أخلاق التعامل في الأسرة والمجتمع

الخطبة الأولى

مما جاء في خطبة رسول الله عند دخول شهر رمضان (أيها الناس من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جوازا على الصراط يوم تزل فيه الأقدام ومن خفف في هذا الشهر عما ملكت يمينه خفف الله عليه حسابه ومن كف فيه شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه ومن قطع رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه).

من عادات المؤمنين في هذا الشهر الكريم التوجه إلى إحيائه بالعبادات كالإقبال على تلاوة القرآن الكريم وقراءة الأدعية وأداء العمرة والنوافل، وثواب هذه الأعمال العبادية أكبر في هذا الشهر من سائر الشهور.

العلاقة مع الآخر في دائرة التوجيه النبوي

يلاحظ في هذا الجزء من خطبة الرسول زيادة الاهتمام بتفعيل العلاقات بين الناس، والتي ينبغي أن يكون لها نصيب من اهتماماتنا وتوجهاتنا خلال هذا الشهر الكريم من باب التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بحسن الأخلاق وليس فقط بأداء بعض العبادات.

إن أخلاق الإنسان هي سجاياه وطبائعه التي يدير بها حياته ويتعامل من خلالها مع الناس.

وهناك الكثير من الأفراد يقعون تحت وطأة الاستسلام للسلوكيات التي ألفوا السير عليها، ولا يقبل مناقشته معللا ذلك بأن هذه طريقته وطبيعته.

وعلى ضوء ذلك نسأل:

• هل أن سلوكيات الإنسان وطرق تعامله ل مع الآخر ثابتة حتمية لا يمكن تغييرها؟

• هل طريقته في التعامل مع الآخرين هي المثالية بحيث لا شيء أفضل منها؟

• هل يطرح الفرد على صفحة نفسه ليسألها عن كيفية علاقته مع والديه وزوجته وأبنائه وسائر أرحامه فيسعى بعد ذلك لتصحيحها أو تطوير القاصر منها؟

لا شك أن الإنسان لديه القدرة على تغيير سلوكياته وأنماط معاشرته للناس، وإلا لو لم يكن قادرا على ذلك لما صح معاقبته ومحاسبته، وأصبح لا جدوى من وضع المناهج لتعديل السلوك الإنساني.

وتحسين الخلق ليس فقط الانتقال من السلوك السيئ إلى الحسن، بل هو أيضا رفع لدرجة الأخلاق إلى أفضل مستوى.

تحسين الأخلاق في شهر رمضان

ورد عن النبي محمد قال: (من تطوع بخصلة من خصال الخير في شهر رمضان كان كمن أدى سبعين فريضة من فرائض الله).

ليس التطوع بأداء الصلاة ودفع الصدقة فقط، بل منه أن يتبع الإنسان سلوكا حسنا جديدا في سيرته وتعامله وبالتالي يكون كمن أدى سبعين فريضة من فرائض الله. فإذا طور الإنسان في أسلوب علاقاته مع الآخرين في رحاب هذا الشهر الكريم وواظب عليها فيما بعد فإنه سيخرج من هذه الجامعة الروحية التربوية الإلهية بثمرة وحال جديدين لم يكن قد تعود عليه الإنسان نفسه، وقد يجد في بداية الأمر صعوبة في الألفة معه، لكن يصبح فيما بعد مألوفا وعاديا.

تجارب بسيطة ذات قيمة عالية

• هل تعودت حينما تدخل بيتك أن تلقي السلام على عائلتك؟

إن لم تكن متعودا فعود نفسك بالسلام على أهلك حينما تدخل بيتك.فليس إلقاء السلام على الأجانب فقط.

• هل عودت نفسك شكر عائلتك وأبنائك على ما يقدمونه من خدمات منزلية؟

فلماذا لا توجه شكرك لزوجتك إذا قدمت لك طعاما أو أي خدمة أخرى والذي له الأثر الطيب على قلبها ونفسها.

• الزوجة في المنزل إذا جلب زوجها حاجيات العائلة ومستلزماتها مع أن هذا من واجباته، لكن أن تشكره وتدعو له بطول العمر والسعة في الرزق فإن هذا الإسلوب له تأثير كبير على الطرفين وعلى الأبناء الذين سيجنون ثمرة هذه العلاقات الطيبة بين الوالدين والتي من أهمها الاعتياد على شكر من أحسن إليهم. وكذلك الإحسان إلى والديهم.هذه العادات والتجارب البسيطة على الإنسان أن يعتاد عليها لأنها من الخير وكما قال أمير المؤمنين (الخير عادة).

تصحيح لمفهوم خطأ

ليس صحيحا أن يبرر الإنسان لنفسه قوله "أن هذا من طبيعتي فماذا أصنع".

فعلي يقول: (لا تسرعن إلى الغضب فيتسلط عليك بالعادة) فإذا عودت نفسك تصبح أسيرا لتلك العادة.

وأيضا ورد عنه : (تخير لنفسك من خلق أحسنه فإن الخير عادة وتجنب من كل خلق اسوأه وجاهد نفسك على تجنبه) وعنه : (عودوا أنفسكم الحلم).

وورد إن لم تكن حليما فتحلم، حاول أن تعود نفسك على الحلم بالسيطرة على أعصابك ولا تنفعل حينما يكون هناك ما يسيء إليك ويزعجك.

فعن أمير المؤمنين قال: (عود نفسك لين الكلام وبذل السلام).

ما بين المجتمع الشرقي والغربي

ذات مرة أعدت إحدى الفضائيات برنامج تلفزيوني يطلق عليه "الكاميرا الخفية" حيث يواجهون فيه الإنسان بتصرف استفزازي ليروا ردة الفعل الصادرة عنه فقاموا بإجراء تجربة رش الماء وبشكل فجائي على مجموعة من الاشخاص الذين ينتمون لأحد المجتمعات الغربية وإلى مجموعة أخرى تنتمي لأحد المجتمعات الشرقية، وقاموا بمقارنة ردود الفعل بين المجموعتين، فبدا الفارق واضحا، ففي المجتمعات الغربية كانوا يبتسمون ويضحكون ويرددون عبارات فيها نوع من المزاح والابتهاج، لأنه بالتأكيد حينما يوجه الإنسان هذا التصرف فإنه ينزعج في بداية الأمر ثم ما يلبث أن يفكر لماذا هذا التصرف فهناك من يدرك أن هذا التصرف لا بد وأن يكون له باعث معين فلماذا الانفعال والانزعاج.

أما في المجتمع الشرقي فكانت ردة الفعل أن انطلق اللسان كالبارود إذ ينفجر بالسباب والشتائم.. المسألة إذا ترتبط بالحالة النفسية والتعود.

من أدبيات حسن الاستماع

ومن العادات التي اهتم الإسلام بها حسن الاستماع، فعن الإمام علي : (عود أذنك حسن الاستماع) فالمشكلة التي تتكرر في الكثير من المجالس، وهي قطع السامع كلام المتكلم وإدخال حديث آخر على كلامه عادة غير جيدة ولا تلتقي مع ما تنشده تعاليم ديننا الحنيف.

شهر رمضان من أفضل المناطق الزمنية لتنمية العادات الطيبة

من أهم معالم حسن الخلق في هذا الشهر الكريم صلة الرحم (من وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه ومن قطع رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه) وأول درجة من درجات صلة الرحم منع الاساءة للزوجة والوالدين والأولاد وإساءة الزوجة لزوجها أيضا. والدرجة الثانية الإحسان، فحسن التعامل والعطاء لهم والتواصل معهم ندب اليه الدين الاسلامي فرسول الله يقول: (ومن خفف في هذا الشهر عماملكت يمينه خفف الله عليه حسابه) ما ملكت اليمين هو ما كان لك السيطرة عليهم كالعمال والخدم الذين يكونون تحت إشراف الإنسان. فيخفف الضغط عليهم في أسلوب التعامل معهم، وتشير بعض التقارير إلى أن الخدم وخاصة في المنازل يتضاعف عليهم العناء في هذا الشهر حيث الطبخ وإعداد الطعام والنشاط البيتي يكثر ويزداد.

الخطبة الثانية

نستقبل هذه الليلة ذكرى ميلاد أبي محمد الحسن أول كوكب أضاء سماء البيت النبوي العلوي، فقد كان رسول الله ينتظر إنجاز وعد الله بمنحه الذرية الطاهرة الطيبة عن طريق بضعته الطاهرة فاطمة الزهراء . وكان ذلك في منتصف شهر رمضان من السنة الثانية او الثالثة للهجرة على اختلاف المؤرخين.

وتصف كتب السير والروايات مدى ابتهاج رسول الله وفرحه بأول أسباطه، والحمد لله أن المؤمنين يخلدون فرح رسول الله باحتفال عام تتحول فيه مجتمعاتهم ومناطقهم إلى مهرجان كبير من الفرح والسرور والتواصل والتهادي وإبداء مشاعر المحبة تجاه بعضهم البعض، وهناك شرائح من المسلمين في مختلف المناطق الإسلامية يظهرون ابتهاجهم وسرورهم ليلة النصف من رمضان وإن كان البعض لا يدرك الأصل التاريخي لهذا الاحتفاء ويجهل سبب نشوء هذه العادة الحسنة إلا أننا أتباع مدرسة أهل البيت نعرف ذلك جيدا وندرك أهمية تخليد ذكرى الفرحة الغامرة التي دخلت على قلب رسول الله وعلى قلب فاطمة وعلي وقلوب المسلمين جميعا الذين فرحوا لفرح نبيهم وابتهجوا لابتهاجه.

وفي رحاب هذه المناسبة نتحدث عن نقطتين:

الأولى: الإمام الحسن ومفهوم المروءة

المروة أو المروءة مشتقة من المرء / امرئ، أي إنسان كقوله تعالى: ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ، وهذا يعني أن المروءة مشتقة من هذا المعنى، والإنسانية تعني اتصاف الإنسان بطبيعته الإنسانية الأصلية والتي تنسجم مع ميزة الإنسان على سائر المخلوقات.

المروءة عند علماء الأخلاق

هي الإنسانية ويقول عالم آخر بأنها اتصاف النفس بصفات الإنسان التي فارق بها الحيوان البهيم. وسئل الإمام الحسن عن المروءة كيف تتجسد وتنعكس على سلوك الإنسان، أجاب الإمام الحسن بأنها على ثلاث صفات:

1/ شح الرجل على دينه أي يكون حريصا على الالتزام بدينه ولا يتنازل عنه،والشح هو الحرص، تعني الحرص على القيم والمبادئ الإسلامية كما نحرص على مصالحنا المالية، فكما نهتم أن لا نخسر في الجانب المالي يجب ان نحرص على أن لا نخسر من قيمنا ومبادئنا الإسلامية.

2/ إصلاحه ماله: أي التعامل مع الثروة المالية من جهة تنميتها وكذلك الترشيد في صرفها، وهذا ما تحتاجه المجتمعات التي تعودت على هدر المال والانفاق على الكماليات دون حساب، فعلى الإنسان أن يرشد استهلاكه سواء كان فقيرا أو غنيا فالإسراف مذموم والله لا يحب المسرفين والمبذرين الذين قرنهم القرآن بالشياطين يقول تعالى: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ. وهنا يجب أن نعلم أبناءنا منذ طفولتهم على برامج ترشيد الاستهلاك منذ صغرهم.

3/ قيامه بالحقوق أي يقوم بالحقوق التي عليه تجاه الآخرين.

ومن خلال هذه النقاط الثلاث السالفة يبين لنا الإمام المروءة الحقيقية الكاملة.

الثانية: أجواء الاحتفال بمولد الإمام الحسن

من العادات الطيبة التي يمارسها مجتمعنا في مثل هذه المناسبة أن تتحول إلى مهرجان كبير مفتوح يشارك فيه الكبار والصغار. وفي هذه المناسبات أصبحت مناطقنا محل اهتمام من قبل الآخرين حيث زيارتهم لها للمشاركة في هذه المهرجانات وللإطلاع على طبيعة العادات الموجودة في المجتمع في أجواء هذه الاحتفالات، وهنا أشير وأؤكد على الأمور التالية:

1- السعي الجاد لمنع التصرفات الطائشة التي تصدر من قبل بعض الجهلاء ولا يخلو أي مجتمع منهم بوضع حد لها، وأن يستشعر كل فرد منا مسؤوليته في حماية هذه الأجواء والمناسبات الإسلامية. والحمد لله هناك مؤشرات توحي باختفاء الكثير منها.

2- أن نضع الحلول والبرامج الجادة لإرشاد هؤلاء الشباب، ونحثهم على القيام بالأعمال الحسنة فهم أبناء هذا المجتمع وإن كان جهلهم وسوء أفكارهم أو تأثير الشلل السيئة دفعتهم إلى مثل هذه الممارسات فبالتوجيه والنصح ننقذهم منها بتشجيعهم على الممارسات الحسنة والإيجابية.

3- أن نرحب بالقادمين والزائرين لمجتمعاتنا في مثل هذه المناسبات ونحتفي بهم ونتعامل مع تساؤلاتهم بمرونة مهما كان هدفها ونوعها لنقدم الصورة الناصعة والطيبة عن مجتمعنا.

4- فيما يرتبط بالتهادي وإعطاء الأطفال الهدايا في مثل هذه المناسبة، فيجب أن نفكر في الاستفادة من هذه المناسبات عبر:

• أن لا نقدم لهم الأطعمة والمشروبات التي تسيء لصحتهم.

• أن نقدم للأطفال مع سائر الهدايا من أطعمة ومشروبات وألعاب بعض القصص القصيرة، التي تشجع الأطفال للارتباط بالقراءة والمطالعة، وبالتالي مع تفاخر الطفل بالهدايا والألعاب يتفاخر أيضا بالقصص والكتب التوجيهية المناسبة لأعمارهم، وهذا لا يقتصر على القصص والكتب فقط بل يشمل أيضا الأقراص الممغنطة المحتوية على الأناشيد الهادفة والبرامج التي تعلم الصلاة مثلا، هذه تزيد وتنشط الحركة الثقافية وتزيد من التنافس على إخراج أفضل قصة أو كتاب أو قرص ممغنط.

أرجو أن يكون هناك استفادة من هذه الفكرة الجميلة المبتكرة ونسأل الله ان يبارك لنا ولجميع المسلمين وجميع المؤمنين وأبناء البشرية جمعاء ذكرى ولادة الإمام المجتبى .

خطبة الجمعة بتاريخ 14 رمضان 1430هـ الموافق 4 سبتمبر 2009م.