في محاضرة بعنوان «التأسيس للتسامح الديني» بديوان الكاظمي

الصفار: الانشغال بالجدل المذهبي مدخل للفتن والتمزق والصراعات

جريدة الدار الكويتية سليمان ثابت - تصوير: عباس مكحل

• لو عدنا إلى القرآن الكريم لوجدنا فيه الهداية والبصيرة
• التعددية الدينية أمر قائم إلى يوم القيامة
• من يفكر أنه يستطيع اكتساح الآخرين بدينه ومذهبه.. فهو واهم
• علينا أن ندعو بالحكمة والموعظة الحسنة وبلا تشنج

أشار سماحة الشيخ حسن الصفار الى ان كثيرا من الدينيين ينظرون للاختلاف في القضية الدينية بين اتباع الديانات والمذاهب نظرة سطحية ساذجة، وقال خلال كلمة ألقاها مساء أمس الاول بعنوان «التأسيس للتسامح الديني» في ديوان زيد الكاظمي: كل صاحب دين ومذهب يعتقد ان معتقده هو الحق وان ما عاداه باطل، الى هنا والامر مفهوم، لان الانسان لو لم يكن يعتقد ان دينه هو الحق لما اعتنقه، وان لم يكن معتقدا ان مذهبه هو الحق لما التزم به، مضيفا: انه من الطبيعي ان كل انسان يلتزم بالدين او المذهب الذي يعتقده، لكن السذاجة والسطحية تكمن في أمر آخر هو النظر الى الاخرين بصورة اخرى، فالبعض يتعجب من اتباع الاديان والمذاهب الأخرى، ويتساءل كيف يلتزمون بأديانهم ومذاهبهم وهي باطلة وفاسدة؟ بل وينظر الى ما هو ابعد لماذا لا يأخذون بديني وبمذهبي؟

وأوضح الصفار ان تلك النظرة، نظرة ساذجة، فالآخرون أيضا يمكنهم ان يقولوا نفس الكلام تجاهك. وتابع: من يعتنق ما نراه انها من اسخف الديانات واسخف المذاهب، هو نفسه يرى انها افضل الديانات والمذاهب، القرآن الكريم حينما تقرأ آياته يحاول السعي من أجل ان يتسلح المؤمن بنظرة موضوعية وواقعية للآخرين.

المسلم يؤمن بالاسلام انه الدين الحق، وان غير الاسلام غير مقبول عند الله، لكن كيف ينظر للآخرين ويتعامل معهم ممن يعتنقون الديانات والمذاهب الاخرى؟ هنا تتجلى واقعية الرؤية القرآنية، فالقرآن يبلغنا ان الناس في اعتناقهم لأديانهم ومذاهبهم لا ينطلقون من منطلق الدليل والبرهان، انما هناك عوامل أخرى.

عائلي مجتمعي

ولفت الصفار الى ان قرار العقيدة والدين ليس قرارا فرديا وشخصيا، كما هو الواجب عقلا، وقال: ان الامر الواقعي غير ذلك، فالعقيدة عند أغلب الناس ليست قرارا شخصيا فرديا انما قرار عائلي مجتمعي، ويتبين ذلك من خلال ملاحظة ان الدين نشأة عائلية كما ان الطفل يكتسب لغته وعاداته وانماط حياته من الاسرة، كذلك يتشرب عقيدة اسرته ويأخذ دين ومعتقد اسرته، وهذا هو تفسير استمرار الاديان والمذاهب. قد يحدث ان البعض يبحث عن الحق والحقيقة بعد الكبر، وقد يهتدي الى الحقيقة الا ان الغالب يأخذ الدين نشأة عالية، والقرآن الكريم ينقل عن الامم السابقة حينما ينقل الانبياء والرسل برسالات الهدى الالهي قالوا: «انا وجدنا آباءنا على امة، وانا على اثارهم مقتدون» وقد يكون هذا هو لسان الحال.

واضاف قائلا: ان الانسان يأتي للحياة وهو صفحة بيضاء بينما العائلة تطبع الصفحة وفق حالتها ومسيرتها، ففي مجتمعنا الشيعي نفتخر بأن نقول «لا عذب الله امي انها شربت حب الوصي وغذتني اللبن وكان لي والد يهوى أبا حسن فصرت من ذي وذا أهوى أبا حسن»، كاشفا انه في بعض الاحيان تمارس العائلة القمع على الابناء لو ارادوا تغيير معتقداتهم.

رموز وزعامات

وقال الصفار انه بالاضافة الى ذلك لابد وان نعلم ان البنية الاجتماعية محض ديني لان الانسان يعيش وفق مجتمع يريد ان يتكيف معه ويسايره، ولا يريد ان يكون منبوذا او مختلفا عنه، كما ان المرء يفتح عينيه في مجتمعه على رموز وكبار الشخصيات، ولا يعتقد ان تلك الزعامات والقيادات تأخذه الى باطل. فالحالة العامة وجود مجتمع يؤثر على الانسان، ففي كل مجتمع مراكز قوة وهذه المراكز تعتبر نفسها هي الحامي لدين المجتمع، وقد لا يكون الحاكم مهتما بالدين انما يفعل ذلك ليكرس شرعيته، فالسلطة السياسية في كل مجتمع تدفع باتجاه الدين السائد في المجتمع، كما ان المؤسسة الدينية داخل المجتمع تدافع عن المعتقد الموجود في المجتمع، وبالتالي تحدث أجواء البنية الاجتماعية التي يعيشها الانسان ويرى نفسه منسجما ومتكيفا معها.

مصالح شخصية

واضاف: المصالح في بعض الاحيان يكون لها دور، فالانسان قد يعرف الحقيقة الا ان اتباعها يتضارب معه ومصلحته فيضرب عن الحقيقة لئلا تتضارب مصالحه.

وشدد الصفار على انه لابد على الانسان ان يأخذ في عين الاعتبار كل هذه الامور وهو ينظر لمن يختلف معه في الدين او المذهب، وعليه الا يتكلف في التعامل معه والا يتشبث ضده.

واستطرد الصفار: قائلا: نحن نعيش في مجتمعاتنا الاسلامية في حالة من الانشغال بالجدل المذهبي، وأصبح مدخلا للفتن والتمزق والصراعات، والفضائيات متخصصة في ذلك، ومواقع الانترنت والمجالس، ولو عدنا الى القرآن الكريم لرأينا فيه الهداية والبصيرة.

وطالب الصفار بالواقعية في التعامل مع الاخرين، وقال: ايها الانسان المسلم المؤمن انت متمسك بدينك وعقيدتك لكن عليك ان تكون انسانيا وواقعيا في التعامل مع الاخرين المختلفين معك، مشيرا الى ان التعددية الدينية امر قائم الى يوم القيامة، وان الديانات لا تعتمد ولا تتمحور حول موضوع الحق والباطل، فلو كانت مسألة منطق ودليل وبرهان هل هناك من هو أفضل بيانا وفصاحة والزاما بالحجة من نبينا محمد يحمل الحق الصريح معه، وهو مؤيد بالمعجزات من قبل الله وعنده القدرة على البيان والافصاح والتوضيح، لكن مع ذلك هل تغير كل اليهود في عصره؟ هل أسلم كل النصارى في عهده؟ هل أقبل اليه كل المشركين؟ وهذا لا يعد تقصيرا من رسول الله .

وقال الصفار: من يفكر انه يستطيع ان يكتسح بدينه أو بمذهبه الاخرين يعيش في وهم. وذلك لا يعني ان لا ندعو الى ديننا ومعتقدنا الصحيح، علينا ان ندعو لكن بموضوعية ولباقة في الطرح والدعوة بلا تشنج، بالحكمة والموعظة الحسنة، وان لم تكن قادرا على ذلك فلا تدعو.

الهدف السامي

وروى الصفار عن الامام الصادق قائلا: سأل ابو بصير الامام جعفر الصادق أدعو الناس الى ما في يدي؟ فأجاب الامام الصادق لا، فرد ابو بصير وان استرشدني أحد قال الامام ان استرشدك احد فارشده وان استزادك فزده وان جاحدك فجاحده. هذه الروايات والاحاديث ونصوص كثيرة تدل على ان الانسان لا ينبغي ان يدعو الى مذهبه وعقيدته دائما وابدا، فالامام راى انه في حالة حماس واندفاع وتكلف في الطرح. وفي رواية اخرى عن الامام الصادق يقول: لا تخاصموا الناس في دينكم.

وفي السيرة النبوية كان يوم أحد ووقت صلاة المسيحيين وكانوا آتين من نجران، فقالوا يا رسول الله هذا وقت صلاتنا وعبادتنا، فأعطاهم رسول الله طرفاً من المسجد ليؤدوا عبادتهم.

وذكر الصفار ان هذا يعني انه علينا ان نتعقل وان نخرج من حالة الحماس والاشتعال، الحماس الذي يشعل اجواء الفتنة في كل مكان ويشغلنا عن قضايانا الاساسية، والتحديات التي نواجهها وتهدد مستقبلنا وديننا ووجودنا بالخطر، ونحن ننشغل في النزاعات والصراعات. والسؤال هنا ماذا انتجت هذه الصراعات والتوجهات التكفيرية؟ والاحتراق الاهلي؟ اننا نقول ان هناك من ينطلق بهدف الانتصار للذات والتفاخر، مع ان المجادلة لابد وان تكون من اجل هدف سام.

وأضاف الصفار: الدعوة يجب ان تكون كما امر الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والقرآن الكريم يؤكد لنا ان مسألة العقيدة والدين مسألة حرية ورأي شخصي، ولا اكراه في الدين. والله سبحانه وتعالى لم يأذن للانبياء ان يضغطوا على الناس. الله سبحانه وتعالى يمنع عن المسلم مناقشة الاخرين في الموضوع الديني الا اذا امتلك الاسلوب الافضل، «ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي احسن»، مشيرا الى ان الائمة كانوا يعيشون مع اتباع الديانات الاخرى في علاقات طبيعية، وقال: ان كان الائمة هكذا يتعاملون فما حدث فينا؟ وتحول حياتنا الى ساحة جدل ونقاش، وتساءل الصفار: من المستفيد من هذه الحالة التي نعيشها؟

وتابع: القرآن الكريم يوجهنا ويرشدنا الى ان نتعامل مع الاخرين تعاملا مناسبا وان نحترم الاخرين ونعترف بحقوقهم، وان اختلفوا معنا في الدين، وهذه الرؤية القرآنية نحن في أمس الحاجة الى نشرها والى بثها في اوساط مجتمعاتنا وبين ابناء امتنا حتى نتجاوز هذه التحديات التي نمر بها.