تقديم لكتاب «محض الإخلاص»

الكتاب: محض الإخلاص
المؤلف: علي الدرورة
الناشر: الطبعة الأولى1429هـ- دار المحجة البيضاء - بيروت - لبنان

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين.

الإخلاص عنوان لسمو الفرد وسبيل لتقدم المجتمع، فالإنسان الذي ينطلق في أعماله ومواقفه من مقصد نبيل، ويتقن أداء مهامه ووظائفه، هو المخلص الذي يحلق في آفاق السمو الروحي والأخلاقي.

والمجتمع الذي تسود أجواءه قيم الخير والصلاح، ويلتزم أبناؤه بمقاييس الجودة النوعية في نشاطهم وحركتهم، هو المجتمع الذي يشق طريق التقدم ويحقق النمو والرقي.

لقد عرّف اللغويون الإخلاص بأنه: مصدر أَخلَصَ يُخِلِصُ وهو مأخوذ من مادة (خَ لَ صَ) التي تدل على تنقية الشيء وتهذيبه.

وتعددت تعريفات علماء الأخلاق لمفهوم الإخلاص، قال النراقي في جامع السعادات: الإخلاص هو تجريد القصد عن الشوائب كلها... فالإخلاص تخليص العمل عن الشوائب كلها، كثيرها وقليلها، والمخلص من يكون عمله لمحض التقرب إلى الله سبحانه، من دون قصد شيء آخر أصلاً.

وقال الكفويّ: الإخلاص هو القصد بالعبادة إلى أن يُعبَدَ المعبود بها وحده. وقيل: تصفية السر والقول والعمل. وقيل: تصفية العمل من التهمة والخلل.

وجاء في رواية عن الإمام جعفر الصادق : «الإخلاص يجمع فواضل الأعمال، وهو معنى مفتاحه القبول، وتوفيقه الرضا، فمن تقبل الله منه ورضي عنه فهو المخلص وإن قلّ عمله، ومن لا يتقبل الله منه فليس بمخلص وإن كثر عمله».

إن للإخلاص طرفين أساسيين: الأول: سلامة القصد، بأن ينطلق الإنسان في أعماله وحركاته من مقصد نبيل، يرضي الله سبحانه وتعالى.

والطرف الثاني: أن يُحسن أداء العمل، دون تهاون أو خلل، حتى يكون عمله متقناً صحيحا.

وأغلب المشكلات والنواقص في حياة الناس ناتجة من فقدان الالتزام بهذا المفهوم الأخلاقي العظيم، حيث تكون الأغراض الذاتية والدوافع المصلحية هي المحرّك والباعث بعيداً عن قيم الحق والخير، والأسوأ من ذلك أن تستغل حتى الممارسات ذات الطابع الإنساني والديني من أجل تحقيق أغراض ومصالح ذاتية مصلحية.

كما تعاني الكثير من المجتمعات من ضعف الأداء وإتقان العمل في أوساط أبنائها. وهو مؤشر واضح لفقدان الإخلاص وغيابه.

إن مهام ووظائف أساسية يعتمد عليها مستقبل المجتمع وإدارة شؤونه الحاضرة تعاني من خلل كبير لأن أكثر القائمين بتلك الوظائف والمهام، يتساهلون في أدائها، ولا يهتمون بإتقانها، بسبب الكسل والإهمال والدوافع المصلحية المختلفة والتي تنبع جميعها من جذر واحد وهو غياب الإخلاص.

إن العاملين في حقل التربية والتعليم مثلاً والذين على أيديهم تتربى الأجيال وتكتسب العلم والمعرفة، كم هم بحاجة إلى الإخلاص في أداء مهمتهم، ليؤدي كل معلم دوره بجدية وإتقان، مخلصاً للمسؤولية الكبيرة التي يتحملها، واعياً بخطورة المهمة التي يقوم بها في صنع الجيل وتأهيله لخدمة المجتمع والوطن.

وفي المؤسسات الصحية التي تتحمل أمانة الحفاظ على أرواح الناس وحماية صحتهم، كم هي الحاجة ماسة إلى درجة عالية من الإخلاص والاهتمام والإتقان؟

إن ظاهرة التسيب والإهمال في بعض المؤسسات الصحية الحكومية والأهلية أصبحت مرعبة مخيفة، وقد حدثني أحد العاملين في إحدى تلك المؤسسات عن موارد ومواقف مذهلة يندهش الإنسان من حدوثها من قبل إنسان يمتلك ضميراً ووجدانا. كما تنقل الصحف ويتحدث الناس عن آثار حالات الإهمال والتسيب في المؤسسات الصحية.

وليست الأمور في بقية المؤسسات والحقول بأفضل حالاً، ولا أقل خطورة من هذين المجالين التعليمي والصحي.

من هنا تأتي أهمية طرح موضوع الإخلاص والتأكيد على ضرورته، فهو ليس شأناً عبادياً فقط بالمعنى المصطلح للعبادة، بل هو نهج سلوكي ومسار أخلاقي، له ثقافته وبرامجه واستهدافاته.

وقد سررت كثيراً بتناول الأخ الكريم الأستاذ علي الدرورة لهذا الموضوع الهام أرجو أن ينفع الله القارئين بما سطره في هذه الصفحات الجميلة المليئة بالحكم والنصوص والأفكار الدافعة إلى الإخلاص في المقصد وحسن الأداء.

إن الأستاذ علي الدرورة نموذج للمثقف المهموم بقضايا مجتمعه، فهو بالإضافة إلى انشغاله بحفظ التراث وتوثيقه عبر كتاباته ومشاركاته، يبذل جهداً طيباً في معالجة القضايا الاجتماعية على مستوى التواصل الاجتماعي والإنتاج الثقافي. أرجو له المزيد من التقدم والعطاء وأن يكثر الله في رجال المجتمع أمثاله.

والحمد لله رب العالمين.

حسن موسى الصفار         
25/2/1426هـ