ثقافة الاعتراف بالآخر
مجلة الحوار تنشر مقالا للشيخ الصفار
بمشاركة مجموعة من العلماء والمفكرين دشن مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني مجلته الفصلية (الحوار).
مجلة (الحوار) فكرية ثقافية تعمل في إطار جهوده لنشر ثقافة الحوار، ويشارك فيها نخبة من المثقفين وأصحاب الرأي.
وكان للشيخ حسن الصفار مشاركة في عددها الأول لشهر محرم 1431هـ بعنوان: ثقافة الاعتراف بالآخر.
مستعرضا فيه الآيات العديدة التي في القرآن الحكيم، التي تتحدث عن التنوع والتعدد في حياة البشر، "فرغم أن البشر يتساوون في إنسانيتهم العامة، وفي خصائصهم الأولية المشتركة، إلا انهم في حقيقة الأمر يتمايزون بدرجة و أخرى داخل المحيط البشرى" .
ويضيف: هذا التنوع الذي يتحدث عنه القرآن في حياة البشر، إنما هو جزء من ظاهرة كونية، تشمل أصناف المخلوقات والكائنات، مستشهدا بقـوله تعالى: ﴿وما من دابة في الأرض ولا طـائر يطـير بجناحيه إلا أمم أمثالكم﴾.
أما بالنسبة لعالم الإنسان، فقد تحدث القرآن الحكيم عن العديد من جوانب التنوع، في حياته، وضمن الأبعاد المختلفة ، كالتمايز الفردي :فلكل فرد من أفراد البشر، فصورته، وصوته، يميزانه عن الآخرين،
وتفاوت على مستوى العلم والمعرفة :فمستوى الذكاء والفطنة، يتفاوت بين الناس، حتى أصبحت له مقاييس ومعدلات يرصد بها، وتحدد درجاته المتفاوتة،
وتفاوت الحالة الاقتصادية :فإن البشر في حياتهم المعيشية المادية، ووجهها الاقتصادي، متغايرون أيضا، فيوجد غني وفقير، وهذا التفاوت يترتب عليه تمايز مستوى المعيشة واختلاف أنماطها .
ثم تحدث سماحته عن (التنوع العرقي والقومي) كمظهر للاختلاف بين البشر، فبرغم أن مصدر الإنسانية رجل واحد وامرأة واحدة، هما آدم وحواء، كما يقول تعالى: ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً﴾، إلا أن استمرار حركة التناسل البشري، واتساع رقعة معيشتهم على سطح المعمورة، أدى بمرور الزمن، إلى أن تتكيف مظاهر وأشكال تكونهم الجسدي، بما يتناسب وظروف المحيط الطبيعي الذي يعيشون فيه، ونظراً لاختلاف الأجواء والظروف الطبيعية، التي تعيشها مجاميع البشر، فقد أفرزت حالات من الاختلاف، في المظاهر والأشكال بين تلك المجاميع .
ومن مظاهر الاختلاف يقول الشيخ الصفار: التنوع اللساني واللغوي، بل هو من أجلى ألوان التنوع في حياة البشر، فقد أبان العلماء أن هناك حوالي 3000 لغة منطوقة في العالم اليوم، ولا تدخل اللهجات في إطار هذا العدد.
وأيضا من مظاهر الاختلاق: التنوع الديني، فلأن الإنسان وجد مفكراً مدركاً، فإن الدين قد رافقه من بداية حياته، من هنا (ذهب بعض مـؤرخي الأديان، إلى أن الدين بدأ مع بداية حـياة الإنسان على الأرض، منذ نحو مليـوني سـنة مضت).
وقد تحدث القرآن الحكيم عن تعدد الديانات، وأثبت ذكر أهم الديانات السماوية والوثنية، معتبراً ذلك التعدد والاختلاف ظاهرة طبيعية في هذه الحياة، لما منح الله تعالى الإنسان من حرية اختيار، وأودع في نفسه من نوازع الخير والشر، أما الحسم والفصل بين اتباع هذه الديانات فهو مؤجل إلى ما بعد الحياة الدنيا .
يقول تعالى: ﴿أن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا أن الله يفصل بينهم يوم القيامة أن الله على كل شيء شهيد﴾.
ويضيف سماحته: المتمعن في جوهر المعنى القرآني في هذا المجال، وضمن سياقه الموضوعي، يلاحظ دون أدنى شك طبيعة الإقرار القرآني بحقيقة الاختلاف الديني بين بني البشر، بل ويبسط مدارات الحديث عن ذلك في اكثر من جهة وموضوع .
فأولاً: لا يـمكن إلغاء حـالة التعدد الديني بالقوة والفرض حيث ﴿لا إكراه في الـدين﴾ و ﴿ لكم دينكم ولي دين ﴾.
ثانياً: المؤمن بدين الله، عليه أن يعتمد الأسلوب اللائق المناسب في الدعوة إلى دينه، دون تهريج أو تجريح أو تشنج وانفعال: ﴿ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة﴾.
ثالثاً: يفترض أن يستهدف الإنسان من تدينه الوصول إلى الحقيقة، فلا بد له حينئذ من الانفتاح عـلى الديانات والآراء الأخرى، بحـثاً عن الحـق والصواب، ﴿الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه﴾.
ولا يصح له أن ينكفأ على عقيدته الموروثة، دون تفكير أو نقاش ﴿قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون﴾.
لذا ينبغي أن يسود الحوار السليم بين الديانات المختلفة، اعتماداً على الدليل والبرهان ﴿أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم﴾.
والحوار بين الأديان يجب أن يكون موضوعياً هادئاً، على أساس الاحترام المتبادل ﴿ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن﴾.
رابعاً: والاختلاف الديني بين الناس لا ينبغي أن يؤدي إلى الصراع والنـزاع، فالأصل في العلاقة بين أبناء البشر، هو التعايش والانسجام، والاحترام المتبادل، أما من تسوّل له نفسه الاعتداء على المختلفين معه، فلا بد من ردعه ومواجهة عدوانه: ﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم أن الله يحب المقسطين﴾.
ويختم سماحة الشيخ الصفار مقاله بتأكيد نهى الإسلام عن جرح مشاعر أتباع الديانات حتى لو كانت وثنية، بسب مقدساتهم، لأن رد فعلهم الطبيعي سيكون سب مقدسات المسلمين ﴿ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم﴾.
يشار الى أن سماحة الشيخ الصفار شارك في الحوار الوطني الأول في الرياض المنعقد بتاريخ 15-18/4/1424هـ الموافق 15-18/6/2003م، والثاني المنعقد في مكة المكرمة، ابتداءً من اليوم السبت الموافق 4 ذو القعدة 1424هـ ولمدة خمسة أيام.
لقراءة المقال: