمام بالذات، بينما الذي يقاطعهم لا ننتظر منه أن يحسن للآخرين الأبعدين، وهذا ما أثبتته التجارب والأبحاث التربوية، حيث أثبتت أن الإنسان السوي الذي يعيش في جو من الإلفة وتسوده علاقات جيدة وتواصل، تنشأ لديه مشاعر مفعمة بالإنسانية، وبالعكس نجد أن الإنسان الذي يعيش القطيعة مع ارحامه يعاني من العقد والبغضاء، وهو مؤهل للعدوانية.
الأمر الثاني: امتصاص حالات الإحتكاك، فالإنسان إنما يبتعد عن الآخرين لوجود حساسيات بينه وبينهم، ولأن الأرحام هم أقرب الناس لبعضهم لهذا قد تكون الاحتكاكات والحساسيات أكثر تكرارا، وهي مدعاة للقطيعة، والإنسان الذي يمتص هذه الحساسيات ويتغلب عليها مع أهله وأقرباءه، يتغلب عليها عندما تحدث مع الآخرين.
ثم تحدث سماحته عن الأساليب التي يجب أن نمارسها لتطوير صلة الرحم، لتكون مناسبة مع عصرنا، مشيرا إلى عدم الاكتفاء بالمناسبات الرسمية كالأفراح والأتراح للتواصل، بل لا بد من خلق فرص منتظمة للتواصل واللقاء، وأقترح سماحته أن يكون لكل أسرة مجلس عبره يتواصل أفرادها، ويتعرفون على مشاكلهم ويسعون لحلها عبر لجان منتخبة، وهذه تجربة بدأت في بعض المناطق فنجحت نجاحا باهرا لذا على المؤمنين المهتمين بصلة أرحامهم أن يطبقوا هذه التجربة، لتكون عونهم في الدنيا والآخرة.
أكد سماحة الشيخ الصفار في الخطبة الثانية على أن في البشر من ينزع للشر وتمتلكه إرادة العدوان، لذلك لا بد وأن يواجه بالردع أما إذا ترك له المجال فإنه سيستمر في غيه، وعدوانه وستتسع دائرة ظلمه ورقعة ممارسته للشر، لذلك قال الله تعالى: ﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم...﴾ والإعداد للقوة في الآية الكريمة لم يؤطر بإطار بل هو مفتوح، أعدوا كل ما تتمكنون من إعداده، والقوة أيضا هنا ليست مقصودة بشيء معين بل هي شاملة لكل ما يمكن إعداده من قوة اقتصادية وسياسية وثقافية وتكنلوجية وهكذا، وإرهاب العدو ليس بانتظار أن يهجم ثم يواجه، لا بل بما يعرف اليوم بقوة الردع، فالمؤمنون مطالبون كما هو صريح الآية الكريمة أن يبنوا قوتهم لتكون رادعا للعدو أن يفكر في الهجوم عليهم.
وأشار سماحته إلى أن المعتدي لا بد من الرد عليه، وذلك مفاد قوله تعالى: ﴿ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم﴾.
لأن العدو يسعى إلى أمرين:
الأول: سلب إرادة المواجهة والمقاومة ممن يعتدي عليهم، وذلك بهزيمتهم نفسيا، وبإقناعهم بأن المواجهة ليست في مصلحتهم، وستكلفهم الكثير، لذا فالأفضل لهم الاستسلام، وللأسف الشديد بعض العرب صدق هذه الأكذوبة، ووضع يده في يد العدو الإسرائيلي لكنه لم يأخذ منه الا ما يأخذه الهواء من الحجارة الملساء.
إن العرب الذين راهنوا على السلام اصابتهم خيبة الأمل فالعدو لا يريد السلام، بل يريد من الأمة أن تركع و تستسلم، ليكون هو المتفرد في الهيمنة على هذه المنطقة.
الثاني: منع الوصول إلى امتلاك القوة: وهذا ما رأيناه يمارس بكل وقاحة وقباحة من قبل الصهاينة ومن خلفهم القوى الظالمة المتكبرة، فهم يمنعون المسلمين من امتلاك القوة، وينشرون أن إسرائيل قوة لا تقهر، فامتلاك فئة قليلة في لبنان، أو في غزة لسلاح تدافع عن نفسها به ضد العدوان والغطرسة الإسرائيلية يعتبر جريمة، تقوم الدنيا له ولا تقعد، و تعقد من أجله المؤتمرات، والاتفاقيات.
إنهم يحاصرون المقاومة فيمنعون عنها الغذاء والدواء، ثم يدكونهم بالصواريخ والقنابل صبح مساء، كل ذلك من أجل اركاعهم، لكنهم يثبتون في وجه هذه الحملة الشعواء البربرية، ولسان حالهم يقول: اسرائيل نمر من ورق، ولم تعد قوته لا تقهر، ففئة مؤمنة استطاعت تحطيم هذا الغول الذي صنعته الأمة في ذهنها حيث استطاع الإعلام العالمي أن يصنع كذبة صدقها البعض: إسرائيل القوة التي لا تقهر، لكن ثبات وقوة إيمان المقاومة افشلت هذه الكذبة وأثبتت أن ثقافة الهزيمة والاستسلام لا محل لها في الأمة اليوم.
وأشاد سماحة الشيخ الصفار باهتمام المقاومة في لبنان وفلسطين بتطوير قدراتها العسكرية رغم الحصار المفروض عليها، كما اشاد بالانجاز الجديد الذي حققته الجمهورية الإسلامية باطلاقها قمراً صناعياً، ورأي ان الضجة المثارة حول ذلك دليل على قلق اسرائيل والقوى الاستكبارية من امتلاك المواجهين لاطماعهم أي مستوى من القوة.
وختم سماحة الشيخ حديثه بالتأسف لما يبثه بعض الكتاب العرب من ثقافة تغذي الخنوع وتيأس الناس من المقاومة، بحجة ان المقاومة سببت قتلاً ودماراً في لبنان وغزة، وهل تكون المقاومة بدون دفع ثمن؟