متى نفيق؟

متى يمكن أن نفيق من هذا السبات؟ ومتى نلتزم جانب الشفافية والمصارحة؟ وإلى متى ندور حول الخطأ ولا نشير إليه بجرأة وشجاعة؟

في أغلب قضايانا نبحث عن كبش فداء لنصلبه ونعتقد أننا قضينا على الشيطان وأمنا مكره، ثم لا نلبث أن نرى الشيطان بين أيدينا ومن خلفنا، عن يميننا وعن شمالنا، من فوقنا ومن تحتنا.

نعتقد أننا صلبناه، وحرقناه في جهنم وساءت مصيرا، ثم لا نلبث أن نكتشف أنه يصلبنا ويحرق أوضاعنا بكلمات جوفاء وإحساس بالزهو، وترفع عن الحقيقة، وبالخوف من مباشرة علاج الخلل.

إذا كان ما نقلته جريدة الجزيرة دقيقا حول الندوة العلمية الفكرية - في نجران - التي تناولت «الأسس والمحددات لمفاهيم (الوسطية - الأمن الفكري - الإرهاب - الغلو - التطرف). الخميس 25/5/2010، فنحن أبعد ما نكون عن حل قضايانا، والإسراع في معالجتها، لأننا لا نتهم أنفسنا كي نصلحها بل نتهم الأمطار في كارثة فيضانات جدة، وحرارة الشمس في تشقق الشوارع وحفرها المهولة، وشبيه هذه الاتهامات متدحرج في كل شيء وكل عنوان وكل قضية.

العناوين التي أريد الحديث عنها في الندوة المذكورة في غاية الأهمية، وبحثها ضرورة يحتاجها الوطن، لكننا نحتاج الصراحة والوضوح، لا لكي نشنع على بعضنا، ولا لكي نجلد ذواتنا، بل لكي نعالج ونصر على العلاج بعد الدقة والصدق في تشخيص المشكلة.

لقد قيل في الندوة إن (تأصيل هذه المفاهيم - الوسطية، الأمن الفكري - في نفوس المواطنين والمقيمين في المملكة من خلال ما يزيد على 70857 منبراً).

لنكن دقيقين بالقول إن إرادة الدولة هي أن تقوم هذه المنابر بهذا الدور، لكن أداءها ليس بالضرورة مطابقا لهذه الإرادة، وقد شهدنا العديد من أصحاب هذه المنابر يفصلون ويبعدون عن عملهم لسوء استخدامهم لهذه المنابر.

ولا يصدق عاقل أن كل هذه المنابر تحمل الهم الذي حملته الندوة في بث تلك المفاهيم ومع ذلك ينتج بلدنا المزيد من الإرهابيين الذين يتطاولون على أمن الدولة واستقرارها وسمعتها واقتصادها.

هناك بعض المنابر – وإن كانت قليلة – تحتاج إلى إصلاح، وبعضها يحتاج إلى الحماس في التبشير بمفاهيم الوسطية والاعتدال وغيرها، وبعضها يحتاج إلى توسيع أفقه ليعي أن الصمت والسكوت هو نوع من إعانة التطرف والإرهاب.

لا بد في السياق نفسه من التوقف في ما نقلته الجريدة المذكورة من (أن أغلب أصحاب الفكر المنحرف يستقون أفكارهم من مصادر مجهولة غالبيتها من عالم الإنترنت) لا يا سادة لا يمكن القبول بهذا، لا يمكن أن يترك الشباب (70857 منبراً) معلوما ومعروفا ويستقون أفكارهم من الإنترنت المجهول، فإما أن هذه المنابر بعددها الكبير لا تأثير لها، وهذا ليس بصحيح، أو أن بعضها يحتاج إلى إصلاح ليرجع إلى الجادة السوية التي تنفع البلاد والعباد.

لن تخدم بلادنا إلا بالصراحة، ولن يهدينا التستر إلا المزيد من الخسائر، نحن بشر في بلادنا كما هي بشرية الناس في مختلف بقاع العالم، فينا الأشرار بأفكارهم وتصوراتهم، وفينا الأخيار والعقلاء والحكماء والمعتدلون والوسطيون.

ولن نستطيع اقتلاع الأفكار التخريبية الشريرة ونحن نعتقد أنها تأتي مما وراء البحار.

السبت 15/6/1431هـ الموافق 29/5/2010م - العدد 13497