الحياة الحضرية والجريمة

حتى يوم الأربعاء المنصرم تواصلت جلسات اللقاء السنوي للجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، والذي نظم تحت شعار: (التحضر ومشكلات المدن في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية).

وقد أشار الدكتور عبد الله بن حسين الخليفة إلى (أن ازدياد معدلات التحضر وتطور الحياة الاجتماعية، واحتضان المجتمع لأعداد هائلة من الأيدي العاملة الوافدة أوجدت الجريمة كظاهرة والتي كانت نادرة الوقوع إلى المدى الذي استمر المجتمع السعودي حتى عام 1980 يعد من المجتمعات الإنسانية القلائل التي يشار إليها بالبنان من حيث قلة وندرة حدوث الجريمة) صحيفة عكاظ 13/5/2010.

مؤكدا أن الـ 30 سنة اللاحقة هي التي شهدت هذا الارتفاع الصاروخي للجريمة في بلادنا، وقد استوقفتني إحصائية الدكتور الخليفة التي قال فيها(ان أكثر من 1.6 مليون شخص ارتكبوا جرائم في الخمسة والعشرين عاما الماضية، مبينا أن الإحصائية فندت أن 65 في المائة من الجرائم تنحصر في جرائم السرقات والمضاربات والمسكرات والقضايا الأخلاقية و30 في المائة منها تتعلق بقضايا السرقات).

فالإحصائية تحدثت عن عدد الأشخاص وليس عدد الجرائم، فلو أن بعضهم ارتكب 10 جرائم مثلا فلنتصور كيف ستكون الإحصائية، وبأي مقدار ستتغير.

لقد أشارت بعض الدراسات التي قدمت في اللقاء إلى عوامل عديدة أثرت في انتشار الجريمة وتمددها في مجتمعنا، وهي عوامل صحيحة وحقيقية.

وإذا كانت ثمة إضافات على ما تفضل بعرضه المختصون (بعد التأكيد على ضرورة عقد مثل هذه اللقاءات والإكثار منها لأنها بمثابة الضرورة في استجلاء المشكلة والبحث عن سبل علاجها) فيمكن الإشارة إلى ثلاثة أمور:

الأول: ضعف التوجيه الأخلاقي الذي يفترض أن يتطور ليواكب المشكلات التي تخلقها حالات التحضر، وتوافد الأيدي العاملة، فالخطاب الأخلاقي لم يمارس دوره بحرفية وعلمية تتماشى وطوفان التحضر بسلبياته وإيجابياته، بل استمر في منحاه القديم والممل الذي أعرضت عنه أغلب الفئات الشبابية.

وفي هذا الصدد يمكننا الإشارة إلى عدم ارتقاء الخطاب الديني (سواء في حالته الوعظية أو التوجيهية) بما يتناسب والظروف أو التحديات التي يعيشها المجتمع بين حقبة زمنية وأخرى.

الثاني: جاء التحضر حاملا كل أدواته وعدته الاستيعابية للشباب بما فيها وسائل الإغراء، وتحريض الشهوات، وخلق القيم والأعراف الجديدة التي لا يتوافق بعضها والحياة المحافظة التي ألفتها مجتمعاتنا.

مقابل كل ذلك لم تكن لنا أطر واسعة ومتاحة يمكنها استيعاب طاقة الشباب، واستثمار أوقاتهم، وإشعارهم بمعادلتهم الصعبة والحقيقية في الارتقاء ببلدهم ومجتمعهم وتحويلها إلى عطاء وإنتاج يشعرهم بذواتهم ويوجه سلوكهم.

إننا إذا عرفنا أن أماكن الترفيه المقبولة (في منظومتنا الدينية وأعرافنا المحافظة) والتي تستهلك جزءا كبيرا من أوقات الشباب والشابات تعاني من القلة والضعف الأمر الذي يجعلها بحكم العدم، فإن الحالة ستكون واضحة عندنا بالنسبة لبقية الصيغ التي تستقطب الشباب وتفرغ طاقاتهم في الشؤون المهمة والجادة.

الثالث: غياب الردع هو سبب من الأسباب التي يمكننا الإشارة إليها في سياق انتشار الجريمة، وهو الذي يفسر لنا التجاسر من قبل بعض الشباب ليرتكبوا جرائمهم في وضح النهار كما حصل في أكثر من منطقة ومدينة في بلادنا، وهذا الأمر يمكن إصلاحه ومعالجته كما أشرت في مقالات سابقة في الدوائر الأمنية والقضائية (فمن أمن العقوبة أساء الأدب).

السبت 1/6/1431هـ الموافق 15/5/2010م - العدد 13483