الشيخ الصفّار في ثالث ليالي عاشوراء: الحسين رسم منهج التغيير أمام الأجيال
تحت عنوان: «الحسين والمبادرة للتغيير» تحدث سماحة الشيخ حسن الصفّار ـ حفظه الله ـ في ثالث ليالي عاشوراء عن أهمية امتلاك روحية المبادرة والتطلع نحو التقدم، حيث استهله بتناول أهمية تطلّع الإنسان فردًا ومجموعاتٍ نحو الأفضل، داعيًا إلى رفض ثقافة الركود والقبول بالراهن، مثمّنًا الجهود والمبادرات الاجتماعية التي تنمّي المجتمع وتدفعه نحو الأمام داعيًا إلى القيام بالعديد منها، حيث يجب أن يكون الحديث عن التطلّع نحو الأفضل دافعًا للعمل ومحفزًا له، عادًّا الثورة الحسينية نموذجًا متقدّمًا للمبادرات التاريخية التي انعطفت بمسيرة المجتمع الإسلامي.
وقد انطلق في معالجة هذه النقاط في محاور ثلاثة:
إذ بيّن فيه أن سمة الإنسان السوي هو التطلّع نحو الأمام، محبةً لذاته وحصولاً على أكبر قدر من المكاسب، مستفيدًا مما وهبه الله من نعمة العقل، التي استطاع بها أن يطوّر من أنماطه الحياتية، بخلاف بقية المخلوقات التي بقت على نمطها الحياتي ذاته دون أي تغيير. وبعد بيان هذه النقطة، انتقل للحديث عن تفاوت المجتمعات في تعزيز هذه الناحية بين أفراده، إذ تنمو وتظهر في بعضها، بينما تخفت في بعضها الآخر، مرجعًا ذلك إلى ما تثيره بعض الثقافات عند الإنسان من جمود وقبول بالراهن، بخلاف المجتمعات المتقدّمة، حيث تنمو عندهم روح التطلّع للتقدّم، وذلك من خلال روحية تقوم على أمرين، هما:
1- أن الأفق يكون مفتوحًا لفتوحات علمية وعملية جديدة، وهو الأمر الذي ساعد على ظهور الكثير من الابتكارات والاكتشافات العلمية الجديدة.
2- معالجة نقاط الضعف من خلال عملية نقد الواقع القائم المستمرّة والدائمة في تلك المجتمعات، وهو الأمر الذي ساعدهم على تخطي الكثير من العقبات، بخلاف ما نعيشه من واقع في مجتمعاتنا النامية، حيث غالبًا ما تكون الثقافة العامة هو تحسين صورة الواقع، وعدم القبول بحالة النقد للواقع القائم، سواءً في واقعنا السياسي أو الاقتصادي أو الديني.
منتقدًا سماحته التذرّع ببعض النصوص الدينية، حيث أورد العديد مما يدعو الإنسان إلى التطلع نحو الأمام ونقد الواقع، منها قوله تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾[1] ، وما ورد كتوجيه إلى رسول الله : ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾[2] ، ومنها الحديثين: «كونوا نقّاد الكلام» أو: «احثوا التراب في وجوه المداحين»، مبينًا أن ما تشير إليه بعض المرويات مما قد يفهم بأنه يدعو الإنسان إلى التواكل والرضا بواقعه هو فهم خطأ لهذه المرويات، حيث تدعو هذه النصوص الإنسان إلى ألاّ يعيش العقدة مما قد يتعرّض له من مصائب وابتلاءات، داعيًا إلى تجاوز الإنسان واقعه إلى ما هو أفضل، فلعله هو ما قسمه الله له.
وفي المحور الثاني دعا الشيخ الصفار إلى تجاوز حالة الأمنيات في التغيير والسعي من أجل تحقيقها، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّى﴾[3] ، حيث تستنكر الآية على الإنسان أن يكتفي بالأمنيات، إذ أشار إلى أن المبدأ القرآني يوجّه الإنسان إلى أهمية السعي نحو التغيير، وذلك في الآية القرآنية الكريمة: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى﴾[4] ، مذكرًا بالمقولة المروية عن الإمام علي : «كَلامُكُمْ يُوهِي الصُّمَّ الصِّلابَ، وفِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمُ الأعْدَاءَ، تَقُولُونَ فِي الْمَجَالِسِ كَيْتَ وكَيْتَ، فَإِذَا جَدّ الجدّ قُلْتُمْ: حِيدِي حَيَادِ»، داعيًا في هذا المحور إلى نشر ثقافة المبادرة بالعمل، وترك ثقافة التواكل وترامي المسؤولية من كل طرف على الآخر، فذلك لا يغير من الواقع شيئًا، وما يغير واقعنا هو القيام بمبادرات عملية لتخطّي ما نعانيه من مشكلات وأزمات مستمرّة، مهما كلّف ذلك من مشاق وعقبات، فهذا الطريق لا يكون معبدًا في الغالب، ضاربًا المثل بقوم موسى ، و﴿قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾.
المجتمعات الفاعلة هي المجتمعات التي تكثر وتتعدّد فيها المبادرات، وبخاصّة في هذا العصر المتعدّد الأبعاد والاتجاهات، حيث تحتاج المجتمعات لمواكبته في جميع الأبعاد والاتجاهات والأنشطة، وهو الأمر الذي يستدعي وجود العديد من مؤسسات المجتمع المدني، ضاربًا المثل بالمجتمع اليهودي الذي ـ مع قلته ـ وصل إلى إنشاء دولة ومراكز قوى في جميع مراكز القرار في العالم، مع وضوح بطلان ظلمه للمجتمع والشعب الفلسطيني.
وفي هذا المحور يلفت الشيخ الصفار إلى أن الآية الكريمة: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾[5] الخطاب فيها إلى المجموع وليس إلى الأفراد، فكأنما الآية تشير إلى أن التغيير الاجتماعي لن يتحقق ما لم يغير المجتمع من طبائعه وعاداته، حيث دعا سماحته ـ انطلاقًا من الآية ـ إلى تغيير بعض السلوكيات الاجتماعية، وذلك في اتجاهات ثلاثة، هي:
• أن يكون السلوك العام في اتجاه التغيير والتقدّم والتطلع نحو الأفضل.
• امتلاك النفوس للقدرة على التعاون الجماعي نحو مساعي الخير والرقيّ بالمجتمع.
• تقدير الناشطين اجتماعيًّا، مهما اختلفنا معهم فكريًّا وعمليًّا، وتوجيه النقد إليهم بطريقة حضارية وبنّاءة.
ممثلاً بالحالة اليهودية في تعاونها على الباطل، فعندما بدأت السلطات الإسرائيلية بإقامة جدار الفصل العنصري، عملت الجمعيات اليهودية في أمريكا على بثّ إعلانات تليفزيونية بمعدل 50 إعلاناً في اليوم، وذلك لتوجيه الرأي العام الأمريكي نحو قبول هذه الخطوة التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية.
وداعيًا إلى تمثّل الروحية الإيجابية في مثل التجارب، وبخاصّة في مثل هذه الأيام التي نعيش فيها ذكرى ثورة الإمام الحسين ، الذي امتلك زمام المبادرة، ورفض المبايعة ليزيد بن معاوية، الذي كان جميع المسلمين يعلمون بعدم أهليته للخلافة، ولكن المجتمع الإسلامي في ذلك الوقت لم يكن بوارد رفض الواقع، فكان خانعًا مستسلمًا، وهي الحال التي يصفها الإمام الحسين في مقولته: «ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله، فإني لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برمًا».