الشيخ الصفّار يستنهض المشاعر لاشاعة روح الحب في المجتمع الإنساني ويحذر من الجفاء العاطفي في الأسرة
استنهض فضيلة الشيخ حسن الصفّار المشاعر لاشاعة روح الحب في المجتمع الإنساني. مؤكداً أن الحب هو أعظم عاطفة في الوجود، وهو ظاهرة كونية، وحقيقة علمية، وغريزة أساسية مثل: الخوف والغضب والفرح، وهو شمس الطبيعة الثانية، وحينما يُشرق يُفجّر ينبوعاً من الفضائل، وحينما يشعّ جيداً داخل الإنسان تُولد فيه كل الثمار المشرقة من الأفكار السامية، وفضائل الأخلاق والصفات، إنه الفردوس والجنة في الأرض.
مضيفاً: إن الحب من أقوى العواطف وأكثرها تسامياً بالإنسان. وقد ورد عن نبي الله سليمان أنه قال: «ما من شيء أحلى من المحبة»، وعن الإمام الباقر : «هل الدين إلا الحب»، وعن الإمام الصادق : «سأل داوود سليمان: أي شيءٍ أحلى؟ قال: المحبة، هي روح الله بين عباده. فضحك داوود».
وأشار الشيخ الصفار في أولى ليالي عاشوراء لعام 1431هـ إلى دوافع وجود الحب بين الناس، ومن أبرزها:
أولاً- المشاكلة والاتفاق في الصفات الطبيعية؛ يقول ابن حزم: إنك لن تجد اثنين يتحابّان إلا وبينهما مشاكلة واتّفاق في الصفات الطبيعية، وإن قلّ، فكلّما كثرت الأشباه زادت المجانسة وتأكّدت المودة. وفي هذا السياق يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : «النفوس أشكال، فما تشاكل منها اتّفق، والناس إلى أشكالهم أميل»، وعنه : «كلّ امرئٍ يميل إلى مثله».
ثانياً- استعادة ذكريات العالم العلوي؛ فالنفوس كانت موجودة قبل الأجسام في العالم العلوي (عالم الذّر)، وارتبطت على نحوٍ ما، إلا أن حلول النفس في الجسم قد أنساها أشياء كثيرة، وحين الاتصال تستعيد النفس الذكريات. وهذا تفسير الحديث الشريف: «الأرواح جنودٌ مجنّدة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف».
ثالثاً- المصالح المشتركة، فالكثير من علاقات الحب تكون نتيجة وجود مصالح مشتركة.
رابعاً- الكمال الذاتي للشخص المحبوب، فحين يتّصف شخصٌ بالكمال وعلوّ الصفات والأخلاق، فإنه يجذب الآخرين لمحبته.
وأكد الشيخ الصفار أن روح الحب في عالمنا المعاصر انحصرت لدى أفهام الكثيرين في الجانب الحنسي وحسب، في حين أن هذا الجانب لا يُمثّل سوى تجلٍّ من تجليات الحب، وقد يُمارس الإنسان الجنس بدون حب. ولفت النظر إلى ضرورة التوجّه إلى روح الحب المتمثّلة في التناغم والانصهار فيما بين المتحابين. وفي هذا السياق يأتي رأي الفيلسوف الإغريقي (اميدو قليز)، والذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، وهو الذي فاق أهل زمانه، وأول من ذهب إلى أن ما يوجد في الكون ينتمي إلى أربعة عناصر: الهواء والأرض والماء والنار، وجميع المواد تنتج من اتّحاد مؤقت لهذه العناصر، وهناك قوّة تُسمّى (الحب) تدفع العناصر إلى الاتحاد في مركّبات، وهناك قوّة تُسمى (الكفاح) تسبب تفكك المركّبات. والكون يمر بدائرة متعاقبة تبدأ من الاتحاد تحت سيطرة الحب، وتنتهي بانفصال العناصر تحت سلطان الكفاح.
وسلّط الشيخ الصفار الضوء على دور العائلة في تنشئة الأجيال على أساس الحب، مؤكداً أن الدراسات تُشير إلى أن معظم المشاكل الأسرية وحالات الانحراف هي نتيجة الجوع العاطفي. مضيفاً: إن الإشباع العاطفي يمنح الإنسان الشعور بالأمن والراحة النفسية، ويزيد ثقته بنفسه، ويُشجّعه على بناء علاقات إيجابية مع الآخرين، ويُحفّز لديه العمل الأخلاقي.
وحذّر من تنامي ظاهرة الجفاف العاطفي الذي تشكو منه الكثير من الأسر في المجتمع، مستعرضاً جانباً مما تناقلته الصحف من قصصٍ وأحداثٍ مؤلمةٍ تعرّض لها أطفال جرّاء الجفاف والقسوة التي تُحيط بأجواء أسرهم. ومن ذلك ما نشرته جريدة اليوم أن طالبة في الصف الخامس، لوحظ عليها علامات الضرب، وحين خروجها من المدرسة لم تعد لبيتها، فقام أبوها بالتحري مع المدرسة، وقدّم بلاغاً للشرطة، وفي الأخير وجدوها مختفية بجوار أحد مراكز المواد الغذائية، لذُعرها الشديد من والدها. وهناك أمّهات يُؤدبن أطفالهنّ بالفلفل والحرق بالملعقة.
وتُشير دراسة ميدانية نشرتها جريدة الوطن تقول: 86% من دوافع الجريمة لدى الإناث تعود للحرمان العاطفي.
وهناك الكثير من الأسر تهتم بالجانب المادي والتعليمي لأبنائها على حساب الجانب العاطفي، في حين أن الأخير أهم بكثير من الجوانب الأخرى على أهميّتها.
وأوضح أن هذا الواقع المؤلم يتنافى مع التوجيهات النبوية في التعامل الأبناء، يقول : «من قبّل ولده كتب الله –عز وجل- له حسنة، ومن فرّحه فرّحه الله يوم القيامة». وعن الإمام الصادق: «أكثروا من قبلة أولادكم فإن لكم بكل قبلة درجة». وقال : «إن الله –عز وجل- ليرحم الرجل لشدّة حبّه لولده».
واستلهم الشيخ الصفار من سيرة الإمام الحسين درساً في تنشئة الأولاد على الحب، حيث كان رسول الله يغذق عليه بالحنان والعاطفة بشكلٍ منقطع النظير، وقد ورد أن رسول الله كان يُصلي في فئة والحسين صغير، فإذا سجد ركب على ظهره، ثمّ حرّك رجليه فقال: حل، حل! فإذا أراد أن يرفع رأسه أخذه فوضعه إلى جانبه، فإذا سجد عاد على ظهره، وقال: حل، حل! فلم يزل يفعل ذلك حتى فرغ النبي . وكان رسول الله يؤكد محبّته للحسين بقوله: «اللهم إني أحبه فأحبه»، وقال : «حسين مني وأنا من حسين أحبّ الله من أحبّ حسيناً. حسين سبط من الأسباط».