الشيخ الصفار: برنامج الابتعاث برنامج وطني ونجاحه نجاحنا كشعب ووطن
ألقى سماحة الشيخ حسن الصفار محاضرة في منتدى حوار الحضارات بمنزل الأستاذ فؤاد نصر الله بالقطيف تحت عنوان "المبتعثون وتطلعات المجتمع" وذلك مساء الأربعاء 19/6/1431هـ وبحضور مجموعة من مثقفي وكتاب المنطقة. وأدار الندوة الدكتور باسم أحمد أبو السعود الذي وصف رحلة سماحة الشيخ الصفار الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية بأنها رسالة مؤثرة لدعم وتشجيع أبناء الوطن المبتعثين.
وتحدث سماحته في بداية محاضرته التي بدأها بالقول الوارد عن أمير المؤمنين علي : "الحكمة ضالة المؤمن، فطلبوها ولو عند المشرك تكونوا أحق بها وأهلها"، مبيناً أن المقصود من الحكمة في هذا السياق هي تنظيم شؤون الحياة بصورة أفضل، مشيرا إلى أن المؤمن الحقيقي هو الذي يسعى لإحكام أمور حياته وأمور آخرته، فهي توجهه إلى طلب الخير والإصلاح في أمور حياته من أي جهة كانت.
وأوضح أن المسلمين مطالبون في أن يبحثوا عن الحكمة من أي مجتمع حتى وإن اختلفوا معه في الدين أو المعتقد، ملفتا إلى أنهم أصبحوا في مجال علوم الدنيا في مؤخرة القافلة وتقدمت الأمم الأخرى في كل المجالات، وتراجع دورهم في الحياة، حتى أفقنا على صدمة الحضارة الغربية المتقدمة، وقد تولد عن ذلك ثلاث خيارات:
الخيار الأول: أصيبت بعض مجتمعاتنا بحالة الانبهار بالشعوب والأمم الأخرى لدرجة تنازلهم عن عقيدتهم ومبادئهم الدينية والروحية، أما الخيار الثاني: هو خيار القطيعة والمناوأة لمنجزات التقدم وتجارب الأمم الأخرى تحت تبرير أنهم ليسوا على ديننا، وأما الخيار الثالث: فهو التواصل والتداخل الإيجابي مع هذه الأمم المتمدنة. مبيناً أن قيم الدين الحقيقية لا تتنافى مع هذا التطور والتقدم العلمي، بل تدفع إليه.
وأكد سماحته أن علماء الغرب ومفكريهم يعترفون بدور الحضارة الإسلامية في التأسيس لهذه الحضارة الحديثة، مشدداً على أهمية أن نتأكد من فهمنا للدين، فلعل الدين الذي نفهم الآن يختلف عما فهمه الأسلاف الذين تقدموا في زمنهم، معللا السبب الرئيسي وراء تخلفنا هو الوقوف عند اجتهادات أسلافنا، وأقفال عقولنا عن التفكير، مما أوجد تراكما من الفهم الخاطئ للدين، متسائلا سماحته: كيف نستطيع أن نحقق التواصل والتداخل الإيجابي بين شعوبنا والشعوب المتقدمة؟
Blocked Adبعدها تحدث الشيخ الصفار عن برنامج الابتعاث، معتبرا أن نجاحه يعني"نجاحنا كشعب ووطن"، واصفا إياه بـ"الوطني والطموح"، وانه ينبغي أن نعمل جميعا على إنجاحه، منوها إلى أن هذا البرنامج ليس"برنامجا حكوميا تتحمل الحكومة – فقط – مسؤولية نجاحه".
ودعا ألا يقتصر برنامج الابتعاث على البرنامج الحكومي، مطالبا كل من لديه فرصة الابتعاث لأحد أبنائه لم تشمله فرصة الابتعاث الرسمي عليه ألا يتردد في ذلك، مؤكدا على أن هذا هو الاستثمار الأفضل في تعليم الأبناء،وفي تنمية قدراتهم، وأن يقدمهم كفاءات متقدمة وطاقات علمية للوطن من خلال جهده وصرفه من ماله، وناشد المجتمع أن يتواصل مع هؤلاء المبتعثين.
وأشار إلى أنه ينبغي أن يكون هناك برنامج لزيارات العلماء والنشطاء الفاعلين للتواصل مع أبنائنا المبتعثين وتفقد أحوالهم وحاجياتهم الدينية والمعنوية.
واعتبر سماحته برنامج الابتعاث بأنه "مفردة من مفردات التواصل والتداخل الإيجابي مع الأمم والشعوب الأخرى".
ورأى أمام جمع من المثقفين والناشطين الاجتماعيين أن من مصلحة وطننا وشعبنا الانفتاح على تلك الشعوب والأمم، موضحا أن انفتاحنا عليها "لن يؤثر على التزامنا بديننا". مراهنا بذلك على "الثقة بأنفسنا" حسب قوله.
وقال في محاضرته: إن برنامج الابتعاث يهدف إلى إتاحة الفرصة لنخبة من أبناء هذا الوطن حتى يتربوا في رحاب وأحضان تلك الجامعات العريقة في مختلف دول العالم، من أجل أن يعودوا لنا بالمعارف التي تساعدنا على النهوض وتوطين العلم والمعرفة في بلادنا، وعلى أن نكون منتجين للعلم والمعرفة في المستقبل.
مبنياً أن الدول الأخرى قد سبقتنا في هذا المجال، ولديها جامعات عريقة ومناهج علمية تربي على الإبداع والابتكار، ولديها خبرات وتجارب، متسائلا: لماذا لا نستفيد من تلك الجامعات؟
ولفت سماحته إلى أن المسالة ليست مقتصرة على المسائل العلمية والمعرفية، بل أن ابتعاث مجموعة إلى تلك البلدان يعيشون في ظروف متقدمة سياسيا واجتماعيا وثقافيا، سيمكن هذا الجيل من إن ينقل هذه القيم بجوانبها الإيجابية إلى مجتمعاتنا، وبالتالي يكون رسولا ومبشراً بقيم التقدم والتحضر التي نحن أولى بها.
Blocked Adوذهب الشيخ الصفار في محاضرته بالقول إلى: إن البعض منا يقصر النظرة تجاه الغرب على الجوانب السلبية، فيما تغيب عن أنظارنا القيم العلمية والانجازات المعرفية، واصفا تلك النظرة بـ"النظرة الضيقة والمحدودة"، مبينا أن كثيرا من قيم الإسلام مجسدة في تلك المجتمعات، وأنها أقرب للتطبيق العملي في تلك البلدان.
واستنتج من خلال ما ذهب إليه في محاضرته إلى أن برنامج الابتعاث يطمح لتحقيق تطلعات كبيرة وعظيمة،منها:بناء الكفاءات وكسب الخبرات العلمية والمعرفية، والاستفادة من تجارب الشعوب الأخرى، ومد الجسور مع المجتمعات والأمم.
وذكر أن شبابنا سيعرفون أن هناك أناسا يحبون التعرف على مجتمعنا، وتفهم أوضاع أمتنا، وليس كل الأمم أعداءً للأمة، مشيرا إلى أن في بلادنا مجموعة من المتشددين تكونت عندها بعض الآراء المتطرفة التي فهمت أن الدين يستلزم القطيعة مع الآخر، مضيفا أن هذه الاتجاهات لو أنها تُرك لها المجال لقادت بلادنا لحالة "عزلة عظيمة وكبيرة"، مشيدا في نفس السياق بدور القيادة السياسية وسعيها لتجاوز هذا المشكل.
وقال سماحته: إن وجود آلاف من المبتعثين السعوديين في تلك البلدنا ساعد على إزالة تلك الصورة المشوهة عن بلادنا.
وأرجع وجود تلك الفتاوى ضد ابتعاث الأبناء للخارج تحت تبرير أنهم يفقدون دينهم وأخلاقهم إلى تلك المنظومة الفكرية التي تتبنى خيار التشدد والقطيعة مع الآخر.
وأوصى جميع المبتعثين المتواجدين في أمريكا والبلدان الأخرى بمعرفة قيمة هذه الفرصة والاستفادة منها، والعمل الجاد على كسب المعرفة وإظهار الصورة الإيجابية عن مجتمعهم.
ويأمل سماحته في ختام محاضرته أن يستمر هذا البرنامج، وأن يكون برنامجا دائما، مطالبا أن يكون هناك موارد مالية ثابتة لدعم هذا البرنامج وتوسعته، والعمل على تسهيل إجراءات الابتعاث، ومضاعفة جهد الملحقيات الثقافية.
وذكر أن برنامج الابتعاث لعام 2009 كلف الدولة تسع مليار ريال في سنة واحدة، والبرنامج يستحق هذا، بشرط أن يستفيد أبناؤنا من هذا البرنامج.
Blocked Adقال الدكتور سعيد عطية أبو عالي مدير التعليم سابقا ورئيس جائزة الأمير محمد بن فهد للتفوق العلمي حاليا في مداخلته والتي أشاد في بداياتها بالأستاذ فؤاد نصر الله رئيس منتدى حوار الحضارات، وقال عن الشيخ الصفار: طوّف الشيخ حسن الصفار في ولايات زادت على العشر، لم أستطيع أنا خلال فترة انتسابي للدراسة في الولايات أن ازور أكثر من ثلاث ولايات. مسجلا بعض انطباعاته عن محاضرة الشيخ الصفار:
وذكر أن الشيخ في بداية حديثه ربط بين الدنيا والآخرة وهذا الربط يعني أن يبحث الإنسان المؤمن عن الحكمة من أي مجتمع من اجل دنياه وتنظيم حياته الدنيوية والأخروية، وأسس للحياة الدنيوية بأنه إذا صلحت الحياة الدنيوية فإن الحياة الأخروية قمينة بالنجاح، وهذه الرؤية جديدة استفدت منها.
وقال الدكتور: أن الشيخ أشار إلى أننا من خلال طلبنا للعلم نسهم في المعرفة الإنسانية ونضيف إليها، ونستثمرها بتوطينها في مجتمعنا وبلادنا. وكما أن الشيخ أشار إلى أننا لابد أن ننجح في اكتساب العلم حاليا وأن نساهم نحن في صناعة المعرفة وإنتاجها.
وأشاد الاديب الشيخ عبد اللطيف العقيل في مداخلته بمحاضرة الشيخ لما أورده من حكم ونصائح ورؤى عن برنامج الابتعاث، ووافق ما ذهب إليه الشيخ الصفار في محاضرته عن مسألة تقيدنا بقيم الدين وتعاليمه،وقال:"إننا كمسلمين نطبق القيم وتعاليم الإسلام"، مشيدا بدور حكومة خادم الحرمين الملك عبد الله التي تكفلت بجميع الأمور لجميع الطلاب والطالبات المبتعثين والمرافقين لهم.
وعن مداخلة الدكتور حسن البريكي الذي أكد أن هناك فرقا بين المدنية والحضارة، وأشار إلى أنه يخشى أن ننسى من أن هناك فرقا بين المدنية والحضارة، مشيداً بالتقدم المدني وناقداً لسوء الحضارة المادية, ودعا إلى إيجاد ثقافة موازية ينبغي أن تستقر في ضمائر أبنائنا وبناتنا، ولفت الدكتور الحضور إلى مسألة تتعلق ما بعد عودة 80000 متخرج إلى بلادهم بقوله: ماذا اعددنا من خطط تستوعب هذه الأعداد من الكفاءات والقدرات؟ هل جرى بحث في جو من الحرية نفهم من خلاله ما هي متطلباتنا وتصوراتنا حول المستقبل؟ مشددا على ضرورة الاهتمام بهذه الأمور وجعلها من اهتماماتنا.
وجاءت مداخلة الأستاذ سعيد الخباز متوافقة مع ما قاله الدكتور البريكي فيما يتعلق ما بعد عودة المبتعثين.
وكان من بين المداخلين الشبل السيد ناصر السلمان التي تساءل عن أسباب تخلف أمتنا بعد ان كانت متقدمة؟
Blocked Adوالأستاذ محمد الغانم الذي أشار إلى حالة المبتعث ومعاناته بعد أن يعود من الخارج، نتيجة ما تبناه من قناعات أو أفكار.
والأستاذ على شعبان أشار إلى خوف الكثير على المبتعثين من الحضارة الغربية المنحلة، وذلك من خلال ما تلمسه من المقالات والكتابات المختلفة، فيما أكد أن تلك المجتمعات هي من أرقى المجتمعات علما وأخلاقا على حد قوله.
وذكرت أحد الأخوات الحاضرات في مداخلة لها إلى مسألة ممانعة بعض أولياء الأمور في ابتعاث بناتهم للخارج، مطالبة العلماء والمثقفين إلى نشر الوعي في أوساط هؤلاء الآباء.
وكانت مداخلة الأستاذ على البحراني الذي وجه سؤالا لسماحة الشيخ: ماذا عن صورة المملكة في الغرب تجاه الأقليات الدينية؟
وفي تعليقه على المداخلات قال سماحته: ينبغي أن نشترك جميعا وأن نفكر لتقديم إجابات لتلك المشاكل والتحديات، وطمأن سماحته الحضور لما وجده من تقيد معظم المبتعثين بقوله: "عدت وأنا أكثر ثقة واطمئنانا لبناتنا وأبنائنا المبتعثين هناك"، مشيرا إلى شهادة بعض من التقى بهم من الأساتذة الجامعيين الذين أشادوا بذكاء أبنائنا المبتعثين، ولكن ما يحتاجون هو بذل الجهد والجدية.