الشيخ الصفار في الليلة الخامسة من ليالي عاشوراء يوجّه الجمهور إلى أهمية كسب السمعة الحسنة للفرد والمجتمع
في مجلسه العاشورائي أكّد سماحة الشيخ حسن الصفّار في الليلة الخامسة أهمية اكتساب الإنسان ـ فردًا ومجموعات ـ للسمعة الحسنة، إذ أشار بدءًا إلى أن الإنسان بفطرته يأنس بالسمعة الحسنة، سواءً كان فردًا أو مجتمعًا، مشيرًا إلى ما يكسبه الإنسان من راحة نفسية ومنافع مما حوله إذا كان ذا سمعة حسنة، ومعدّدًا لأهم مقوّمات السمعة الحسنة، إذ استعرض ثلاثة منها، لينتهي بالحديث عن أهمية كسب الرأي العام وفق الرؤية الإسلامية، مستشهدًا بالأحداث التاريخية، ومنها ما ورد في السيرة الحسينية، حيث بذل الإمام الحسين جهده لتوجيه وكسب رأي مناوئيه، فكان الحرّ بن يزيد نموذجًا مهمًّا في تحوله من معسكر يزيد إلى معسكر الإمام الحسين .
وقد تناول الشيخ حديثه في محاور ثلاثة:
حيث بدأه بالحديث عن معنى السمعة الحسنة، التي عرّفها بأنها: «الانطباعات الطيبة والحديث الجميل عن الإنسان فردًا أو مجتمعاً لدى الآخرين»، وبخلافها السمعة السيئة، حيث تعني: الانطباعات السيئة عن الإنسان فردًا أو مجموعًا لدى الآخرين، ليتساءل سماحته بعدها عن أهمية السمعة الحسنة وهل الإنسان يهمه أن يمدحه الآخرون أم لا؟
إذ يجيب بأن وجدان الإنسان يدرك قيمة وأهمية السمعة الحسنة، وذلك لأسباب منها: الراحة النفسية التي تتملّك الإنسان وترفع من معنوياته، فالإنسان بطبعه عندما يعيش في وسط يكون فيه مقدّرًا ومحترمًا وصاحب سمعة طيبة ويمتدح على أفعاله، غالبًا ما يتشجّع للمزيد من العطاء والعيش براحة وطمأنينة، مؤصّلاً هذه النقطة بما يورده الفقهاء في باب التجارة، حيث يذكرون أن من المكروهات مبايعة الأدنين، وهم الذين لا يبالون بما يقولون للآخرين أو بما يقوله عنهم الآخرون، حيث يعدّ هؤلاء من شواذّ الناس غير الأسوياء.
كما أن للسمعة الحسنة أثرها الخارجي، فحياة الإنسان ترتبط بالآخرين ما دام يعيش وسط مجتمعه الذي ينتمي إليه، إذ الإنسان صاحب السمعة الحسنة يمكنه تسيير أمور حياته والوصول إلى مقاصده بيسر وسهولة، ويقبل عليه الناس بصورة أكثر، وهذا أمر ملحوظ، فعندما تسيطر على مجتمعٍ مّا سمعة سيئة، يتعثّر أفراده في تعاملاتهم مع الآخرين في الجامعة أو في العمل أو في سائر المعاملات مع بقية المجتمعات، سواءً كانت هذه السمعة عن حقٍّ أو باطل. وهذه النقطة تمتدّ إلى انتماء الإنسان المذهبي والديني أو الفكري، حيث المجتمع ذو السمعة الحسنة غالبًا ما يقبل الآخرون على أفكاره ويعطي انطباعًا حسنًا عن معتقده وتوجهه الفكري، ضاربًا المثل بتجربة المقاومة اللبنانية في جنوب لبنان التي أعطت انطباعًا نموذجيًا للمجتمع الصامد والمتكافل والمخلص لمبدئه عندما تصدت لعدوان الكيان الصهيوني خلال أكثر من ربع قرن.
مستشهدًا بالتجربة النبوية الهادية في هذه النقطة، حيث أشار إلى اهتمام أنبياء الله بالذكر الحسن في سير دعوتهم، مستخلصًا ذلك من الآيات القرآنية، وذلك كما في قصة نبي الله إبراهيم الذي أورد القرآن على لسانه دعاءه: ﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ﴾[1] ، حيث المراد ﺑ (لسان صدق) هو الذكر الحسن والسمعة الطيبة، وفي آية أخرى تتحدث عن نعم الله على أنبيائه، حيث يقول تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾[2] ، كما أن الله عندما يعدد نعمه على نبيه محمد يقول: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾[3] ، حيث عدّت الآية الكريمة رفع الذكر من نعم الله الكبيرة على نبيه ، وفي الاتجاه الآخر أشار الشيخ الصفار إلى أن من القيم الدينية رفع الإنسان موارد الشبهة عن نفسه، كما ورد في الحديث: «رحم الله امرئًا جبَّ الغيبة عن نفسه»، وكما هو وارد في فتاوى فقهاء المسلمين، حيث يذكرون في علم الفقه عنوان: (منافيات المروءة)، التي تعني الأفعال التي تنال من سمعة الإنسان في مجتمعه، حيث يعدها البعض مخلّة بالعدالة، ممثِّلاً بما إذا لبس أحد من عامّة الناس لباس العلماء أو لبس فقيه لباس العسكريين، حيث يعد الناس ذلك مخلاًّ بالمروءة ومنافيًا لها.
في هذا المحور تناول سماحة الشيخ مقوّمات ثلاثة، استهلها بالحديث عن أهمية الاهتمام بالواقع المشرق والحسن للإنسان الفرد والمجتمع، معلّلاً ذلك بأن «الناس عقولهم في عيونهم»، إذ يحكم الناس على بعضهم البعض من خلال السلوك الظاهر، ذلك أن هذا السلوك هو انعكاس للواقع الذي يعيشه الإنسان والمجتمع، فذلك مصداق لما ورد عن الإمام علي من أن «لسان الحال أبلغ من لسان المقال»، ولما ورد عن الإمام الصادق من قوله: «كونوا دعاةً لنا بغير ألسنتكم»، أي بسمعتكم الطيبة. ولنجاح هذا الواقع المشرق اشترط سماحته أن يرافقه الخطاب الحسن، فطيب الحديث شرط مهم لقبول الإنسان ضمن محيطه، مستشهدًا في ذلك بالعديد من النصوص الشريفة، كقوله تعالى: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ﴾[4] ، وكقوله: ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾[5] . وبالإضافة إلى طيب الحديث يوجه سماحته إلى أهمية الإحسان إلى الآخرين، ذلك أن الإحسان يكسب الودّ بين الناس والسمعة الحسنة لدى الأطراف الأخرى.
في هذا العصر الذي نعيشه تتنافس القوى العالمية على كسب الرأي العام، وهي معركة تدار على مستوى العالم كله وفي شتى المجالات السياسية والثقافية وغيرهما، منتقدًا اهتمام بعض المجتمعات بشأنها الداخلي فقط دون رعاية كسبها للرأي العام المحيط به، متهمًا هذه المجتمعات بالعجز والفشل والانعزالية، داعيًا إلى الاستفادة من تجارب القوى المتجبرة في هذا الاتجاه، حيث تصرف الولايات المتحدة الأمريكية المليارات لتحسين صورتها أمام الرأي العام العالمي، وكذلك تفعل ربيبتها إسرائيل، مع ما يقومون به من ظلم وطغيان وانتهاك للقيم الإنسانية، فالإنسان لا يستطيع إيصال صوته وتحقيق أمنياته ما لم يكسب الرأي المحيط الوطني والإقليمي، منتقدًا بعض الأصوات التي تظهر بين الفينة والأخرى مطالبة بعدم السعي وراء كسب ودّ ورأي الطرف الآخر الوطني والإسلامي بحجة عدم الجدوى والفائدة، متناسين أن وجود تعبئة مذهبية من قبل كل طرف تجاه الآخر هي معركة مستمرّة وممتدّة، ويصعب تجاوزها إلا بمبادرات متواصلة ومن قبل جميع الأطراف وتعزيزها واحتضانها عند كل طرف.
بعدها انتقل سماحة الشيخ حسن إلى الحديث عن الأسباب التي قد تكون وراء تقصيرنا في القيام بكسب الرأي العام، حيث أرجع ذلك إلى سببين، أولهما: عدم الاهتمام بهذا الجانب، إذ غالبًا ما ننشغل بقضايانا الداخلية عن الاهتمام بالآخرين وأوساطهم أو الانفتاح عليهم، والسبب الآخر: عدم وجود رصد ميداني لهذا الأمر، إذ لا توجد مؤسسات أو تجمعات تهتم برصد الرأي العام، مستشهدًا في هذه النقطة بالسيرة النبوية للنبي الأكرم ، حيث أشار إلى أن النبي كان يترك عقاب أو تعزير بعض المنافقين، خشيةً منه أن يثار هذا الأمر ضده، فيقال بأن «محمدًا يقتل أصحابه»، بالرغم من ما كان يمارسه المنافقون من تخريب وتفكيك داخل المجتمع الإسلامي، وفي العصر الحديث يستشهد الشيخ بما أفتى به العلماء المسلمون في الهند من عدم ذبح البقر في عيد الأضحى في المناطق التي يتعايش فيها المسلمون مع الهندوس هناك، رعاية لشعور الهندوس، وحفاظًا على العيش المشترك.
وفي هذه النقطة ركّز سماحته على الدور الذي يجب أن تقوم به الفضائيات، إذ حمّلها المسؤولية في تحسين صورة الطائفة وعرض فكرها بأسلوب حسن، وأن يكون لها دور في كسب الرأي العام لصالح قضايانا، فهي وسيلة فاعلة في هذا العصر، مستعرضًا لبعض التجارب التي قام بها البعض بدعوة الآخرين إلى حضور مجالس التعزية العاشورائية في العامين المنصرمين، مما كان له أثر طيب وانطباع حسن عن المنطقة ومجالسها العاشورائية، إذ كتب بعضهم عن هذه التجربة بصورة إيجابية.
خاتمًا الحديث بالاستشهاد بالسيرة الحسينية فيما يرتبط بكسب السمعة الحسنة واهتمام الإمام الحسين بالرأي العام، حتى في أصعب اللحظات، إذ أشار إلى المحاولات التي قام بها الإمام الحسين لمخاطبة جمهور جيش يزيد، مما أثّر تاليًا في تحوّل مجموعة من جيش يزيد إلى جيش الإمام الحسين، كان على رأسهم الشهيد الحرّ بن يزيد الرياحي .