الشيخ الصفار: ينبغي ترشيد مواكب العزاء وتقوية ايجابياتها
دعا سماحة الشيخ حسن الصفار إلى استيعاب مجاميع الشباب المشاركة في مواكب العزاء، وتنمية قدراتهم، وإرشادهم إلى سبل الخير، وتقوية الحالة الدينية لديهم.
كما دعا سماحته إلى ترشيد المواكب والعمل على دعم الايجابيات الناتجة عن اقامتها، وضرورة تلافي السلبيات، فهذا البرنامج الذي ينطلق من اصل ديني مذهبي، إذا ترك للأهواء والحماس فقد يضر.
جاء ذلك خلال ندوة دعت لها ديوانية العكراوي بالقديح وحضرها بعض المهتمين والمثقفين.
وقد مهد سماحة الشيخ لحديثه بمقدمات ثلاث، تحدث في الأولى عن حاجة العقائد إلى تمظهرات خارجية تؤكد حضور تلك العقيدة في القلب، وتشد أهل تلك العقيدة إلى عقيدتهم، لأن الأديان والمذاهب في الأصل معتقدات وقناعات، المعتقدات مكانها عقل الإنسان وقلبه، أو ما يعبر عنه بالجانب الفكري والجانب الشعوري، لكن هذه العقيدة تحتاج إلى تمظهر خارجي، وهو عبارة عن الطقوس والمراسيم الدينية أو المذهبية التي تكون في كل دين من الأديان، ولكل مذهب من المذاهب.
نحن كمسلمين لدينا عقيدة ثابتة، هذه العقيدة لها تمظهرات تكرس تلك العقيدة على المستوى الإسلامي العام، وتتجلى في العبادات الإسلامية، كالحج وكسائر الشعائر الإسلامية، هذه الشعائر التي فرضها الله تعالى هدفها تعزيز العقيدة في النفس، وربط الإنسان المؤمن بعقيدته حتى لا تبقى مجرد حالة نظرية ونفسية داخلية، وإنما يكون لها تمظهرات خارجية تؤكد تأثيرها على سلوك الإنسان، وقد ورد في القرآن الكريم التأكيد على تعظيم هذه الشعائر، قال تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ الشعائر جمع شعيرة، وهي العلامة التي تدل على ما في داخل قلب الإنسان من قناعة وعقيدة.
إلى جانب الشعائر الإسلامية العامة التي يتفق عليها المسلمون هناك بعض الشعائر الخاصة المذهبية، مثلا مذاهب أهل السنة والجماعة عندهم توجهات صوفية، عند هؤلاء مجموعة من المراسيم والشعائر يهتمون بها، ولعلكم تلاحظون بعض الفضائيات تنقل مشاهدا من جلسات الذكر التي يقوم بها الصوفيون في العراق ومصر والمغرب وفي مختلف الأماكن، في مدرسة أهل البيت أيضا هناك بعض الشعائر، أو العلامات التي تدل على القناعات، وتعززها وتجعل للعقيدة حضورا في حياة الإنسان وسيرته، ومن أبرز تلك المراسيم والشعارات هي الشعائر المرتبطة بالقضية الحسينية.
واوضح سماحته السبب في الاهتمام بالقضية الحسينية، قائلا: لأن قضية الإمام الحسين عليه السلام قضية مفصلية، كان الاهتمام بها من قبل حدوثها، وهذا موجود في المصادر الإسلامية كافة، رسول الله صلى الله عليه وآله تحدث عن قضية الإمام الحسين، وبكى لما سيجري عليه في أكثر من مشهد، وأمام أكثر من جهة، ولأن هذه القضية توضح مدى ظلامة أهل البيت ، وتشد الناس عاطفيا إليهم، لذلك كان التأكيد من الأئمة على إحياء هذه المناسبة.
وأضاف: في الأصل كان إحياء هذه الذكرى وهذه المناسبة حتى لا تنسى، وحتى لا تغفل، لأن السلطات الظالمة التي فعلت ما فعلت بأهل البيت كانت تريد التعتيم على أفعالها، وتريد ألا تذكر هذه القضية وتنشر لكي لا يفتضح زيفها، لذا قام الأئمة عليهم السلام بتشجيع أتباعهم على طرح قضية الإمام الحسين، وعلى إحيائها دائما وأبدا.
وحول أساليب إحياء هذه القضية قال سماحته: نستطيع تقسيم أساليب إحياء قضية الإمام الحسين إلى قسمين: قسم منصوص ورد فيه كلام من الأئمة كالبكاء والزيارة، وقسم آخر لم يأت النص عليه كأسلوب، ولكنه يندرج ضمن العنوان العام، ومن جملة تلك الوسائل والأساليب التي لم يرد فيها نص لكنها ضمن العنوان العام، مواكب العزاء التي صارت إحدى التعبيرات والتجليات والمظاهر لإحياء هذه الذكرى.
وحول المقدمة الثاني قال سماحته إن: المجتمعات التي تواجه خطر الذوبان وتعاني من حالات من القمع والكبت غالبا ما تكون حريصة على حفظ هويتها وخصوصيتها، وتبتكر لذلك أساليب وبرامج تسمى عادات وتقاليد أو (فلكلور)، ولأن مجتمعاتنا الشيعية وخاصة في المجتمع العربي تعرضت لحالات من الحصار والقمع والتهميش كما هو واضح فأنتج رد فعل وهو التشبث بالهوية وبالخصوصية وذلك من أجل حماية الذات من الذوبان في المحيط، ومن فقد الخصوصية، بل في بعض الأحيان تكون هناك مبالغة في الحفاظ على الهوية وعلى الخصوصية، وإن كان الهدف سليما.
وحول الحاجة إلى وجود أطر وبرامج لاستيعاب الطاقات والقدرات في كل مجتمع كان حديث الشيخ الصفار ضمن المقدمة الثالثة، وخص بالحديث الشباب، لأنهم يمتلكون طاقات فائضة، هذه الطاقات الفائضة عند الشباب إذا لم تفتح القنوات لها لاستيعابها بالشكل السليم تكبت، والكبت يسبب عقد أو تصرف في الطرق الخاطئة والمنحرفة، ولذلك من الضروري جدا أن تكون هناك برامج وأساليب ووسائل تستوعب هذه الطاقات الشبابية، وتشعرهم بذاتهم، وتدمجهم مع مجتمعهم.
وأضاف: الشباب يرثون أفكار مجتمعهم وعقائده، ويشكلون استمرار مسيرته، لذا يجب الالتفات لهم، وتوجيه نشاطاتهم واستيعابها.
كما تطرق سماحة الشيخ الصفار إلى بعض السلبيات التي قد تصاحب بعض المواكب، كعدم مراعاة ظروف البيئة الخاصة، ففي بيئات شيعية أخرى كإيران ولبنان والعراق يراعون ظروفهم، ويضعون البرامج التي تناسبهم، لذا فالواجب علينا أن تكون برامجنا وأساليبنا متناسبة مع بيئتنا.
وكتحويل المواكب إلى أماكن لتفريغ الشحنات والطاقات عند الشباب فقط، وفي حدود ممارسة العزاء، وبعبارة أخرى، عدم استثمار العزاء في توجيه الشباب وبناء شخصياتهم، ففكرة العزاء للعزاء، كما كانوا يقولون: الفن للفن، هذه فكرة خاطئة، إذ لا بد من الاستفادة من العزاء، ومن الشعارات التي ترفع فيه من أجل بناء الإنسان وتقدمه، وتعمل على تعزيز القيم الدينية في نفوس الشباب، فإذا جاء الشباب للموكب فعلى المسئولين فيه أن يعملوا لهم برامج تثقيفية، يخدمون بها أنفسهم ومجتمعهم، ويزداد ارتباطهم بالحالة الدينية، التي تتحول من موسمية إلى دائمة.