الشيخ الصفار: طبيعة التحديات تحفز الإنسان لتفجير طاقاته وقدراته
قال سماحة الشيخ حسن الصفار إن المشكلات والتحديات في طبيعتها تحفز الإنسان لتفجير طاقاته وصقل شخصيته لإعمار هذه الحياة وحتى ينال استحقاق هذا المسار في الدار الآخرة.
فيما دعا نخب المجتمع المثقفة إلى تحمل مسؤوليتهم في صناعة الرؤية بما يرتبط بالتحديات والمتغيرات، والمساهمة في إنماء المجتمع. موضحا أن المسافات تقلصت بين العالم وغير العالم والمفكر مع غير المفكر، مبينا أنه بإمكان الإنسان العادي أن يعطي رأيا صائبا يحتاجه المجتمع، دافعا بالناس إلى التحلي بالثقافة الإيجابية والفاعلية واستثارة الإرادة وعدم تبني ثقافة الأمنيات في معالجة المشكلات.
جاء ذلك في محاضرته في الليلة الحادية عشرة من محرم 1430هـ بمجلس المبارك بالقطيف والتي بدأها بالآية الكريمة: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾.
وقال الشيخ الصفار: إن المشكلات هي من طبيعة الحياة، وخلق الله الإنسان فيها لكي يبتلى ويمتحن، فالحياة خلقت كساحة ابتلاء وامتحان، والآيات القرآنية تؤكد هذه الحقيقة في أكثر من مورد، قال الله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾، ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾, ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ﴾.
ملفتاً إلى أن طبيعة الحياة تقتضي وجود المشكلات والتحديات، حتى يتحقق معنى الامتحان والابتلاء، والله زود الإنسان بطاقات وقدرات، وهي لا تظهر ولا تبرز إلا بمواجهة التحديات والمشكلات، وبدونها تبقى هذه الطاقات كامنة في نفس الإنسان.
وزاد ان شعور الإنسان بالحاجة هو الذي يدفعه كي يفكر ويتحرك، "الحاجة أم الاختراع"، مبيناً أن أساس هذه الحقيقة قائم على التربية السليمة والمنهج التعليمي الأفضل.
مشيرا إلى أن التنشئة القائمة على حالة الدلال لا تنتج إلا أناساً مترفين، ينهارون أمام أبسط المشكلات والتحديات في هذه الحياة.
وأوضح أن المنهج التعليمي الأمثل القائم على التحفيز والإثارة يدفع الإنسان إلى الإبداع، ممثلا بالمجتمعات المتقدمة والمتطورة في مجال التعليم ؛ حيث تعتمد أساليبها التعليمية على استفزاز الفكر واستثارة الذهن، فيما أوضح أن مجتمعاتنا تفتقد لهذه الأساليب في مناهجها التعليمية، مبينا أن طبيعة المنهج التعليمي في مجتمعاتنا قائمة على أساس التلقين والحفظ من خلال معلومات مقولبة وجاهزة، مشيرا إلى أن الطالب في مجتمعنا يتخرج موظفا لا مخترعا أو مكتشفا أو مبدعا.
وأكد أن البحث يوصل إلى حل المشاكل كما في الحديث: "إن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهلة إلا السأم وهو الموت"، وعن الإمام علي : "لكل علة دواء".
موضحا أن على الإنسان أن لا ييأس في مواجهة المشكلات وعليه أن يتجاوز المشكلة التي يعيش فيها من خلال الالتفاف حول المشكلة،وبذل جهد نفسي وعقلي للخروج من المشكلة، وأن تكون هناك نظرة أفقية مستشهداً بالآية: ﴿وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾، ﴿وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ﴾.
وفي ذات السياق تابع الشيخ الصفار بقوله: كان في الماضي ينظر إلى فئة المعاقين وكأنهم عالة على المجتمع والحياة، لا يستطيعون أن يقدموا شيئا لمجتمعهم ولغيرهم، لكن الواقع الحاضر يكشف عكس ذلك من خلال ما تقدمه هذه الفئة من عطاءات للمجتمع والبشرية على مختلف المجالات، مستشهدا بأحد أكبر العلماء البارزين في مجال الفيزياء العالم (أستيفن هوكينغ) الذي أصيب بالشلل وعدم القدرة على الكلام منذ العشرينيات من حياته، حيث قال الأطباء: أنه لن يعيش إلا سنتين والآن عمره (67) سنة. وهو يحظى بمكانة علمية كبيرة مع وجود هذه الإعاقة.
وشدد سماحته أن على الفرد في المجتمع أن يتحمل المسؤولية تجاه مجتمعه في مواجهة المشكلات،داعيا كل فرد من أفراد المجتمع أن يكون جزءا من مؤسسة أهلية أو اجتماعية تعالج مجالا من المجالات، منتقدا حالة التقاعس في اجترار المشكلة والتواكل على الأخر في حلها وانتظار الفرج في مواجهتها دون عطاء أو تضحية من البعض: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾. وفي الحديث، أنه أتى إلى الإمام الصادق رجل، فقال: "يا ابن رسول الله، ادع الله أن يرزقني، قال لا أدعو لك اذهب واشتغل".
وفي ختام محاضرته أكد على ضرورة أن تكون هناك ثقافة إيجابية لما لها من دور كبير في حياة الفرد والمجتمع وهي التي تعطي الإنسان الأمل والتفاعل مع المشكلات وتأخذ به إلى المسار الصحيح وأن كانت النتائج مؤجلة من خلال رؤية مستقبلية، مستلهما من ثورة أبي عبد الله الحسين درساً وأنموذجا على هذا الصعيد، فبالمعايير المادية والنظرة الضيقة فشلت ثورة الإمام الحسين وانتهت بمقتله ومقتل أصحابه، لكن بالنظر على المدى البعيد والأفق الاستراتيجي، فإن ثورته حققت نجاحا لم تحققه أي ثورة إنسانية أخرى في التاريخ. كان الإمام الحسين على علم بأنه سيقتل لكنه كان ينظر بعين الله وبنظرة بصيرة.