عزاء بمستوى الوطن

هو عزاء بمستوى الوطن، حين يستقبل الفاقد ألوانا وأطيافا من مختلف مناطق مملكتنا الحبيبة، وقد أتته تعزيه معتبرة أن ما أصابه قد أصابها، وتواسيه بصدقها وعواطفها وشدها على يديه.

وهو عزاء بمستوى العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، حين ينطلق المعزون من نقاط مترامية في العالم ليصلوا لصاحب المصاب ويضعون بين يديه مشاعرهم وحبهم وشعورهم بروابط الأخوة التي تتقدم كل شيء.

يوم الجمعة 23/4/2010 فجع معالي الشيخ عبد المقصود بن محمد سعيد خوجه بوفاة ابنه (إباء) في حادث أليم، وهو شاب حائز على بكالوريوس في المالية بمرتبة الشرف من جامعة وودبوري كاليفورنيا، ويشغل عدة مناصب عملية وفخرية وعضوية عدة جمعيات خيرية حيث يتسنم منصب نائب الرئيس والمدير التنفيذي لمجموعة خوجه وعضو منتدب لشركة إيبيلا خوجه للتموين بجدة ورئيس مجلس إدارة شركة السوانح السعودية، رئيس مجلس إدارة شركة اللوازم للتكنولوجيا السعودية ومدير ومؤسس وشريك في شركة دايتون ـ نيويورك.

فقد الشيخ خوجه ابنا حبيبا غاليا فقصده الأحبة من كل مكان، وما كان ذلك ليحصل عبثا، ولا صدفة واتفاقا، ولكن لأن الخوجه كان جسرا للتواصل بين كل مكونات هذا البلد وأطيافه، تواصل ينطلق من البعد الإنساني بكرامته ومكانته عند الله ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً.

فمن يلتقيه ويسمع أحاديثه ومقترحاته ومساعدته يشعر بحضور الإنسان في ثنايا كلماته وآرائه، ويتلمس حبه له كإنسان بعيدا عن التفاصيل الأخرى العارضة على إنسانيته.

ولأن كل الأطياف في بلدنا الحبيب لها متطلبات ومبتغيات وآمال ترجوها من مملكتها الكبيرة، كان الخوجه بابا رحبا، يأنس بالمرور منه من يحمل هموم مجتمعه وأهله وبلده، فصير علاقاته مع أصحاب القرار بين يدي كل من وصل إليه واقتنع بسلامة أهدافه ونبلها.

قليلة هي النماذج التي تبذل جهدها وجاهها ومكانتها وإمكاناتها وتضعها تحت تصرف الجميع من محبي الخير، لكنها مع قلتها ليست معدومة، نعم ربما تكون المقومات في شخصية ما مختلفة تماما عن شخصية أخرى، لكن هناك من يبذلون كل ما يملكون أو جل ما يملكون من أجل مجتمعهم، وإن كانت إمكاناتهم محدودة ومتواضعة.

ففي بحر هذا الأسبوع فقد الأخ العزيز عبد الجبار بن حسن آل سلاط ابنه (مصطفى) وهو في عمر الزهور، يعمل في حقل التعليم وتربية الأجيال، وقد بدأ التأليف في سن باكر وله عدة إصدارات، منها كتيب السلوكيات المنحرفة، وآخر تحت عنوان المرأة متجهة إلى أين؟ وثالث بعنوان وبشّر الصابرين، وله مؤلفات سترى النور عمّا قريب بإذن الله.

أصيب مصطفى بفشل كلوي، فسعى والده جاهدا لعلاجه لكن رحمة الله كانت أوسع له من علاج الأطباء، وعناء المستشفيات.

ولأن الأخ عبد الجبار كان ناشطا اجتماعيا ورجلا صالحا وودودا في علاقاته على مستوى القطيف ونواحيها، فقد هرع معارفه من مختلف مدن القطيف وقراها يقدمون له العزاء، فبقدر عطاء الإنسان وعلاقته بمجتمعه وخدمته لهم يلقى من المحبة والمعزة.

أختم بالقول: لعل الحب الذي يبذله الناس على طبق من الرضا، والشعور بالتقصير تجاه من يخدمهم ويسعى لأجلهم هو أحد مصاديق قول الله تعالى ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، حيث يلحظون بجلاء سخاء الناس في حبهم لهم، ومواساتهم لهم إن ألمّ بهم خطب أو حلّ بهم مصاب.

للخوجه أحر التعازي من محبيه وأهله في القطيف الطيبة، ولعبد الجبار عزائي ومحبتي كصديق وأخ، تغمد الله موتانا وموتى المؤمنين بالمغفرة والرضوان وربط على قلوب الفاقدين بالصبر والسلوان.

السبت 17/5/1431هـ الموافق 1/5/2010م - العدد: 13469