الدعوة إلى إنشاء مؤسسة تعنى بإحياء تراث علماء البحرين
انطلاق أعمال مؤتمر «العلامة العصفور»: «الرسالة والموقف»
شهدت الجلسة الافتتاحية لمؤتمر العلامة الشيخ حسين آل عصفور: «الرسالة والموقف» الذي انطلقت أعماله صباح أمس (الأحد) بقاعة الدانة بقرية مقابة أطروحات متنوعة قدمت جوانب من السيرة العلمية لعلامة البحرين الشيخ حسين آل عصفور، فيما يتوقع أن تشهد جلسات المؤتمر على مدى اليوم وغدا المزيد من أوراق العمل والأبحاث في مجالات الفقه والعقائد والتاريخ للمحتفى به العلامة آل عصفور.
وبدأت فعاليات المؤتمر الذي ينظمه مجلس الحاج منصور آل عصفور وتولى العرافة فيها محمد حميد السلمان بكلمة الافتتاح وكلمة أسرة آل عصفور التي ألقاها بالنيابة عن فضيلة الشيخ أحمد بن خلف العصفور نجله الشيخ ناصر العصفور أشاد فيها بالعطاء العلمي للعلامة، مؤكدا أهمية إظهار تراثه العلمي، وخصوصا في بلادنا البحرين، مشيرا إلى أن التأخر والتسويف في إظهار هذا التراث العلمي قد حرم الكثيرين من طلاب المعرفة هذا العطاء وهذه خسارة كبيرة، ولايزال يراودنا الأمل في إنشاء مؤسسة قديرة لإحياء التراث في البحرين وإبرازه بالصورة اللائقة.
وقال العصفور: «إننا إذ نستذكر مجد قطب من هؤلاء الأفذاذ الكبار من تخرجت على يديه كوكبة من العلماء، وأسهم بمسيرته وعطائه الكبير في نصرة الدين وقضاياه ومن ترك لنا نتاجا علميا زاخرا من مؤلفات ورسائل في مختلف المجالات العلمية والفكرية تدل على ما أحاط به من سعة علم فذة، وهو فقيهنا الكبير علامة البحرين الشيخ حسين آل عصفور، فإننا نستذكر منارا شاخصا وعلما ظاهرا في دنيا الإسلام والعلم، وما سطره العلماء الكبار من ثناء وإجلال وإكبار في حقه كاشفا عن هذه المكانة والمقام الرفيع، وإننا في الواقع حينما نستذكر مآثره ونحتفي بمثله فذلك لمسيس حاجتنا للتزود من علومه والاستضاءة من عطائه وحياته والاستفادة من علمه وفكره وصبره وتفانيه في الحق ونصرة الشريعة والدين، واستكشاف جوانب حياته الوضاءة وما خلفه لنا وللأجيال».
وتقدم بالشكر إلى مجلس الحاج منصور العصفور لتنظيم المؤتمر، وللحضور الكرام والعلماء والباحثين والمشاركين على تشريفهم ومشاركتهم في هذا المؤتمر.
وبعد أن استهل فضيلة الشيخ محمد محسن العصفور كلمة مجلس الحاج منصور العصفور بقراءة الفاتحة على روح المرحومين الحاج منصور والحاج عبدالقاهر العصفور، وصف المؤتمر بأنه لقاء نطل من خلاله على أكثر من نافذة، وكلها تستحق الإطلال عليها والوقوف معها وقوف تأمل وتذكر وإحياء واستفادة لما لهذه النوافذ من فوائد ماضيا وحاضرا ومستقبلا، ومن تلك النوافذ، النافذة الوطنية التي تكشف أن هذه البلاد تمتلك من الطاقات البشرية الكثير، وما عالمنا العلامة الشيخ حسين آل عصفور إلا واحدا من عشرات بل مئات العلماء الذين عاشوا على هذه التربة فهي وطن كبير بعلمائه.
وزاد قوله: «لنجعلها ذكرى لأن الذكرى تنفع المؤمنين، أما النافذة الثانية فهي تكريم العلم والعلماء فهم الأولى بالتكريم والاحتفاء، كما أن هذا المؤتمر يجلي هذه الشخصية العلمائية الرفيعة، ويكشف عمق مدرسة أهل البيت وأتباعها في البحرين وما كانوا يمتلكون من قدم ثابت».
وفي معرض تأكيده حاجة البلد إلى مضاعفة النهضة التي تحتاج إلى ركائز، وصف الشيخ عيسى قاسم أن أكبر الركائز الالتفات إلى التاريخ الأصيل المشع، وأن العلامة الفقيه المجاهد الشيخ حسين العصفور معلم من معالم هذا الطريق، موضحا أن الحركة الدينية تبقى في إطارها العام وعلى مر الأيام في حاجة إلى الارتكان إلى أصل متين يقود بعزم راسخ إلى جهة الله عز وجل عبر القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وعلى هذا الطريق رموز وعلامات ومنارات أولها رسول الله ثم المعصومين من بعده ويأتي تلوهم الفقهاء العدول الأخيار، الذين عاشوا أيامهم من أجلنا وبذلوا مهجهم في سبيلنا ولم يجدوا لذة أفضل من العمل الدؤوب لله ورفعة دينه ومنهم العلامة الكبير الذي نحتفل اليوم في هذا المؤتمر باسمه.
وقال الشيخ قاسم عن العلامة آل عصفور: «أحسبه كبيرا في إيمانه وجهاده، وأن هذا البلد يحتاج إلى مضاعفة النهضة والنهضة تحتاج إلى ركائز، ومن أكبر الركائز الالتفات إلى التاريخ الأصيل المشع والعلامة الفقيه المجاهد الشيخ حسين العصفور معلم من معالم هذا الطريق».
استهل الشيخ علي الكوراني كلمته في الافتتاح بالإشارة بصورة مختصرة إلى تاريخ أسرة آل عصفور ونسبها، فقال: «قرأت النسب صعودا يمر في سلسلة من بني عبدالقيس، وهذا الجانب لا يدعمه دليل علمي، بل أرى أن نسبهم يعود إلى بني عامر بن صعصعة، وهي أسرة منّ الله عليها بأن خلصها من السياسة وجعلها متخصصة في العلم وفي الإيمان، فتحولت إلى أسرة علمية».
وتطرّق إلى بحثه في أسباب تقليد العلامة الشيخ حسين بين أهل البحرين من الإخباريين الذي يرون أصل التمسك بالنص القرآني ونص الخبر دون عمه الشيخ يوسف صاحب «الحدائق»، مؤكدا أننا بحاجة إلى أصالة التمسك بالنص وكلنا إخباريون بحاجة إلى العقلانية المعتدلة، وكذلك أصوليون في حاجة للاعتقاد بمنهج أهل البيت ، قائلا: «الشيخ يوسف صاحب الحدائق في اعتقادي، كان أفقه من الشيخ حسين وتعبيره الفقهي أسلس، وعبارة كتاب (الحدائق) أسلس من عبارة كتاب (تكملة الحدائق)، لكن الفرق بينهما أن الشيخ حسين عنده فقه فتوائي أوسع لحاجات الناس»، مقترحا في ختام كلمته تأسيس رابطة لآل العصفور تتولى شئون الأسرة من مختلف المجالات.
واستطرد في الحديث عن العوامل الأخرى التي قدمت العلامة آل عصفور كمقلد، وهو أنه عايش أهل البيت معايشة واسعة مفصلة وانعكست في كتبه، فالشيخ يوسف يعيش نفس المعايشة والمخامرة لولاية أهل البيت في مناسباتهم لكنه لم يعكسها في كتبه، وهنا نلاحظ الناحية الشمولية الموسوعية لدى الشيخ حسين أكثر منها في عمه الشيخ يوسف، وكتبه حين تقرأها تجد 94 مؤلفا في الفقه الاستدلالي والفقه الفتوائي، في العقائد، في التفسير، في السيرة، في الحديث في العرفان وفي مقامات الأئمة، وفي الأدب.
وفيما يتعلق بالاحتفاء بذكرى عالم كبير لايزال موجودا، قال الشيخ حسن الصفار القطيفي: إن هناك من الأثرياء والتجار وأصحاب الثروة، غاب ذكرهم»، مشيرا في هذا الصدد إلى المرحوم الحاج منصور العصفور الذي أدرك حقيقية أن يخدم الدين، فأقام مجلسه لخدمة العلماء، ذلك أن تاريخ مدرسة أهل البيت في الخليج والجزيرة العربية يتمتع بحراك علمي معرفي نشط امتد منذ بداية العهد الإسلامي.
ودعا الصفار إلى الانتباه إلى خطورة غزو السلوكيات الفاسدة المنحرفة، والحاجة إلى فكر وثقافة في الإصلاح والتربية الاجتماعية، أما فقه التعايش، فهذه المنطقة فيها تنوع في المذاهب والمدارس المذهبية والفقهية، وقد عاش أبناؤها منسجمين متآلفين فيما بينهم لكننا في هذا العصر، وبسبب وجود توجهات تعصبية متطرفة متشددة لا تتحمل وجود رأي آخر أو مذهب آخر، فإن هذه الآراء التعصبية أشاعت أجواء من الكراهية والبغضاء في أوساط الناس، وامتلكت قدرات مالية لبث عداوتها ولزرع مؤسساتها، وأيضا منطقتنا مستهدفة سياسيا لما فيها من ثروات وأمكانات، ولذلك فمن صالح الدول ذات الأطماع ألا يكون هناك استقرار ومطلوب منا أن نحمي حالة التعايش بين الناس وألا ننجر ولا ننزلق للخلافات الطائفية وأن آثارها البشعة في العراق وفي باكستان وفي مناطق متعددة حيث حصل الاعتداء على مقدسات ومساجد وعتبات مقدسة ومراسم واغتيال لشخصيات وتفجيرات مما يعرفه الجميع، ونريد أن نحمي مجتمعنا من أن تتسلل إليه هذه الأخطار وهذا يحتاج إلى جهد مشترك من كل الأطراف ومن أتباع كل المذاهب وهذا لا يعني أن يتنازل أحد عن شيء من خصوصياته المذهبية فهي ليست قابلة للمساومة لأنها قضية تعبدية بين الإنسان وربه، وما نتحدث عنه هو الاحترام المتبادل وحفظ الحقوق المتبادلة بين كل الأطراف والكف عن الإساءة وألا يسيء أحد لشعائر ورموز ومقدرات الطرف الآخر، واليوم نواجه آراء متشددة لا تحب أن ترى الناس في حالة انسجام».