الشيخ الصفار يتحدث في ذكرى الرسول (ص) عن كفاءة القيادة وأخلاقيات التعامل
شارك سماحة الشيخ حسن الصفار في إحياء ذكرى وفاة الرسول الأعظم مساء يوم الاثنين 28 صفر 1430هـ الموافق23 فبراير2009م في مدينة صفوى/ مسجد الإمام الحسين مستحضرا سيرة النبي محمد في إدارة شؤون الأمة والتخطيط لحماية حضارتها، فالمصيبة التي أصابت المسلمين بفقد الرسول عظيمة, فبموته انقطع وحي النبوة عن البشر، فقدت البشرية بفقده أعظم خير وبركة كان يتجسد في شخصه وسيرته العطرة، هذه المصيبة المتجددة التي يعيش مرارتها المسلم في كل زمان تدفعنا للاتجاه إلى سيرة الرسول، وإلى نهجه وهذا ما يحبه ويريده منا كما أن هذا ما يحث عليه القرآن الكريم ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ سورة الأحزاب(21).
ثم تكلم الشيخ الصفار عن القيادة, ومجالاتها وشروط نجاحها, وعن النبي القدوة مقتبسا أشعة ساطعة من سيرته ذاكرا شروط نجاح القيادة التي تمثل الأمر الطبيعي في الحياة الاجتماعية البشرية، وضرورة وجود قيادة لأي مجموعة, تحكمها مصالح مشتركة تنسق وترشد الخلاف بين أفرادها, وإلا فالفوضى وعدم النظام بين أفراده سيظلان هما المسيطران.
وهذا مشاهد – كما يقول سماحته - في أصغر وحدة اجتماعية وهي العائلة, إذ لا بد لها من قائد ومدبر, وهذا ماتنادي به الآية الكريمة ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ (النساء: الآية34).
ثم أشار إلى ازدياد الحاجة للقيادة, كلما كبر الاجتماع البشري فأورد مستشهداً بما ورد عن رسول الله في سنن أبي داؤد عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم».
ثم عدد سماحة الشيخ مجالات القيادة: فأشار إلى العائلة واللجان والجمعيات والقيادة الدينية والسياسية.
وأشار إلى أبرز شرطين لنجاح أي قيادة في تحقيق أهدافها:
حيث لا بد من توفر الكفاءة في القائد ليحمل أعباء القيادة في المجال الذي يريد قيادة الناس إليه أما فقدانها فتعني الفشل في قيادة الناس إلى ما يريده وكما قال الشاعر:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم | ولا سراة اذا جهالهم | سادوا
بدءا من قيادة العائلة فالرجل الذي يقود العائلة يفترض فيه الكفاءة حتى تنجح العائلة، أما رؤية مشاهد الفشل من تفكك ومشاكل أسرية فأرجع سماحته أسبابها إلى ضعف في تأهيل القيادة, وأضاف بأن هذا مشاهد في قيادة الأمور المادية فالدولة لا تسلم قيادة سيارة لشخص إلا بعد التأهيل والتعلم والاختبار، فكيف بقيادة العائلة؟ لقد قررت ماليزيا عدم إجراء أي عقد زواج إلا بعد حصول الزوجين على دورة تأهيلية في الأمور العائلية وبتطبيق هذا النظام انخفضت نسبة الطلاق في المجتمع الماليزي للحدود الدنيا بفعل التأهيل الأسري.
وهذا ما ينطبق على العاملين في المجالين الاجتماعي والتطوعي فالكفاءة والتأهيل تساعد على النجاح فيه.
ولم يغفل سماحته المجال الديني, حيث أكد أن على عالم الدين أن يكون مؤهلا عارفا بالدين بكل أبعاده, وأن يكون عالما بالمجتمع, الذي يريد قيادته وإلا فلن يكون مؤهلا للنجاح لقيادة المجتمع قيادة دينية, لذلك ورد عن الإمام الباقر : "العالم العارف بأهل زمانه لا تهجم عليه اللوابس" وكذلك على الصعيد السياسي لابد أن يمتلك القائد التأهيل لقيادة الشعب لتحقيق أهدفه.
إن الكفاءة لوحدها دون التحلي بأخلاق التعامل لاتكفي للنجاح لأن الآخرين ربما يجهلون كفاءة القائد وربما تتدخل الأهواء والمنافسة والمناوأة وهنا تبرز أهمية التحلي بالأخلاق والقدرة على استيعاب المشاكل في نجاح القيادة، كما قال سبحانه وتعالى في الآية الكريمة﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ﴾ (سورة آل عمران 159) التي أشارت إلى عظمة النبي وكفاءته التي رافقتها الأخلاق العالية وهذه من أسباب نجاحه في قيادته .
ثم أشار الشيخ الصفار إلى أن التعامل الأخلاقي يندرج في عدة مستويات ومنها:
المستوى العائلي: حيث شدد سماحته أن الماديات من مأكل ومشرب لا تكفي للنجاح في قيادة العائلة مالم يصاحبه أخلاق وعطف وحنان وتجاوز عن الزلات، مستشهدا بما ورد عن الإمام الصادق عندما سئل: ما حق المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسناً؟ قال: (يشبعها ويكسوها، وإن جهلت غفر لها).
المستوى الديني: لو امتلك عالم الدين علوم الأولين والآخرين لما استطاع التأثير في الناس بدون الأخلاق في التعامل. وبذلك تأكد النصوص على اقتران العلم بالحلم ، يؤكد ذلك ما روي عن رسول الله أنه قال: ما أضيف شيء إلى شيء أفضل من حلم إلى علم)، وأيضاً ما ورد عن الإمام الصادق أنه قال: اطلبوا العلم وتزينوا معه بالحلم والوقار، وتواضعوا لمن تعلمونه العلم، وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم، ولا تكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم).
ثم انتقل سماحته إلى ما تعانيه الأمة وابتليت به من بعض الجماعات التي تمارس الدين بالغلظة والشدة وما تسببت به من فتن وشرور. والتي تجاوز تشددها مستوى الأفكار إلى التعامل بالعنف. مدينا ومستنكرا ما حصل في المدينة المنور من اعتداء قامت به مجموعة من المتشددين يوم الجمعة 25 /2 / 1430 على الزوار الشيعة، على خلفية خلاف فقهي اجتهادي بين المسلمين، حول زيارة القبور والتوسل بالأولياء، ولكل إنسان الحق أن يؤمن بما يشاء، أما أن يتعدى ذلك فيمارس العنف والشدة على مخالفيه فهذا غير مقبول. وهذا هو الحاصل للمسلمين المتلهفين المشتاقين القادمين للبقعة الطاهرة في المدينة المنورة بدل أن تكون مشعا لقيم الإسلام السمحاء, وهذا أكبر تشويه لصورة الإسلام والبلاد.
ذكّرالشيخ الصفار المستمعين بالهدف الأسمى من ذكر سيرة الرسول وهو التأسي والإتباع ثم ذكر لمحات من سيرته المباركة مستعرضا:
احترامه للناس: حيث كان يلقي السلام حتى على الصغار, واحترامه لمخالفيه: حيث كان يقول: إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه. ردا على اعتراض الأصحاب على تقديره وحفاوته واستقباله لزعماء المشركين.
مراعاة مشاعر الآخرين وذكر موقفه مع رأس النفاق عبد الله بن أبي حين مرضه وموته.
وأشار سماحته في نهاية حديثه أن الرسول بهذه الأخلاق دخلت محبته نفوس الناس واستطاع التأثير فيهم وأن قيمة الأخلاق الحقيقية تظهر مع المخالفين لك, لا مع الموافقين لك, إذ لا فخر للإنسان بالتعامل الحسن مع موافقيه, وبهذه الأخلاق غرست محبة الرسول في النفوس.
جدير بالذكر أن سماحته أحيا هذه المناسبة أيضاً في مجلس حسينية المصطفى بالخويلدية في نفس الليلة.