المستقبل المجهول

يتفق الناجحون في الحياة على أن من جملة أسباب نجاحهم في مشاريعهم التي تبنّوها بعد توفيق الله تتمثل في: الإرادة القوية، والتخطيط الجيد، والمتابعة الحثيثة، واستشارة أصحاب الاختصاص، واستغلال الوقت، ومقاومة التحديات، والتفاؤل بإيجابية النتائج المستقبلية.

في هذه المقالة سنسلط الضوء على أهمية التفاؤل لأي مشروع مستقبلي سنقدم عليه، كما ورد في الحديث (تفاءلوا بالخير تجدوه). فالنظرة الإيجابية لأي تحرك تمثل ركيزة أساسية في ترجمة الأهداف والطموحات على أرض الواقع بنجاح.

فمن تجربة عملية في لقاءاتنا الاجتماعية، نرى شريحة لا تثير إلا ما هو سلبي تجاه الموضوع المعروض للنقاش,فمن أمثلة ذلك عندما نتحدث عن أهمية التفاعل مع تجربة المجلس البلدي، تأتيك الإجابات السريعة أن لا فائدة من المجالس البلدية، إذ لم نشعر بأي إنجازات ملموسة. وعندما تحث طلبتك على أهمية الجد والاجتهاد تتلقى الردود سريعاً أن الخريج منا لن يحصل على وظيفة تلائم طموحاته. وعندما نقترح إعداد ورقة علمية تناقش موضوعاً تنموياً، تسمع من يكسر أجنحتك بأن لن يتفاعل معها أحد، ولن تضيف شيئا للمجتمع.

والسؤال المحير هل القرار البديل الذي سنتخذه في مثل حالاتنا السابقة هو الأفضل. بمعنى أن هل لو ابتعدنا عن أعضاء المجلس البلدي سنحقق نتائجاً أفضل من لو كنا قريبين منهم؟وهل لو كانت نتيجة تخرجنا من مؤسساتنا التعليمية بمعدلات مقبولة ستكون فرص قبولنا متساوية مع من حصل على معدلات التميز؟ وهل صحيح أن إخراج ورقة عمل بمشروع حضاري لا تضيف لنا أي معلومة مفيدة لمسيرة حياتنا.

في هذه الوقفة سأعرض لكم موقفا ذكرته لطلبتي الأسبوع الماضي عن أهمية توثيق تجربتهم التعليمية في كتاب ينشر بعد تخرجهم، وقد استشهدت لهم بما نقله لي أحد الفضلاء عن أهمية التوثيق والذي ذكر لي بأن أحد سائقي الأجرة كان يكتب تجارب وقصص زبائنه من الركاب حتى صدر له ذلك في كتاب منشور.

ثم خاطبت طلبتي قائلاً لهم بإمكانكم رسم خطة لكتابة نتاجكم الفكري الأول مع تخرجكم من الكلية، يستعرض فيه أهم الإنجازات المتحققة، وما بذل فيه من جد واجتهاد في سبيل الحصول على أرقى المعدلات العلمية، وكذلك يتم استعراض أهم النكات العلمية في المحاضرات، ومواقفه الطريفة، وفيه وفيه...

فجاءتني التعليقات السلبية من هنا وهناك ملخصها تقتل الطموح، وتفشل المشروع. لعل من أبرز تلك الملاحظات: من أنا حتى أكتب كتاباً، ثم من يقرأ ما أكتبه، وكذلك من يشتريه، ثم أن الكتاب يحتاج لتنسيق راق ويتطلب مقدمة جيدة وتقنية راقية في الإخراج وإلى مخصصات مالية وإلى وإلى...

فعلقت على ملاحظاتهم بأن أي عمل يقوم به الفرد يحتاج بداية لنجاحه إرادة قوية للدفع بالمشروع إلى الأمام، ونصيحة لك أخي الطالب ابتعد عن إثارة المعوقات والعراقيل التي تعيقك عن الإبداع، بل وتخلق لك الأعذار والمبررات التي تجعلك مكانك سر. ثم لنؤجل ذلك النقاش فيما نجمعه بأنه يناسب أو لا يناسب بعد بذلنا جهداً في المادة العلمية المقترحة.ثم ختمت حديثي بأن قلت لهم إن شاء الله بعد هذا الحديث سنرى مشروع نتاجكم الفكري قريبا، فبدأ الجميع ينظر لي نظرة ملخصها أن في أفواههم ماءاً يمنعهم عن التعليق.

موقف:

الشيخ حسن الصفار في كل نتاج فكري يصدر لي يهتم أن يكون من أوائل المتصلين ليهنئني على ذلك الإنجاز مع أنني لا أصنف نفسي إلا من الكتاب المبتدئين الذين يتعلمون على سبيل نجاة.وأكثر ما يعجبني في اتصال سماحته عباراته الحضارية التي ترفع المعنويات، وتدفعني لبذل المزيد من العطاء لخدمة الوطن والمجتمع.وكان حفظه الله يشكر لي تلك الاطروحات المتنوعة في اقتصاد الأسرة، وأن ذلك يمثل إضافة ثقافية في رصيد النخب الاجتماعية.وفي نهاية اتصاله يقدم جملة من المقترحات والأمنيات يشجعني خلالها على أن أهتم بالكتابة عنها مستقبلاً، ويختم حديثه بالدعاء لي بالتوفيق والشكر على الإهداء. في آخر لقاء به أهديته كتابي الأخير والذي يحمل عنوان من تجربتي بالمجلس البلدي، وكنت قد سلّمته الكتاب يداً بيد وهي المرة الوحيدة الذي أهديه الكتاب مباشرة، فقلت في نفسي سوف أخسر اتصال الشيخ هذه المرة، ولكنه سرعان ما وصل إلى بلده وشرع في قراءة كتابي، واتصل بي يشكرني على الاهتمام بالتوثيق، كما ثمن مبادرة الكتابة عن المجلس البلدي ومن أحد كوادره، ثم ختم ذلك بموقف سائق الأجرة.