مجلس العلامة الصفار: خطاب متكامل وتأسيس إصلاحي

لمطلع السنة الهجرية ونهايتها  أثر بالغ في وعي المسلمين،حيث هناك إرهاصات مهمة تثير دفائن الوجدان الإسلامي بقوة وعمق، حيث معطى الزمن في مصداق التاريخ يعتبر معاملاً تربوياً ومحركاً أساسياً للواقع الإسلامي نحو مبدأ التطلع والتغيير وتجاوز الضمور والخلل العميق...

فمن فريضة الحج بذي الحجة المحركة للعقل الوحدوي و روحية اللقاء، وعبورا  يمرفأ الإمامة  إلى غاية اللحوق بآفاق محرم الحرام، ينهل المسلم المسؤول من عبق الأنوار الإسلام الثقافة، بأشخاصه ووقائعه وشعائره وعبره وعبراته، هكذا عظمة الإسلام ليست معرفة جامدة  بل إسراء في دنيا الناس ومعراج في آفاق السلام والإيمان والتقوى...

لا يمكن للإنسان أن يرقى لوعي حقيقة الإسلام بلا معرفة ومراجعة وتمحيص لكل أبعاد شخصيته وبذات المعنى كل مجتمع من المجتمعات، حيث الإسلام مبدأ وغاية وحياة ورسالة خالدة عبر الزمان ولكل مكان، ولا ريب أن ثقافة الإسلام الصافية ليست سلعة نادرة ولا سهلة المنال، بل الله عز وجل جعل لها سننا تربط ملكوت النفس  الإنسانية بملكوت الكون، والثقافة سلعة بحاجة لعارض ماهر وعارف بكنهها وصادق في التعبير عنها وعيا وتجسيدا، هكذا الإسلام الثقافة سخر الله له أناساً قولهم وفعلهم واحد، حيث ركب العزيز الحكيم في نفوسهم قيمة التواضع، وبعقولهم الموضوعية العلمية، حتى صاروا أهل جد واجتهاد، فتعانق خطابهم بحراكهم، لتوليد طاقة وعي في آفاق مجتمعهم، ثم شع نور إنجازاتهم ليملأ الآفاق.

الإسلام الثقافة ينبعث بفقه ولغة وخطاب وحركة خاصة جدا، لأنها رسالة لا حدود لها وعظمتها الذاتية لا تعرف إلا بتجلياتها في واقع الناس وعلاقاتهم الاجتماعية...

العديد من ومضات هذه الثقافة، استوحيتها من خلال المجلس الثقافي الاجتماعي لأحد العلماء والمثقفين ممن عرفته في أروقة  ثقافة الإسلام وتواصلنا في جنان العمل الثقافي الإسلامي ولا نزال نتشاور بأخوتنا الإسلامية تجمعنا علاقة التلميذ بأستاذه حيث نسير بروح التطلع نحو الغد الإسلامي الحضاري المشرق، إنه أستاذي ولابد من العرفان أن الأستاذية معرفة وسلوك وبيداغوجية خاصة في التعامل مع التلميذ، نعم أستاذي رغم بعد المسافات،سماحة الشيخ حسن بن موسى الصفار، العالم الجليل من عرفته منذ  أكثر من عقد من الزمن، وجمع الله بيننا في رحاب إحياء ذكرى ميلاد لإحدى رموز الإباء والصمود والرسالية العالمة غير المعلمة الحوراء زينب المرأة العظيمة كما عبر عنها سماحته في أحد أروع مؤلفاته، حينها وأنا متوجه لسماحته بعينين تبرقان بدموع الفرحة ابتدأني بكلمة مستوحاة من أبيات لشاعر عربي: عشقتك الأذن قبل العين، فكانت وساما معلق بصدر شخصيتي ثقيل الحمل لأنه من عالم صالح عامل، وعلامة من أستاذي واجب علي حفظها في مدرسة الاستقامة بطاعة الله وحب أولياء الله...

أن تعرف إنسانا مصلحا ليس بالأمر السهل، ليس من حيث ظاهر هويته،و إنما في علاقتك به وسيرك معه، ودليل هذا أن أهل السلوك قالوا عن درب الإصلاح أن من مستلزماته الأساسية والرئيسية أستاذ عامل، ولذلك كان الولوج  في عالم الإصلاح والتغيير من المسائل الحساسة والمصيرية، إما الوعي والنجاح أو التيه والفشل، حيث أساس العلاقة بالأستاذ الصدق والجد والانفتاح على فكره وحركته والاحترام المسؤول بما يغني وعيك الإصلاحي...

لهذا كله، ومن خلال  قراءاتي ومتابعاتي لفكر وخطاب العلامة الصفار دام عزه، استلهمت تبلوراً لمدرسة إصلاحية جديدة مهمة ذات ركيزتين هما العلم والعمل، دون الاغتراب عن المبدأ الثقافي (الإسلام)، حيث تفتق المعنى الإنساني مع الوقت في نظام التفكير وتركز في لغة الخطاب وعطّر القلوب المعاتبة بعطر الحب الإسلامي من خلال سعي العلامة  الدؤوب لنفض الغبار عن مواطن اللقاء.

والأجمل في ميلاد هذه المدرسة أنها لم تتوقف عند شخص الشيخ حسن الصفار حفظه الله ورعاه، رغم أن سماحته مركز الثقل في هذه  الصورة من صور المعادلة الثقافية الاجتماعية للإصلاح الإسلامي، هناك جيل من النخبة (مثقفين وطلاب علوم دينية، إعلاميين، وحقوقيين وأعيان وغيرهم) من الرجال والنساء والشباب والشيوخ، لمست في تفاصيل حياتهم وحركتهم الثقافية روحية الإصلاح والعطاء والتضحية، فلا تسمع ثنائية القائد والمقود، بل هناك تمثّل للإسلام الثقافة كما نقرأ عنه في سيرة النبي والصحابة الكرام وأئمة أهل البيت وأصحابهم ، حيث من قوة  هذا العنوان الإصلاحي، أن العلامة الشيخ حسن الصفار، يؤمن بالحوار والشورى والنقد والعمل الجماعي والانفتاح إيمانا لا يشوبه خلل، بل هناك رياضة حركية بثقافة قرآنية نبوية إمامية صقلت شخصية العلامة وتلقفها المقربون من فكره وحركته حتى صارت طبعا من طباعهم ومنهجا في الإنجاز والإبداع والإصلاح والتقدم...

وبعبارة أدق هناك خصوصية في نادي أصدقاء العلامة الصفار، الكثير من نوادي المفكرين ودعاة الإصلاح يدعونها لكنها دعوى بلا واقع للأسف، إنها وحدة النادي المنفتحة من جهة على النادي المجتمع ليتشاور معها ومن جهة أخرى على الأمة لتعود لرشدها، هذه الخصوصية تعني خلق التناسق بين وحدة الداخل مع وحدة الخارج، نابعة من حقيقة أن الجزء من الكل وصحة الكل لا تتحقق إلا بصحة أجزائه وترابطها، فإدراك الوحدة والتعدد شكلتا وعيا مميزا لحركة الإصلاح...

لا أجزم أنني من خلال هذه السطور، استطعت أن أقرأ تجربة علم من أعلام الإصلاح الإسلامي في الزمن المعاصر ولا يمكنني القول بأنها مدرسة الصفار، رغم صدق هذا الادعاء، لكن واقع حال هذه المدرسة يجعلك تراجع حكمك لتقول: إنها صف في مدرسة الإسلام،  العلامة الصفار أستاذ هذا الصف ورواد مجلسه ومحاضراته وفكره هم التلاميذ، لكن الصف ملتزم بنسبة لا بأس بها وبدرجة عليا من النظام البيداغوجي والتربوي والسلوكي والثقافي والاجتماعي للمدرسة، وبالتالي قد نقول ذلك صف الشيخ حسن الصفار لكن لسان حال الصف مدرسة الإسلام، فالجامع هو الإسلام الرسالي...

يمكنني بعد هذا الطرح التحليلي أن أذكر مقاربة مهمة، دفعتني مؤخرا لكتابة هذه التقريرات البسيطة، حيث تابعت محاضرات عاشوراء لهذا العام 1431هـ وعدت لحاجة كانت في نفسي لمعاينة محاضرات العام الماضي 1430هـ فوجدت منهجا إصلاحيا، يبدو أنه تبلور تلقائيا أو انعكاسا في ظروف نفسية وزمانية يطلق عليها عملية التكامل بين الظرف الاستثنائي والظرف الإستراتيجي، حيث هناك ما يسمى بالاطراد النفسي في خطاب العلامة وكذا المتلقي، حيث بالنسبة للخطيب العلامة الصفار هناك إطراد نفسي  تلقائي لأن الفكرة يحياها ويعتقدها، بينما المتابع والمراقب للخطاب اطراد بوساطة يسمى التربية، هناك عملية تنحية يصنعها الخطاب لدى المستمع حيث يتخلى عن عدد من  الانعكاسات المنافية للنزعة الاجتماعية  الإصلاحية، ثم عملية الانتقاء التي تتحدد مع طرح العلامة الصفار لدعائم الحياة الاجتماعية وثقافة الإصلاح، وبالتالي أستاذية العلامة في الخطاب رسمت معالم منهج تكييف  الفرد المستمع والمتابع من خلال تنحية مثيرات الطابع البدائي ودفعه نحو الانتقاء والإحساس بمثيرات الطابع الأخلاقي والجمالي في الحياة الاجتماعية وهذا  هو المنهج الإسلامي في إصلاح ثقافة الفرد والمجتمع...

في الختام، وددت الإشارة إلى استكمال التصور بالقول أن المجلس الحسيني لابد أن يبقى الدرس التربوي ضمن المقرر السنوي لمنظومة الإسلام الثقافة، لكن تبقى مناهج الدرس في أبعادها الرمزية والواقعية بحاجة لإجتهاد يواكب التحديات المهددة للوعي والأمن الإستراتيجي للفرد والمجتمع في العالم الإسلامي، وفي هذا المجال وجدت منهج الدرس عند الشيخ الصفار قد انتقل من مرحلة التكوين والقوة إلى مرحلة الفعل والتأسيس، مما دفع  بالعديد من المراقبين لصف (المجلس الحسيني) العلامة الصفار للتعبير عن سرورهم بالانتقالية النوعية للأداء البيداغوجي في منهج الطرح هذه السنة، مما يوحي بتطور استراتيجي في أداء هذا الصف، كما يؤسس لحركة إصلاحية ثقافية متصاعدة ضمن إطار نظرية الإسلام الحضاري...

نسأل الله تعالى الموفقية والسؤدد لأستاذنا العلامة حسن الصفار دام عزه، كما نأمل أن يستفيد  الإخوة المفكرون والمثقفون وعلماء الدين عبر العالم الإسلامي من هذا الصف الإسلامي الثقافي الحركي والتعاون معه لأجل الأمة الواجدة  والله من وراء القصد...

باحث و كاتب إسلامي جزائري