الشيخ الصفار يدعو لإطلاق حملة ضدّ الطائفية
دعا فضيلة الشيخ حسن الصفار لإطلاق حملةٍ ضدّ الطائفية، ووجّه نداءه لمنظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية وكل المؤسسات العربية والإسلامية، مؤكداً أن الطائفية لون من ألوان العنصرية، وقال إن خطر الطائفية التي يشهدها العالم العربي والإسلامي اليوم يختلف عنه في الماضي، فقد كانت الأمة في أوج قوّتها قديماً، وكانت القضايا الطائفية لا تؤثر إلا كأثر الإصابة البسيطة في الجسم القوي، واليوم فإن الأمة أصبحت كالجسم الذي فقد جهاز المناعة، فأي إصابة قد تؤدي به.
وتعقيباً على المؤتمر الدولي لمناهضة العنصرية، والذي عقد في جنيف، أشار الشيخ الصفار في خطبة الجمعة 29 ربيع الثاني 1430هـ (24 أبريل 2009م) إلى عدّة نقاط أبرزها: أن المؤتمر كشف عن ازدواجية المعايير والمكاييل عند الإدارات السياسية في المجتمع الغربي، حيث انحاز معظمها وبكل وقاحة للموقف الصهيوني. كما أن المؤتمر كشف عن فاعلية المجتمع اليهودي، وكيف ينشطون للدفاع عن باطلهم. وفي المقابل كشف عن ضعف الموقف العربي والإسلامي سوى الموقف الإيراني الجريء البطولي.
وبمناسبة عطلة نصف الفصل الدراسي حيث يتّجه عدد كبير من أبناء وبنات المجتمع للعتبات المقدّسة في المدينة المنوّرة، وجّه الشيخ الصفار خطابه إلى الزائرين بأن يكونوا حذرين يقظين كي لا يتكرر ما حصل قبل شهرين في العطلة الماضية، مؤكداً على ضرورة الالتزام بآداب وأهداف الزيارة التي يؤكد عليها أئمة أهل البيت 
وأن يُمثّل الشيعة الصورة المشرقة لمذهبهم.
وحول تداعيات ما حصل من أحداث مؤسفة في العطلة السابقة أكد الشيخ الصفار أن الضرر ألحق بالجميع بدءً بالدولة وأجهزتها المختلفة حيث أن ما حدث أضر بسمعة الدولة التي تفتخر بشرف رعايتها للحرمين الشريفين، ومروراً بالسلفيين لأن الأجواء العامة في العالم الإسلامي معبأة ضدّ الأسلوب الذي يتعاملون به مع الزائرين، وهذه الحادثة جاءت لتزيد من وتيرة التشنج. وانتهاءً بالشيعة فليس من مصلحتهم أن تكون الأجواء في بلدهم معبّأة ضدّهم، وهذه الحادثة جعلت المغرضين يتصيّدون في الماء العكر، فيعزفوا على وتر الخلافات المذهبية، لتعبئة المحيط ضدّ الشيعة.
وأوضح الشيخ الصفار أن المجتمع العاقل هو الذي يستفيد من التجارب التي يمر بها، مؤكداً على ضرورة الوقوف أمام ما حصل، وعدم تكرار حصوله مرة أخرى، وأن المسؤولية تقع على الجميع، فأجهزة الدولة مطالبة بأن تكون يقظة لتلافي أي أخطاء قد تحصل، وعلى الجهات الدينية المشرفة على العتبات المقدّسة ترشيد أسلوب التعامل مع الزائرين، وإظهار الوجه المشرق للإنسان المسلم، وعلى أبنائنا وبناتنا الزائرين أن يكونوا واعين بالظروف التي يزورون فيها، وأن يتّجهوا للمقاصد العليا من الزيارة، وأن يضبطوا أعصابهم، فلا يستجيبون للاثارات إذا حصلت من بعض العناصر الجاهلة أو المغرضة.
الحمد لله العالم بمكنونات الضمائر، المطلع على ما تخفي القلوب والسرائر، الذي أبدع الخلق بقدرته، ونظم الكون بحكمته، نحمده تعالى أن خلقنا في أحسن تقويم، وغمرنا بفضله العميم.
ونشهد ألا اله ألا الله وحده لا شريك له، تفرد بالربوبية فلا رب سواه، وتوحد بالألوهية فلا معبود غيره، له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين.
ونشهد أن محمدا 
عبده ورسوله، سراجه المنير، وصفيه البشير، وحبيبه النذير، صلى الله عليه وآله الذين الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله فإنه طالما أمر بها في كتابه وحث عليها في خطابه فقال عز من قائل: ﴿واتقوا الله واعلموا إن الله شديد العقاب﴾.
مناهضة العنصرية
من الإيجابيات الكبيرة لدى الأمم المتحدة إطلاقها للدعوات الإنسانية النبيلة، واهتمامها بالقضايا الإنسانية العادلة، ذلك أن البشرية في حاجة إلى التذكير بهذه القيم، وبهذه القضايا الإنسانية. ومن تلك المبادرات الإيجابية إطلاق الأمم المتحدة الدعوة إلى مؤتمر دولي لمناهضة العنصرية. وهذه مبادرة مهمة وعظيمة حيث انعقد المؤتمر الأول في ديربان في جنوب أفريقيا سنة 2001م، وانعقد المؤتمر الثاني في جنيف بتاريخ 20 أبريل 2009م. هدف المؤتمر توجيه أنظار الساسة والمفكرين وأبناء البشرية جمعاء إلى الخطورة التي تمثلها الممارسات والتوجهات العنصرية في حياة المجتمعات البشرية. والعنصرية تعني: اعتقاد جماعة أو جنس أو سلالة بتفوقها على الغير، فتنظر إلى الآخرين نظرة دونية، وبناء على هذه النظرة تمارس التمييز تجاه الغير بالاعتداء على حقوقه.
هذه النظريات العنصرية كانت قديمة في تاريخ البشر، في حضارة الإغريق حيث كان الرومان ينظرون إلى بعض الشعوب الأخرى نظرة دونية ويمارسون التمييز تجاههم، وفي الهند أيام الحضارة البرهمية القديمة، قبل الميلاد بثلاثة قرون صنفت المجتمع إلى طبقات وجاء في آخر سلم تلك الطبقات طبقة أطلقوا عليها (الشودر) أو المنبوذين، وكانوا ينظرون إلى هذه الطبقة من البشر باعتبار إن الله تعالى خلقهم ليخدموا الطبقات الأعلى منهم، وأنهم مجرد خدم لمن هم أرقى منهم. وفي سنة 1948 بدأت التشريعات القانونية في الهند لمواجهة هذه الحالة ولتحسين أوضاع طبقة المنبوذين، لكن الآثار لا تزال باقية، ولا يزال هؤلاء ينظرون إلى أنفسهم في الغالب، نظرة دونية، والآخرون يتعاملون معهم على هذا الأساس على الصعيد الاجتماعي.
وفي أمريكا كان البيض يتعاملون مع السود الزنوج، على أساس هذه النظرة العنصرية، فالأبيض هو الأرقى، والأسود هو المرتبة الأدنى، وهناك امتيازات يتنعم بها الأبيض ويحرم منها الزنجي الأسود.
وبدأت قوانين وتشريعات في أمريكا لتلافي هذه الحالة من العقد الثاني في القرن العشرين لمواجهة التفرقة العنصرية، وقطعت شوطاً طويلاً وتوّجت بانتخاب رئيس للولايات المتحدة الأمريكية من أصل أفريقي.
وفي جنوب أفريقيا كان هناك حكم يمارس أسوأ أنواع التمييز العنصري، ولكن هذا الحكم قد زال، والحمد لله، فقد كانت أقلية من البيض من أصل أوروبي تُقدّر نسبتهم 14% من السكان، تحكم بقية السكان وتمارس تجاههم التمييز العنصري، إلا أن صفحة ذلك النظام العنصري قد طويت.
وما زالت البشرية تعاني أنواعاً من التمييز العنصري إما لسبب عرقي أو قومي أو ديني. وفي بعض الأحيان ترى جماعة نفسها أرقى من الآخرين، لأن لها معتقدات دينية معينة، وهم أحرارٌ فيما يعتقدون، ولكن المشكلة حين يدفعهم ذلك الاعتقاد للعدوان على حقوق الآخرين، ولممارسة التمييز الديني والطائفي، فهذا شكل من أشكال العنصرية.
هذا المؤتمر الثاني الذي عقد في جنيف وماصاحبه من صخب وضجة إعلامية وسياسية، تدفعنا إلى التعقيب والتعليق على ما حصل بعدة نقاط:
النقطة الأولى: هذا المؤتمر وماحدث فيه يكشف ازدواجية المعايير والمكاييل عند الإدارات السياسية في المجتمع الغربي، هذه الإدارات التي انحازت بكل وقاحة للموقف الصهيوني، مع أن إسرائيل بممارساتها تشكل اليوم أبشع صورة من صور العنصرية والظلم، فقد احتلوا أراضي الشعب الفلسطيني، وطردوه من أرضه، ليصبح هؤلاء السكان الأصليون لاجئين في دول أخرى. كما أنهم يمارسون الحكم والسلطة دون أي مشاركة للسكان الأصليين، ويمارسون أسوأ أنواع الظلم والتمييز ضد الفلسطينيين. وبشكل وقح أقاموا جدار الفصل العنصري على مشهد ومرأى من العالم، إضافة إلى المجازر والمذابح والانتهاكات وآخرها ما حصل في غزة.
إنه ظلم واضح لا يحتاج إلى دراسة وبحث، وكانت الفضائيات ووسائل الإعلام تنقل صور سفك الدماء والاعتداء على الأبرياء في غزة فور حدوثها للعالم كله، ومع ذلك فإن أمريكا وكندا واستراليا وألمانيا وإيطاليا وعددا من الدول قاطعوا المؤتمر لأنهم رأوا فيه توجها لإدانة إسرائيل.
وبدأ الإعلام السياسي والغربي يعزف على هذا الوتر (معاداة السامية) وكأن الصهاينة الذين يقومون بأبشع ألوان الاعتداء والظلم معتدى عليهم، وهم المظلومون والمحاصرون، وهم في موقع الدفاع عن أنفسهم، هذه ازدواجية في المعايير.
الأمم المتحدة كقرارات وشعارات أمر رائع، لكن القوى الكبرى مع أنها منضمة في الأمم المتحدة تعتمد على النظام الجائر الموجود في مجلس الأمن بانتزاعها لحق الفيتو والنقض، وبالتالي تأخذ حريتها في ممارسة هذه الازدواجية النكراء.
النقطة الثانية: هذا المؤتمر كشف عن فاعلية المجتمع اليهودي، وكيف أنهم ينشطون للدفاع عن باطلهم. وتتحدث التقارير عن منظماتهم ومؤسساتهم في مختلف البلدان، أنهم منذ شهور يخططون ويتحركون من أجل أن يفشلوا مهمة هذا المؤتمر ومن أجل أن يمنعوا إدانة إسرائيل، وبالتأكيد فإن من يمارس الفاعلية والنشاط يستطيع أن يؤثر في الرأي العام ويستطيع أن يكسب في المقابل.
النقطة الثالثة: كشف هذا المؤتمر عن ضعف موقف العرب والمسلمين سوى الموقف الإيراني البطولي، إلا أن بقية العالم العربي والإسلامي لم يستفيدوا من هذه الفرصة في الإعداد والفاعلية والتحرك وأخذ الموقف المطلوب ضمن المؤتمر. وهذا أمر واضح أدركته وعرفته كل الشعوب. فالشعوب العربية والإسلامية لا تهمها العناوين والشعارات، فهي تعيش المعاناة والآلام، وإذا كان هناك من يعبر عن آلامهم وقضاياهم وتطلعاتهم، فإنهم ينظرون إليه بإكبار وإعجاب.
وقد رأينا حينما أخذ رئيس الوزراء التركي في مؤتمر دافوس الاقتصادي موقفاً بطولياً تجاه الأباطيل الصهيونية، وتجاه كلام رئيس الكيان الصهيوني وانسحب من المؤتمر، فإن كل الشعوب العربية والإسلامية نظرت إليه بإعجاب وإكبار، لأنه عبر عن قضيتهم وآلامهم وآمالهم.
وهكذا الحال في موقف الرئيس الإيراني في مؤتمر جنيف لمناهضة العنصرية، وبعيداً عن أي اعتبارات سياسية أو مذهبية، فإن الشعوب العربية والإسلامية ترى في هذا الموقف تعبيرا عن آمالهم وآلامهم، وهم يتوقعون أن كل قادتهم يكون لهم نفس الموقف الجريء والواضح، فإلى متى يبقى الصهاينة مسيطرين على أجواء السياسة الدولية؟ وإلى متى يمارسون وقاحتهم بكل جرأة وقوة؟ بينما قادة العرب والمسلمين يمعنون في إظهار الاستسلام والانهزام أمامهم، مراعاة للقوى الكبرى، ومراعاة للمصالح الآنية، والتي هي ليست مصالح حقيقية لأنها لا تخدم قضاياهم وشعوبهم.
النقطة الرابعة: إننا في العالم الإسلامي نحتاج إلى إطلاق حملة ضد الطائفية، لأن الطائفية لون من ألوان العنصرية. والنداء موجّهٌ لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وجامعة الدول العربية، وكل المؤسسات العربية والإسلامية، بأن تفكر في إطلاق حملة ضد هذا الخطر الداهم الذي يهدد بلداننا العربية والإسلامية وهو خطر الطائفية.
صحيح أن الجدل المذهبي والنزاعات الطائفية ليست جديدة في تاريخ الأمة، فحينما نقرأ كتب التاريخ نجد أن ابن الأثير يحدثنا في حوادث سنة 323 وفي حوادث سنة 443 وبعدها، كيف كانت تقع الفتن الطائفية في بغداد وفي مناطق مختلفة من العالم الإسلامي. ولكن المشكلة اليوم تختلف عن الأمس، ففي الماضي كان هذا الجدل والنزاعات تجري في ظل حضارة مهيمنة ودولة مهابة قوية، لذلك ما كانت تؤثر إلا تأثيرا محدوداً على واقع الأمة، كالألم البسيط في الجسم القوي. لكن الأمة الآن أصبحت في وضع يشبه الجسم الذي يفقد جهاز المناعة، فأقل الحوادث والمشاكل تطيح بهذا الجسم.
إننا بحاجة إلى إطلاق الدعوة لمواجهة الطائفية على الصعيد السياسي: بأن لا يكون هناك تمييز طائفي بين المسلمين في مختلف دولهم سواء كانت تحكم هذه الدولة حكومة سنية أو شيعية. وعلى المستوى الديني والثقافي: ينبغي تجريم التحريض ونشر الكراهية بين أبناء الأمة الواحدة والوطن الواحد. وعلى المستوى الاجتماعي: ينبغي تشجيع التواصل والتداخل بين أبناء الدين الواحد والأمة الواحدة. فلماذا الإمعان في التمايز والتباعد والذي وصل إلى كل المستويات، هذا أمر خطأ وخطير ينبغي الخروج منه حتى تعود للأمة وحدتها وكرامتها وعزتها.
حتى لا تتكرر أحداث البقيع
الإنسان العاقل إذا حصلت له حادثة من الحوادث يدرسها ويستفيد منها كتجربة، ويتلافى الثغرات والنواقص التي دخل عليه من خلالها السوء والضرر، هذا حال من يستخدم عقله. أما من يغفل عن عقله فإن الحوادث تتكرر عليه دون أن يغير من واقعه شيئاً.
وهذا يتحقق على مستوى الفرد وكذلك على مستوى المجتمعات والأمم، فنحن نرى المجتمعات المتقدمة إذا ما حصلت حادثة مؤسفة أو قضية مؤلمة، فإنهم يمعنون النظر في أسبابها ويخططون لتلافي وقوعها وتكرارها. أما في المجتمعات المتخلفة فإن المشاكل والأحداث المؤسفة قد تقع وتتكرر دون أن يكلّفوا أنفسهم عناء الدراسة والبحث، ويكتفون بالوصف والتحليل، ويُبرئ كلٌ طرف نفسه عن أي مسئولية فيما حصل، وبالتالي فإنه لا تحصل استفادة ولا موعظة من التجربة، وهذا من مظاهر الغفلة عن استخدام العقل على المستوى الجمعي. يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 
: «العاقل من وعظته التجارب».
قبل شهرين حصلت حادثة مؤسفة في بلادنا وفي بقعة مقدسة وهي المدينة المنورة، شرفها الله. حيث حصل هناك إساءة من قبل بعض الجهات المشرفة على البقيع لمجاميع من النساء والشباب الذين ذهبوا لزيارة رسول الله وأئمة البقيع . وحصلت ردود فعل، تلك الحوادث المؤسفة التي لا نريد تكرار الحديث عنها. ولكننا نريد أن نؤكد على ضرورة الاستفادة مما حصل، خاصة ونحن الآن أمام عطلة جديدة يتوجه فيها بعض أبنائنا وبناتنا إلى المدينة المنورة للزيارة، كما توجهوا في العطلة السابقة قبل شهرين، وهنا علينا جميعاً أن نفكر فيما حصل في الماضي وأن نستخلص الدروس والعبر. فإن ما حصل أضر بالجميع: أضر الدولة، وأضر السلفيين، وأضر الشيعة. وإذا كان هناك من يماري في هذا الأمر ويقول أننا ربحنا وانتصرنا فهو متوهم، لأن الجميع قد خسر. فالدولة خسرت لأن تلك الحوادث أطلقت موجة من الإعلام المضاد تجاهها، وكل دولة لا تريد أن تتعرض سمعتها لسوء، ولا شك أن الدولة تفتخر وتعتز بخدمة الحرمين الشريفين وأي انتقاص من دورها في خدمة الحرمين الشريفين يسبب إزعاجا كبيرا لها وهذا أمر واضح، وهذا يُشكّل جانباً من الخسائر.
من ناحية أخرى فإن السلفيين أيضاً خسروا، لأن هناك أجواء في مختلف أنحاء العالم الإسلامي في الأصل معبأة ضدهم، فجاءت هذه الأحداث لكي تعطي زخماً جديداً في مختلف الأوساط عن طريقة تعامل المتشددين من السلفيين مع بقية المسلمين من مختلف المذاهب، خاصة وأن الخلاف على قضايا الزيارة وآدابها ليس بين الشيعة والسلفيين فقط، وإنما كل المسلمين من غير السلفيين يشاركون الشيعة في قبول الكثير من مظاهر الاحترام والإجلال والتقديس لأضرحة الأئمة والأولياء.
والشيعة أيضا تضرروا مما حدث، لأن الشيعة ليس من مصلحتهم أن يتعبأ المحيط الذي يعيشون فيه ضدهم، وهذه الحادثة أطلقت العنان لمن أراد التعبئة ضد الشيعة في هذا الوطن، واستفادوا من هذه الحادثة بإشاعة الكثير من التقولات والاتهامات وإعادة التأجيج والتعبئة الطائفية. وهذا أمر يضرنا لأن انسجامنا مع محيطنا والوسط الذي نعيش فيه هو الذي ينفعنا، بينما حصول التشنج والتوتر يضر الجميع ويضرنا.
فنحن نعيش ضمن هذا المحيط، وأبناؤنا في مختلف المناطق إذا حصلت تعبئة ضد الشيعة فإن ذلك يسبب الكثير من المشاكل لهم، ونحن لا نريده ولا نتمناه. والمخلصون يبذلون جهودا كبيرة من أجل تنقية الأجواء وإعطاء الصورة المشرقة الجميلة لأتباع أهل البيت ، فحصول فرصة من أجل حملة من الاتهامات والتشويه للطائفة في هذا البلد هو أمر يضر بغض النظر عن أسباب ودوافع هذه الحملة.
إذاً كل الأطراف تضررت، فالضرر على الوطن كله، وهذا بلدنا جميعاً، وهذا الضرر أيضاً على سمعة الإسلام والمسلمين أمام العالم، الذي ينظر إلينا وكأننا لا نحترم حتى الأماكن المقدسة عندنا كمسلمين فتحصل فيها مثل هذه الأحداث فيما بيننا. لذلك على الجميع أن يستخلصوا الدروس:
فالدولة، وأقصد أجهزة الدولة الموجودة في المدينة المنورة، يجب أن تكون يقظة للحد من التجاوزات والإساءات للزائرين وللسيطرة على الموقف حينما يحصل أي شيء لا سمح الله. فالأجهزة التي تمثل دور الدولة هي لكل أبناءها ولرعاية كل المواطنين، لا يصح حينما تحصل مشكلة بين طرفين أن ينحاز هذا الجهاز من الدولة لطرف دون آخر، فهذا خلاف الدور المأمول والمتوقع من أجهزة الدولة الراعية لكل مواطنيها. فنأمل أن يكون هناك انتباه ويقظة عند أجهزة الدولة، والأجهزة الأمنية والجهات المتواجدة هناك لمنع حصول وتكرار مثل تلك الحوادث المؤسفة لا سمح الله.
وعلى الجهة الدينية المتواجدة هناك أن تستفيد مما حدث في ترشيد طريقة تعاملها مع الزائرين على اختلاف مذاهبهم وتوجهاتهم، وقد قرأنا عن إقامة دورات توجيهية وإرشادية لتحسين سلوك المتعاملين مع الزائرين، نأمل أن تستمر هذه الدورات لهذه العناصر وأن يستفيدوا منها، حتى تتغير طريقة التعامل. لأنه لايتناسب مع قداسة تلك البقاع، ولا يتناسب أساساً مع خلق المسلم أن يكون فظاً غليظاً في التعامل مع الآخرين، وإن اختلفوا معه في الرأي لأنهم ينطلقون من رأي يتعبدون به شرعاً، ولا يصح الإنكار في مواقع الخلاف. وإذا كان هناك اختلاف في مسألة فقهية أو مذهبية فلا يصح لك أن تنكر على الطرف الآخر، لأن الطرف الآخر له رأيه وله أدلته وله مدرسته.
وبالنسبة لنا نحن الشيعة علينا أن نتحمل المسؤولية فأبناؤنا وبناتنا الذين يذهبون إلى تلك المناطق عليهم أن يراعوا أفضل الآداب التي تحدث عنها أئمة أهل البيت في الزيارة، بأن يذهب الإنسان الزائر في سكينة وخشوع وخضوع، وأن يكون قلبه متّجهاً إلى الله أثناء الزيارة، وأن يستحضر شخصية من يزوره, وكأنه حاضر أمامه، وهذا يعني أن يراعي الإنسان الأدب حينما يذهب إلى الزيارة، فلا يذهب بنفسية المشاكسة أو ما أشبه ذلك، فهذا خطأ كبير خلاف آداب وأهداف الزيارة.
وعلى أبنائنا أن يراعوا الظروف التي يزورون في ظلها فلا يقومون بتصرف يسبب مشكلة، فعليهم أن يضبطوا أعصابهم، فلا يستجيبون لبعض الإثارات إذا حصلت من بعض العناصر الجاهلة أو المغرضة، فإن هناك من يسعى لإيقاع مثل هذه الفتن وعلى الإنسان الواعي أن يكون يقظا حتى لايقع في الفخ. وحسب المعلومات التي تنقل فإن بعض الجهات المتطرفة تأتي ببعض أفرادها في هذه المناسبة من أجل النزاع وحصول مثل هذه الحوادث المؤسفة، على أبنائنا أن يكونوا واعين وأن يكونوا منتبهين فلا يستدرجوا لهذه الخلافات والصراعات بل يزوروا ضمن آداب الزيارة المنصوص عليها في الأحاديث والروايات، والتي نص عليها العلماء في كتب الزيارات والأدعية وأن يقصدوا توفير الأجواء الانسجامية الملائمة في تلك البقاع المقدسة.
