دعاة التعايش والتقريب في وطننا.. الشيخ الصفار أنموذجاً

من الواضح أن الحلقة التي جمعت الشيخ الصفار بالشيخ البريك في قناة الدليل ضمن برنامجها " البيان التالي" الذي يديره الأستاذ عبد العزيز قاسم، لم تسير وفق ما اتفق عليه قبل بدء البرنامج في قضية هي من أكبر القضايا الوطنية حساسية، لما لها اثر على السلم الاجتماعي والاستقرار الأمني والسياسي في وطننا.

لا مناص من أن قضية التعايش السلمي، وضرورة التقارب بين السنة والشيعة في وطننا، على أساس حقيقة " الوطن للجميع بلا تمييز " كما أعلن خادم الحرمين الشريفين وأكد عليه في كلمته بمجلس الشورى، وذلك كله كان المحور الرئيسي المسطر للحلقة، إلا أن البعد بها عن مسارها الطبيعي، وإدخالها في حسابات أخرى، ودهاليز ضيقة، خصوصا مداخلة كل من الشيخ القرني والدكتور السعيدي التي اتسمت بالحدية وعدم الالتزام بجوهر الموضوع.

وبحسب العنوان المعنون لهذه الحلقة " الوطن للجميع"، يظهر لنا كجمهور متابع ومترقب لهذا اللقاء، أنه لن يكون كنظيراته من اللقاءات في البرامج التلفزيونية الأخرى، وذلك بشهادة صاحبه، حين قال قبل اللقاء عن حلقته: "سيلتقي فيها الشيخ حسن الصفار والشيخ سعد البريك وجها لوجه، في حلقة أتوقع أن تكون الأسخن على الإطلاق بسبب موضوعها الذي عنون له بـ «الوطن للجميع»"، إلا أن هذا اللقاء لم يفارق في طريقة إدارته ومنهجيته حلقات البرامج الجدالية السلبية الأخرى، ناهيك عن هيستريا الانغماس والانشغال بالموضوعات التاريخية المذهبية والسجالات الطائفية التي تثير الفتن وتسيء لرموز وشخصيات يحترمها الآخر.

للأسف لقد حاول الشيخ البراك في كثير من المواقف الخروج عن الموضوع الجوهري الذي ترتكز عليه أساسا الحلقة، بالحديث والانشغال بالمواضيع الحساسة والمشبعة بالهوس التاريخي كما في كثير من البرامج الأخرى، مثل قضايا تحريف القرآن وسب الصحابة والتشكيك في ولاء الشيعة لأوطانهم والتبشير الشيعي في بلاد السٌّنّة، وهذه سامفونيا طائفية، اعتاد السنة سماعها قبل الشيعة، وهو أمر لم ينته ولن ينتهي - في تصوري- إذا أحجرنا عن عقولنا سماحة الإسلام وقيمه، وإذا لم نزل عن قبعة تفكيرنا تلك الصورة القاتمة الراسخة في جذور تراثنا الديني والثقافي، وننهي كل أشكال وأسباب التوترات المذهبية والطائفية، بالعمل على تعزيز مفهوم المواطنة وإرساء ثقافة العيش المشترك، والبعد عن كل ما يعكر صفو العلاقات بين مكونات مجتمعنا السعودي.

ومما لا شك فيه أن ذلك لن يتحقق إلا من خلال مبادرات جادة من كل الأطراف المشتركة في الوطن والمواطنة، تؤسس للقاء بين الطوائف تحت سقف الوطن للجميع وبلغة الوطن الجامعة لا المشتتة، الأمر الذي حاول الشيخ الصفار التأكيد عليه في الحلقة بقوله أنه:" لم يأتِ سوى للحديث عن التعايش والمواطنة".

والجدير بالإشارة أن ما قاله الشيخ الصفار ليس تسليما لما ذهب إليه الشيخ البراك أو هروبا مما أدلى به الشيخان السعيدي والقرني من مسائل مشوشة ومستهلكة في العديد من البرامج واللقاءات الأخرى، وسبق للشيخ وغيره من الشيعة الرد عليها،بل كانت من حكمة الشيخ الصفار وحنكته، أنه ركز في عدم ترك هذا اللقاء، يشكل آثاراً سلبية على كل الجهود الرامية في التقارب والتواصل بين مختلف المكونات المذهبية في المجتمع السعودي، بخاصة لو أردنا استحضار جهوده الساعية إلى تقوية اللحمة الوطنية وتقريب المسافات بين الفرقاء التي نجدها في خطاباته المتعددة ومؤلفاته المتنوعة وفي علاقاته المختلفة مع أبناء الوطن.

ومما لا يخفى على نبيه أو عارف بشخصية العلامة الشيخ الصفار، أن سعادته يؤمن بمشروع وطني يتسم بالاندماج والانفتاح على الآخر والعيش معه، وذلك جلي في رسالته الواضحة ودعوته الصادقة إلى "وثيقة التعايش الطائفي" التي كشف عن بنودها في إحدى خطبه، وتضمنت وقف التكفير وتجريم الإساءات الطائفية ورفع التمييز وتعزيز وحدة الأمة.

اعتقد أن هذه البنود كانت واضحة وهي لا تحتاج إلى المزايدات والتأويلات المفضية لما لا يخدم مصلحة الوطن أو الطوائف فيه، حتى يأتي كل من أراد الحوار أو التقارب مع الشيعة إعادة طرحها، وإن كانت بقوالب مختلفة، ولا أعرف لماذا كل هذه التهريج الإعلامي والتوجس الديني من الشيعة؟

والجميل أن الشيخ الصفار يرى أن التعايش حاجة إنسانية ومصلحة وطنية، والإيمان بها يقتضي من كل المكونات إعادة صياغة علاقتها بأفكارها وقناعاتها العامة، والانفتاح والتواصل على مختلف المكونات من أجل صياغة علاقة تفاعلية حضارية في بناء وطن جامع للجميع. كما يذكر الشيخ الصفار في كتابه" نحو علاقة أفضل بين السلفيين والشيعة "، ص51:" فالتعايش هو الخيار المنطقي الصحيح، ولا بديل عنه إلا التفريط بمصلحة الوطن، وتمزيق وحدة الأمة، ومساعدة الأعداء على نيل أطماعهم ومآربهم" ويشير في نفس الكتاب إلى أنموذج للتقارب العلامة الشيخ محمد مهدي شمس الدين وعالم الحديث الشيخ زهير الشويش، حيث اتسم التقارب بأخوة لا مثيل لها.

وفي كتاب " المذهب والوطن" ص175، يقول:" الاندماج الوطني قضية ملحة، يجب أن يبذل كل الواعين أقصى جهودهم من اجل خدمتها وتحقيقها، فهذا الوطن الواسع الكبير، الذي تحققت وحدته وقام كيانه على يد المؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله، يضم مناطق عديدة، ومجتمعات مختلفة في بعض خصائصها الجانبية، وإن كانت تنتمي لأصول عربية واحدة، ولدين واحد، هو الإسلام والحمد لله".وخلاصة القول: إن العلامة الشيخ الصفار يمثل رائدا لمشروع وطني تحكمه منظومة من القيم كالتسامح والحوار واحترام الآخر والمساواة وإلى كل مايؤكد على التعايش ونبذ العصبية والتطرف، وهو احد الطلائع الشيعية الداعية إلى الوحدة ونشر ثقافة التسامح وقيم الحوار في فضاءات وطننا، من أمثال الدكتور توفيق السيف والشيخ محمد المحفوظ والشيخ زكي الميلاد والسيد حسن النمر والشيخ على المحسن والأستاذ نجيب الخنيزي والشيخ علي بوخمسين والأستاذة امتثال أبو السعود والأستاذة فوزية الهاني والأستاذة عالية فريد والأستاذة صباح عباس والقائمة تطول.

ومسك الختام مقتطفة من مقولة لمقدم الحلقة عبد العزيز قاسم من مقالته بجريدة الوطن بعنوان"قطار التعايش.. متى ينطلق لإخماد شرارة الطائفية؟ يقول القاسم:" لا حل أبداً لهذه المعضلة الطائفية إلا بما طرحه الشيخ حسن الصفار قبلاً بضرورة إقرار وثيقة للتعايش الطائفي، وسنِّ قانون يجرِّم المساس بالرموز الطائفية"...

7/4/2010م
سيهات