والاعتراف بالآخر
قال سماحة الشيخ حسن موسى الصفار ان تجربة الحوار الوطني الذي انطلق قبل عدة سنوات في المملكة العربية السعودية، بدأ يؤتي ثماره، فلقد تغيرت الاوضاع الثقافية والفكرية في البلد، بسبب اعتماد العقلاء الحوار كاداة حضارية ودينية للتواصل بدلا عن فتاوى التكفير وتجاهل الآخر وعدم الاعتراف بالتعددية رغم إصرار الجهات المتشددة على نهجها المتطرف.
ان اليسر الذي تكرر في سورة الانشراح بقوله عز وجل «فان مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا فاذا فرغت فانصب والى ربك فارغب» لا يتحقق بالتواكل واللا ابالية او بضيق الافق والتهرب من المسؤولية، وانما يتحقق بالمثابرة والتواصل واستمرار العمل والجهاد في سبيل تحقيق الاهداف السامية في هذه الحياة الدنيا من اجل حياة أفضل ورضوان الله تعالى، فالنجاحات تتحقق بتراكم الخبرة والتجربة، وان المنجزات تصان بعملية تراكمية مستمرة على الانسان ان يستعد لها ليصل الى هدفه، والا فان الياس او عدم الاستمرار في العمل والتراجع في وسط الطريق، يعرض الهدف لانتكاسات كبيرة، كما انه يعرض النجاحات الى مخاطر جمة.
ففي تجارب الشعوب والامم الكثير من الدروس التي يمكن ان نقتبسها لمعرفة حقيقة وفلسفة النجاحات التي تتحقق عادة بالاصرار والعزيمة الثابتة التي لا تلين.
لقد نجحت الامة في تجاوز تحديات حقبة الاستعمار بالجد والتضحيات الكبيرة، وهي اليوم بحاجة الى المثابرة والصبر على الصعاب من اجل تجاوز مرحلة النضال ضد الاستبداد والديكتاتورية، وان الله تعالى سينزل عليها النصر المؤزر عندما يرى فيها الصدق والعزيمة والاصرار على تجاوز المرحلة بكل ما اوتيت من قوة.
منذ ان انطلق مشروع الحوار الوطني في المملكة العربية السعودية، فان الاوضاع الداخلية العامة بدات تشهد تغيرا ملحوظا، ان على صعيد الحراك الفكري والإعلامي، أو على الصعيد الاجتماعي، فلقد تبنى العقلاء في البلد، وفي اطار مشروع الحوار الوطني، مبدأ الاعتراف بالاخر واحترام الرأي والرأي الاخر وكذلك الاعتراف بالتنوع المذهبي على وجه التحديد، كادوات حضارية ودينية ووطنية للتواصل بين مختلف شرائح المجتمع، الأمر الذي ساعد كثيرا على تهدئة الاجواء وتليين المواقف، التي كانت فتاوى التكفير تلعب دورا في اثارتها وتاجيجها، بالرغم من اصرار بعض المتشددين على لغة القطيعة والتنافر والإقصاء.
اننا نفتخر بتعلمنا الكثير من الحركة الاسلامية في العراق، بل ان مختلف فصائل الحركة الاسلامية في المجتمعات الشيعية تدين بالفضل الى فصائل الحركة الاسلامية العراقية التي انبثقت عنها او رعتها في فترة من فترات تشكلها، كما ان المشايخ عندنا يفتخرون بانهم درسوا وتعلموا في الحوزة العلمية في النجف الاشرف وغيرها من الحوزات الدينية العريقة، الا ان ما نستغربه حقا هو هذا الخلاف غير المبرر الذي نشاهده اليوم بين القادة السياسيين وهم يمارسون السلطة، فان ذلك يعرض التجربة للخطر المحدق، خاصة انها محاطة بمخاطر كبيرة، نتمنى على قادة الحركة الاسلامية في العراق ان يترفعوا على خلافاتهم ويضعوا نصب اعينهم المصالح العليا للبلاد، فان العراقيين ينتظرون منهم الكثير جدا كتعويض عن الثمن الباهظ الذي دفعوه من اجل اسقاط النظام البائد وتغيير الاوضاع نحو الاحسن والافضل.