الشيخ الصفار يناقش الإفراط والتفريط في البرامج الروحية
استنكر سماحة الشيخ حسن الصفار ما يلجأ له بعض المتحمسين من إضافات في البرامج الروحية، مطالبا المنتمين لمدرسة أهل البيت بالابتعاد عن الإفراط والتفريط في البرامج الروحية.
موضحا أن مدرسة أهل البيت فيها الكثير من الكنوز التي تغني عن ابتداع برامج لا أصل لها، قد توصل الإنسان إلى الغلو، أو ينخدع بالمظاهر فتجره إلى مستنقع الخرافات.
جاء ذلك في محاضرة الليلة الثانية من المحرم (1430هـ) التي كانت بعنوان: (المرفأ الروحي للسيرة الحسينية)، وقد تناول سماحته الموضوع من زوايا ثلاث:
- الزاوية الأولى:أمواج الحياة وشاطئ الأمان.
- الزاوية الثانية: البرامج الروحية بين الإفراط والتفريط.
- الزاوية الثالثة: الناشطون دينياً ومراقبة النفس.
في الزاوية الأولى تحدث الشيخ الصفار عن المشاهد التي نراها بكل وضوح من مدى التقدم الهائل الذي أحرزته البشرية في المجال المادي، ففي كل يوم هناك اختراعات واكتشافات جديدة وآفاق حديثة في التقدم العلمي والتكنولوجي، وهذا ما ينبغي ان يسر ويبتهج به الإنسان، لأنه يوفر لأبناء البشر وسائل الراحة والرفاه.
مستدركا على ذلك بما يلاحظ من خواء وفراغ روحي خطير تعاني منه البشرية، فهذا التقدم المادي لا يواكبه إشباع في الجانب الروح، لأن الجانب الروحي يمتص سلبيات التقدم المادي، فلو أننا قرئنا الإحصاءات، وتأملنا فيما تقدمه البشرية من خسائر عظيمة، وثمن باهظ لهذا الخواء الروحي لأدركنا كم هي الحاجة إلى هذا البعد في حياة الإنسان المعاصر.
واستشهد بالإحصاءات التي نشرتها منظمة الصحة العالمية التي تشير إلى أن أكثر من 500 مليون شخص في العالم يعانون من مرض الاكتئاب النفسي والقلق، وإذا عانى الإنسان من الاكتئاب كيف يشعر بالسعادة في هذه الحياة؟ وكيف يستمتع بما حوله من إمكانات مادية؟.
وأيضا: وصلت معدلات الانتحار في كل عام إلى ما يقارب المليون شخص، بمعدل كل أربعين ثانية هناك حادث انتحار في العالم، لكن من يحاولون الانتحار أضعاف ذلك، فعشرون مليون إنسان يحاولون الانتحار.
وقال: هذا يظهر مدى المعاناة، ومدى الخواء والمشاكل الروحية والنفسية التي يعاني منها هؤلاء الناس، وإن معدلات الانتحار في الدول الغنية أكثر من الدول الفقيرة، لهذا يقول المفكر الفرنسي المسلم روجيه جارودي: الناس في البلاد الفقيرة ينتحرون لانعدام الوسائل، وفي البلدان الغنية ينتحرون لانعدام الغايات.
وتشير الإحصائيات إلى ان نسبة الانتحار في البلاد الأكثر غنى ورفاهية وهي الدول الاسكندينافية تبلغ أربعون شخصاً في كل مائة ألف شخص, وفي بريطانيا عشرون شخصاً في كل مائة ألف شخص.
مضيفا: إن أمراض الحياة المادية بدأت تزحف على مجتمعاتنا العربية والإسلامية، فإحصائية وزارة الداخلية السعودية ذكرت أنه في سنة 2007م كان عدد حالات الانتحار التي سجلت في المملكة (596) حالة، هذا غير محاولات الانتحار التي لا تعرف عادة، وتشير هذه الإحصائية إلى أن المنطقة الشرقية هي الأعلى في معدلات الانتحار بالدرجة الأولى، والدرجة الثانية الرياض.
وعن الجانب الروحي قال سماحته: قد يواجه إنسان صعوبات جسيمة كالأمراض، أو الخسائر المالية, فيتحمل هذه الصعوبات ويتقبلها، ويتعايش معها، ويواجهها ويتغلب عليها؟، وآخر ينهار أمامها، ويفكر في الانتحار، بل ويقدم على الانتحار والتخلص من الحياة، هنا يأتي دور الجانب الروحي، وهنا نفهم قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ﴾، فالإنسان المؤمن بالله تعالى المتصل به الذي يؤمن بوجود الله وعظمته وقدرته ورحمته، لا يفكر في الانتحار، وإنما قلبه يكون عامراً بالأمل والرضا، ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾، حينما يواجه الإنسان هذه الأمواج المتلاطمة في بحر الحياة من المشاكل المختلفة ينقذه أن يعمر قلبه بالاطمئنان والسكينة، ينقل السيد حسن القزويني وهو إمام مركز اسلامي في ولاية ميشيغن ديترويت يقول: التقيت مع سيدة أمريكية مثقفة دخلت إلى الإسلام بعد أن واجهت أمواجاً من المشاكل والقلق والاضطراب النفسي، وذلك بسبب فقرة واحدة من دعاء الصباح لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب : (إلهي قرعت باب رحمتك بيد رجائي)، حينما تأملت في هذه الفقرة التفتت إلى رحمة الله الواسعة، وتفكرت في هذه الفقرة فنقلتها إلى عالم جديد، إلى شاطئ الأمان والقوة الروحية.
وعن الإفراط والتفريط قال سماحته: كل شيء في الحياة إذا تجاوز حد الاعتدال، زاد أو نقص، يسبب خللا في حياة الإنسان، وكما أن الطعام والشراب زيادته ونقصه يسبب الخلل، كذلك البرامج الروحية، فالإنسان يحتاج إلى أدوات ووسائل لتذكيره بالله، وبعظمته، هذه الحقيقة الكبرى لا ينبغي ان تبقَ مجرد عقيدة، أو نظرية، وإنما ينبغي أن يكون لها حضور على مستوى المشاعر والأحاسيس، لذلك يحتاج الإنسان إلى برامج روحية تذكره بالله، مثل الصلاة والدعاء وقراءة القرآن والصوم، هذه البرامج الروحية هي نوافذ الإنسان على عالم المثل، وآفاق المعنويات.
وأضاف: نحن بحمد الله في مدرسة أهل البيت لدينا ثراء كبير وكنوز روحية كبيرة، لكن في بعض الأحيان لسبب أو لآخر تكون هناك مبالغة في البرامج الروحية، المبالغة التي حذرنا منها الله تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ﴾، الغلو في الدين مثل النقص فيه، بل الزيادة في الدين اخطر كما هو مفاد النصوص، وكما يحكم به العقل، لأن النقص تقصير من الإنسان بينما الزيادة افتراء على الله، وليس لدينا نقص في البرامج الروحية، لذا يجب محاربة كل برامج روحية مزيفة تنسب إلى هذه المدرسة، كالأوراق التي يطلب من قارئها كتابتها وتوزيعها، أو بعض رسائل الجوال.
فيوم يذكر أحد قراء الدعاء أن المسجد تبكي جدرانه مع الداعين لوجود رطوبة عليها، ويوم هناك شجرة تنزف دمًا، ويوم آخر يبنى ضريح كأضرحة كربلاء فيتبرك به الناس، هذه خرافات، وهذه الأطياف والأحلام، ولا يصح لنا أن نشيع مثل هذه الأمور، ذكر العلامة المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار موضوع رؤيا الأنبياء ورؤيا الأئمة في المنام فقال: إذا كان فرعون قد ادعى في اليقظة فقال أنا ربكم الأعلى، فهل يستبعد على إبليس أن يدعي في المنام أنه النبي، أو أنه الإمام، ثم يضيف ولذلك نرى أن الناس على اختلاف مذاهبهم يتحدثون عن منامات عندهم، الشيعي يقول أنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وإلى جانبه علي ابن أبي طالب وقال لي رسول الله كذا وكذا، وغيرهم يقولون إنا رأينا رسول الله وإلى جانبه فلان وفلان، وقال كذا وكذا، والبوذي أيضا والهندوسي والمسيحي، فهل الدين بالأحلام؟ هذه ليست عقيدتنا هذه زيادات وأساطير، لا ينبغي لنا أن نصغي لها، علينا أن نُقبل على البرامج الأصيلة كتلاوة القرآن، وقراءة الأدعية، هذه الكنوز الرائعة العظيمة، والحضور في صلاة الجماعة.
وفي الزاوية الثالثة قال الشيخ الصفار: كل إنسان في حاجة إلى مراقبة النفس، لأن الشيطان دائما وأبدا يتربص به، ويبحث عن الفرص، لكن المنتمين للجانب الديني كالعلماء والخطباء والشباب الذين يعملون في الأنشطة الدينية هم على خطر أكبر، إذ هم أشد حاجة من بقية الناس لمراقبة النفس، ولنا في سيرة رسول الله وآله الطاهرين من مجاهدتهم لأنفسهم وأدعيتهم خير مثال، وفيه درس لنا.
وأضاف: الناشطون دينيا واجتماعيا يجب أن يراقبوا أنفسهم، وحينما نقرأ سيرة سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين ، نقرأ حركة إلهية، ما كانت تتمحور حول الجانب السياسي كحركات السياسيين فقط، إن ثورة الإمام الحسين كما هي الرسالات الإلهية، وهو وارث الأنبياء، نجد مرفأ روحيا واسعا، نرى الإمام الحسين يشدد في كل حركة من حركاته على حضور الهدف الإلهي لهذه الحركة، (ألا ومن كان باذلا فينا مهجته موطنا على لقاء الله نفسه) ولو قرآنا أدعية أبي عبد الله الحسين كدعائه يوم عرفة لوجدنا مثل هذه المضامين: (اللهم اجعلني أخشاك كأني أراك وأسعدني بتقواك، ولا تشقني بمعصيتك، وخر لي في قضائك، وبارك لي في قدرك، حتى لا أحب تعجيل ما أخرت، ولا تأخير ما عجلت)، وفي ليلة عاشوراء بات الحسين وأصحابه ، لهم دوي كدوي النحل، ما بين راكع وساجد، وقائم وقاعد، هذا الحضور الإلهي، وهذه الروحية الإلهية الموجودة في نفوسهم هي التي صنعت ملحمة الصمود والثبات يوم عاشوراء.