إخوتنا شيعة السعودية

المجتمعات الخلاقة هي تلك التي تتنوع ثقافياً واجتماعياً بحيث لا تصبح ذات طابع واحد لا يختلف فيه الأفراد مهما كانت صغر رقعة الوطن الذي يضمهم، وكل محاولات التنميط ما هي إلا نوع من تحجيم هذا الثراء الثقافي الذي تتمتع به المجتمعات المتنوعة خلافاً للمجتمعات ذات النمط الواحد تلك التي تسعى إلى التنميطية، ليأتي دور الوطن ويصبح هو الصاهر العام لهذا التنوع تحت مظلة مصلحة الجميع من خلال رؤية تعايشية بين أفراد المجتمع المختلفين مع الحفاظ على هذا التنوع والثراء الإثني والثقافي والديني.

وتتنوع المجتمعات الإسلامية بحسب تنوع الجغرافيا التضاريسية أو الجغرافيا البشرية، واتساع دائرة الإسلام جعلت منه قابلاً للتشكل وفق المتغيرات الزمانية والمكانية مما جعله يستوعب الكثير من المجتمعات التي لم ينشأ فيها من الأصل، وتبتعد عن موقع المركز الإسلامي مما جعل الإسلام في ثراء ثقافي يستطيع أبناء الإسلام من خلالها تبني رؤية تسامحية ومتعايشة مع الاختلافات الثقافية بين بعضهم البعض فيما لو أرادوا حقيقة ذلك، كما فعلت بعض المجتمعات الأخرى لاسيما الشرقية منها، فمجتمعات الشرق استغلت هذه النقطة جيداً، واستطاعت من خلال هذا الثراء أن تصنع أرضية مشتركة يمكن الوقوف عليها، وهذا الثراء جعلها تستطيع التعايش مع العصر بكل هوياته المتعددة، واختلافاتها المتناثرة من هنا وهناك، مما يقلص حجم الهوية بينها وبين المجتمعات المتقدمة، ولعل أزمة الهوية قاصرة جداً بحكم إمكانية التعايش، في حين يبقى أبناء الإسلام في أزمة متوالدة لا على المستوى الفكري فقط وإنما على كافة المستويات نظراً لحجم المسافة الواقعة بين قيم الذات وقيم الآخر على كل ما يحمله الإسلام كـ"هوية" عامة من ثراء ثقافي.

فلاسفة الاختلاف: (دريدا.. دولوز.. فوكو.. لوتار..ريكور) وغيرهم يطرحون مفهوم الهويات المتعددة والذات والآخر باعتبارها أهم ما يمكن أن يقوض مركزية الحداثة الغربية حين نفت الآخر، في حين تبقى هذه الهويات المتعددة في العالم العربي والإسلامي كأهم الأسباب التي تقود إلى عدم تماسك المجتمعات الإسلامية وتسامحها وتعايشها وصعودها قطار التقدم والتحضر لتصبح هذه الهويات نقمة بدل أن تكون نعمة، مما يعني أنها أحد أشكال ما قبل الحداثة في حين المجتمعات المتقدمة تتحدث عما بعد الحداثة، بعد أن أنجزت مشروعها الحداثي، وهو المشروع الأكثر قيمة في تلك المجتمعات على كل النقد الموجه لها من قبل فلاسفتها مابعد الحداثيين.

المجتمع السعودي ككل المجتمعات العربية والإسلامية، يحمل في طياته ثراء الاختلاف والتعددية، فمكوناته الثقافية متعددة حتى وإن كان من النظرة الأولى يوحي بالنمطية أو الاتجاه الواحد، لا على المستوى المناطق فحسب، وإنما حتى على المستوى الثقافي والمذهبي، وإخوتنا من المذهب الشيعي أحد أهم المكونات الثقافية الثرية التي يمكن أن نقف وإياهم على مشتركات كثيرة فضلا عن الغنى الثقافي الذي يمكن أن يكون من خلال التلاحم والتعايش الاجتماعي خاصة أنها يكادون يتوزعون جغرافيا على مناطق مهمة في الخارطة السعودية فمن المنطقة الشرقية من المملكة خاصة في القطيف والأحساء وغيرهما، إلى الحجاز وخصوصا في المدينة المنورة، إلى الجنوب وخاصة في نجران وربما في غيرها، يتوزع إخوتنا الشيعة ليكونوا بناءً فكرياً وثقافياً مختلفاً، وليس مخالفاً، للمذهب السائد مما يمكن أن يمنحنا كمواطنين ثراءً ثقافياً يضاف إلى الثراء المناطقي أو المذهبي الآخر كالصوفية في الحجاز مثلا فضلاً عن الحركة الأدبية والثقافية والفنية التي يتمتع بها أبناء الإخوة الشيعة في المنطقة الشرقية، ما يجعلها جديرة بالبحث السوسيوثقافي.

إضافة إلى كل ذلك؛ فإن الإخوة شيعة السعودية، وعند غالبيتهم، يحملون حس المواطنة تجاه هذا البلد، وهذه الدولة، وقد ضربوا أجمل الأمثلة في الحس الوطني لديهم في أحداث حرب السعودية مع الحوثيين في جنوب البلاد، إذ خرج الشيخ حسن الصفار وهو من أهم الشخصيات الدينية لدى شيعة السعودية ليعلن وقوفه إلى جانب السعودية علما أن الحوثيين ينتمون إلى المذهب الشيعي، كما قام مثقفان بارزان هما الأستاذ نجيب الخنيزي والدكتور توفيق السيف بمثل ما قام به الشيخ حسن الصفار، وليعلنا وقوفهما إلى جانب السعودية. كما ضرب شبابهم أمثلة أخرى من المواطنة والعمل الإنساني في تطوع عدد من أبناء القطيف لمساعدة المنكوبين في كارثة سيول جدة قبل أسابيع. وفي جانب آخر قام البعض منهم بزيارات متبادلة مع عدد من مسؤولي الدولة أو زيارات متبادلة مع عدد من المشايخ المعروفين كنوع من التلاحم الديني والاجتماعي مابين المذهب السني والشيعي، فالاختلاف هنا يمكن اعتباره اختلافاً خلاقاً يعمل في الصالح العام لأبناء الوطن الواحد، وهنا تكمن المواطنة الحقة حينما تنزاح الرؤية الفئوية ليبقى الوطن وأبناؤه تحت مظلة واحدة مع الحفاظ على القيم المختلفة بين هؤلاء وهؤلاء.

الإخوة شيعة السعودية هم في حقيقتهم من أبناء هذا الوطن، وتاريخهم يتلاحم مع تاريخ الأرض والناس، وعملوا لصالح هذا الوطن كما عمل غيرهم، وعلينا أن نعمل لهم كما علموا لنا، فالمواطنة تكمن في عدم التفريق بين أبناء الوطن الواحد مهما كانت نوعية الاختلاف الثقافي سواء على مستوى الحقوق أو على مستوى الواجبات على اعتبار أن الدين لله والوطن للجميع.

الجمعة 15 محرم 1431 ـ 1 يناير 2010 العدد 3381