الشيخ الصفار يدعو لجعل منظومة حقوق الإنسان جزءًا من فقهنا الديني والاستفادة من الفرص المتاحة
دعا سماحة الشيخ حسن الصفار إلى ضرورة تبيئة حقوق الإنسان محليًّا عبر نشر ثقافة حقوق الإنسان على مختلف المستويات لتعريف الناس بحقوقهم، موضحًا أن هذه الثقافة غائبة في مجتمعاتنا، مطالبًا بوجود حراك اجتماعي للمطالبة بالحقوق عبر القنوات المتاحة والمتعددة، دافعًا بالناس للتحلي بالشجاعة للدفاع عن حقوقهم وكرامتهم بأنفسهم، مضيفًا أن الأمر يحتاج إلى تضحيات ومبادرات، محفزا أبناء المجتمع لدراسة القانون والمحاماة والاستفادة من الهيئات الحقوقية المحلية.
جاء ذلك في محاضرته والتي عنونها بـ «حقوق الإنسان بين المحلية والعالمية» في الليلة السادسة من محرم في مجلس المبارك في القطيف والتي بدأها بالآية الكريمة: ﴿لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾ [سورة النساء، الآية: 148]، وتناول المحاضرة ثلاثة محاور:
أوضح سماحته مكانة الإنسان وموقعيته عند الله سبحانه وتعالى بعد أن خلق هذا الكون،أراد له أن يكون سيداً، فزوده بإمكانات وقدرات تمكنه من تسخير الكون، والاستفادة من ثروات الحياة، حيث منحه عقلًا وإرادة وجسمًا قويمًا، موضحًا أن طبيعة وجوده لهذه الغاية والمكانة أن تكون له حقوق طبيعية تستوجبها طبيعة تلك المهمة.
مستدلًا بالعديد من الآيات القرآنية التي تبرز تلك المكانة و الموقعية: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾[سورة الإسراء، الآية:70]، ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾[سورة التين، الآية: 4]، ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾[سورة التغابن، الآية: 3]، ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾[سورة البقرة، الآية: 30]، ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ﴾[سورة الحجر، الآيتان: 29-30]، ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ﴾[سورة لقمان، الآية: 20].
أراد الله للإنسان في هذه الحياة أن يعيش حرا، عزيزا، كريما، له مكانته وكرامته، ليس لأحد أي منة عليه بهذه الحقوق، كونها هبة ومنحة إلهية، مضيفًا أن الناس في هذه الحياة يأتون متساوين في كرامتهم وحريتهم وحقوقهم،وتكاد تكون قدراتهم وإمكاناتهم متساوية،﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾[سورة الحجرات، الآية: 13]. ملفتًا أن بعض البشر يوظفون قدراتهم وإمكاناتهم لظلم الآخرين. وهو ما لم يرده الله، مبينًا أن الهدف من إرسال الرسل والأنبياء، وإنزال الشرائع والأديان، إقرار بحقوق الإنسان وحمايته من الانتهاكات والظلم، مشيرًا أن تلك الشرائع والأديان جاءت لكي تحرر الإنسان من الخضوع لأي أحد وتحفزه لرفض الظلم عن نفسه والدفاع عن حقوقه وكرامته: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾[سورة الحديد، الآية: 25].
وأشار في حديثه إلى أن السكوت على الظلم يغري ويكرس حالة الظلم والعدوان من قبل الآخرين، دافعا بالناس لعدم السكوت والقبول بالظلم، ﴿لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾ [سورة النساء، الآية: 148]، ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ﴾[سورة الشورى، الآية: 39]، «ما ضاع حق خلفه مطالب»، وفي الدعاء: «واجْعَلْ لِي يَداً عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي، ولِسَاناً عَلَى مَنْ خَاصَمَنِي، وظَفَراً بِمَنْ عَانَدَنِي، وهَبْ لِي مَكْراً عَلَى مَنْ كَايَدَنِي، وقُدْرَةً عَلَى مَنِ اضْطَهَدَنِي»[1] .
وعن هذا المحور تحدث عن معاناة الإنسان طوال مسيرة حياته من الظلم والعدوان على حقوقه، وهو ما دفع بالإنسان للنضال والدفاع من أجل الوصول إلى حقوقه المشروعة ، موضحًا بعض حالات الظلم التي عانى الإنسان منها كالعبودية التي كان سببها الحروب وأعمال القراصنة ممثلاً بأعمال القرصنة الأوروبية أواسط القرن (15) ميلادي لأخذ الناس من أفريقيا إلى أمريكا الشمالية وأوروبا عبيدًا وأرقاء.
وبعد ثلاثة قرون جاء أبراهام لنكولن وأعلن تحرير الرقيق 1863م في أمريكا، وفي عام 1926م أعلنت عصبة الأمم المتحدة ملاحقة تجارة الرقيق، وفي عام 1948م أصدرت هيئة الأمم المتحدة إنهاء حالة الرق، وبهذا تخلصت البشرية من حالة الرقة وبيع العبيد.
وذكر أن البشرية عانت من حالة الاستعمار، فمنذ القرن (18)م من خلال قيام جماعات أوربية باستخدام القوة بالاستيلاء والسيطرة على دول يحتلونها، فصار هناك نضال إلى أن جاء قرار منح تقرير المصير من الأمم المتحدة عام 1960م، وفي عام 1961م تشكلت لجنة تابعة للأمم المتحدة لتصفية الاستعمار. ملفتًا إلى أن فلسطين لا تزال تعاني من الاحتلال الإسرائيلي، مشيرًا إلى أن البشرية دخلت في نضال ضد الاستبداد والاستغلال والظلم الداخلي في كل مجتمع، وهنا بدأت حالة النضال التي استمرت حوالي قرنين من الزمن أو أكثر.
فيما أوجز سماحته مسيرة النضال من أجل حقوق الإنسان منذ عام 1948 حين أصدرت الأمم المتحدة الإعلان عن حقوق الإنسان لحماية الحقوق المدنية والسياسية،وهو يشكل الجيل الأول، وفي عام 1966 أعلن الجيل الثاني من حقوق الإنسان الاتفاقيات الدولية لحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والفكرية، في عام 1993م صدر الجيل الثالث من الاتفاقيات وتعنى حق التنمية، والآن يناقش الجيل الرابع وهو الديمقراطية والمشاركة الشعبية. بالإضافة إلى وجود الهيئات والمحاكم الدولية في مجال حقوق الإنسان والدفاع عن كرامته.
ويلحظ حالة الازدواجية التي تمارسها الدول الغربية بشأن حقوق الإنسان، ففي داخلها تهتم بحقوق الإنسان، فيما تمارس أبشع الانتهاكات لحقوق الإنسان تجاه الشعوب الأخرى، وتحمي أنظمة الاستبداد وتتبنى الكيان الصهيوني.
مؤكدًا على أن حقوق الإنسان قطعت شوطا على المستوى العالمي، من خلال ما حققته من إنجازات كبيرة لا يمكننا أن نتجاهلها على المستوى النظري والتشريعي، وعلى مستوى الهيئات الحقوقية والرقابة على مختلف الدول، وإن كنا نلحظ الازدواجية.
أوضح الشيخ الصفار أن التقارير والدراسات الصادرة عن الهيئات الحقوقية الدولية لمحاربة الانتهاكات الحقوقية، تشير إلى أن الدول العربية والإسلامية في مقدمة الدول المنتهكة لحقوق الإنسان.
وتساءل: كيف نكون بيئة محلية في العالم العربي والإسلامي تلتزم بحقوق الإنسان؟ لماذا هذه الممانعة تجاه التزام حقوق الإنسان في مجتمعاتنا؟
محملًا المجتمع مسؤولية تحفيز أبنائه لدراسة القانون والمحاماة، داعيًا أن تكون هناك مبادرات وجهود للمطالبة بالحقوق ورفع الظلم، مبينًا أن الشعوب التي تتمتع بحقوقها كان بسبب نضالها وتحركها. مشيرًا أن البعض يريد إدانة لمن انتهك حقوق الإنسان دون أن يتحمل مسؤوليته ودوره تجاه حقوقه.
ودعا إلى أننا بحاجة إلى نشر ثقافة حقوق الإنسان، ليس على المستوى الرسمي ـ فقط ـ بل على المستوى الاجتماعي، مبينًا أن أغلب المشاكل الأسرية نابعة من ضعف وعي الناس بحقوقهم وواجباتهم، ملفتًا إلى أن دراسة صدرت عن الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان تبين أن 94 % من أبناء المملكة لا يعرفون أنظمة حقوق الإنسان والحقوق التي لهم.
وقال إن معرفة الفرد بالأنظمة والقوانين ترفع من معنوياته. مضيفًا أنه ينبغي أن تكون منظومة حقوق الإنسان جزءً من فقهنا الديني.
وذكر أن جمعية اكتفاء النسائية بجدة، قامت بدراسة 16حيًّا في جدة، اكتشفت أن 600 أسرة فقيرة لا يعرفون وجود ضمان اجتماعي يشملهم.
ونوَّه إلى أهمية وجود شريحة من المحامين والمستشارين القانونين، موضحًا أنه ليس كل إنسان يمكن أن يدافع عن نفسه. متسائلًا لماذا لا يوجد في مجتمعنا محامون قانونيون، مع إقرار نظام المحاماة في بلدنا؟
ودعا في محاضرته المجتمع إلى التفاعل والتعاون مع الهيئات والمؤسسات الحقوقية في البلاد وأن نستفيد من الفرص المتاحة لرفع الشكاوي للجهات الحقوقية، حيث أنشئت جمعية حقوق الإنسان 2004م، وفي عام 2005م تأسست الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، وفي عام 2006 م دخلت المملكة في عضوية مجلس حقوق الإنسان.
وأبان أن هناك من يستغل موقعه الوظيفي للإساءة للآخرين، مختتمًا حديثه بقوله: على الناس أن يتحلوا بالشجاعة والجرأة في الدفاع عن حقوقهم ومطالبهم، وأن يتحمل كل فرد مسؤوليته من أجل الوصول لحقوقه ومتابعتها، وخاصة في هذه الأيام التي نحتفي بذكرى شهادة الإمام الحسين الذي امتلك زمام المبادرة في الدفاع عن حقوق الناس وكرامتهم، في مقولته: «كونوا أحرارًا في دنياكم»، «لم أخرج أشرًا ولا بطرًا وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي».