الصفار: ثلاثي النهوض.. المواطنة والتنمية والتسامح
بدعوة من الدكتور محمد بن صنيتان حلّ سماحة الشيخ حسن الصفار ضيفاً على صالون (مركز ساس الوطني لاستطلاع الرأي) بالمدينة المنورة، مساء يوم الاثنين 9رجب 1431هـ الموافق 21 يونيو 2010م.
وقد افتتح اللقاء الدكتور محمد بن صنيتان مقدماً لضيفه الشيخ الصفار، مرحباً به ومشيداً بآرائه المعتدلة، وتوجهاته الوطنية، واهتمامه بالتواصل مع جميع شرائح الأمة.
وأشار رئيس مركز ساس الوطني إلى أن المجتمع السعودي لا توجد فيه ثنائية عرقية أو دينية، فالدين واحد والقبلة واحدة حتى إن كان في فقه العبادات كل له اجتهاده وكل مذهب يتشظى إلى مذاهب لا متناهية، مؤكداً أهمية الاتفاق على ما يوحد الجميع انطلاقا من إستراتيجية دولتنا وقيادتنا الرشيدة - على حد قوله.
وأضاف بن صنيتان: معركتنا ليست مذهبي ومذهبك، بل تكمن في مكافحة الفساد مع تنشئة الأسرة التي هي نواة المجتمع على التراحم والتعاطف والسلم الاجتماعي والأخلاق الفاضلة والصدق وكل صفات المسلم التي حث عليها الإسلام.
ثم طلب من الشيخ الصفار الحديث للمحتفين به من الحاضرين:
شكر سماحة الشيخ حسن الصفار للدكتور محمد بن صنيتان حسن ضيافته واستقباله وإتاحته الفرصة للقاء مع نخبة من مثقفي المدينة المنورة ورجالاتها، كما شكر للحاضرين حفاوتهم وكريم اخلاقهم.
وتحدث الشيخ حسن الصفار عن ثلاثة أمور يراها أساسية لتعزيز الوحدة الوطنية والارتقاء باهتمامات الرأي العام في المجتمع.
الأول: ترسيخ مفهوم المواطنة، الذي يعني شراكة كل أبناء الوطن في تراب وخيرات وطنهم، ومساواتهم في الحقوق والواجبات، وتكافئ الفرص بينهم، ليتنافسوا ويتسابقوا في خدمة الوطن بكفاءاتهم وقدراتهم، بعيداً عن التفاخر بالانتماءات.
وقال إن مفهوم المواطنة رغم حداثته بعد قيام الدولة القطرية الحديثة في العالم، على أنقاض العالم الأوربي القديم الذي كانت تهيمن عليه الكنيسة، إلا أنه أصبح الطريق الأفضل لتعايش أبناء الشعوب في أوطانها، والذي يضمن الاستقرار السياسي والاجتماعي، مع التنوع القومي والعرقي والديني.
وأشار إلى أن الدول المتقدمة وظفت هذا المفهوم لصهر مواطنيها في بوتقة النظام والقانون الواحد الذي يتساوون أمامه، ويجتهدون جميعاً في الدفاع عنه. مذكراً بصحيفة المدينة التي هي أول وثيقة للتعايش في مجتمع إنساني متعدد الانتماءات وضعها رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- أوائل هجرته وقدومه للمدينة المنورة.
الثاني: الالتفاف حول مشروع البناء والتنمية، فالمجتمعات الواعية تنشغل بالبناء وتطوير بلدانها اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، بينماالمجتمعات المتخلفة تبقى منشغلة بالجدالات والخلافات والنزاعات، والتي يملأون بها فراغهم من الاهتمامات الحضارية.
واستشهد بنهضة ماليزيا وسنغافورة مثلاً، فمع تعدد الأعراق والأديان والمذاهب فيما بينهم، إلا أنهم وجهوا جهودهم واهتمامهم نحو التنمية الاقتصادية، وتوافقوا على سلمهم الاجتماعي، واحترموا تعدديتهم، فتطورت بلادهم وقطعت أشواطاً على طريق النمو والتقدم.
وقال الشيخ الصفار: إن في بلادنا ثروات وخيرات كبيرة، وإن القيادة السياسية تقر كل عام أضخم الميزانيات، وتضع مختلف المشاريع، فعلى الموجهين الدينيين والنخبة المثقفة أن يدفعوا الناس باتجاه العمل والانتاج، ومكافحة الفساد ومعوقات التنمية، ومواجهة الاخطار التي تستهدف شبابنا وأبناءنا كالمخدرات والانحرافات الأخلاقية، بدلاً من الانشغال بالجدل المذهبي والخلافات الجانبية، التي تزّيف اهتمامات الناس، وتشغلهم عن قضاياهم الرئيسية.
الثالث: نشر ثقافة التسامح، ليحترم الناس بعضهم بعضاً، فالاختلافات في المسائل الدينية قائمة حتى داخل علماء المذهب الواحد، فلا بد من لغة الحوار التي هي أحسن كما يؤكد القرآن الكريم. والقبول بالتعددية المذهبية التي ورثتها الأمة من سالف عهودها، فهي ليست أمرأً جديداً طارئاً.
وقال: إن مشروع خادم الحرمين الشريفين للحوار الوطني هو أفضل رد على توجهات التعبئة والتحريض على الكراهية بتصنيف المواطنين والتشكيك في أديانهم وولائهم الوطني.
وأكد على أن اللقاءات والتواصل بين الشرائح والتوجهات المختلفة هو الذي يزيل الانطباعات السلبية والاوهام الخاطئة والحواجز النفسية، ويمكن كل جهة من تعريف نفسها والتعرّف على الآخرين.
ولفت الشيخ الصفار النظر إلى أن كثيراً من الخلافات والنزاعات التي تأخذ لبوس الدين والمذاهب هي في واقعها تعبير عن خلافات مصلحية وتحركها عوامل سياسية.
وأبدى الشيخ الصفار تفاؤله بالحراك الثقافي الفكري الذي تشهده المملكة، وعليه الرهان في انضاج وعي المجتمع والرقي باهتماماته.
وقال أستاذ الحديث وعلومه بكلية التربية بجامعة الملك طيبة سابقا والعضو السابق في مجلس الشورى الدكتور نايف الدعيس في مداخلته إنه يعيش هذه الأيام حياة ملؤها التعب لما يشاهده بين أفراد المسلمين من تناحر في كل مكان، مؤكدا أنه على الأمة الإسلامية ألاّ تتبع كل ناعق يشرخ صف المسلمين - في إشارة لما تبثه بعض القنوات الفضائية التي تدفع في طرحها نحو الفرقة.
وقال الدعيس: علينا أن نحاسب المخطئ على قدر خطئه وألاّ تأخذ المجتمعات بخطيئة الأفراد، مبينا عبر حزمة من الأدلة الشرعية أهمية اللحمة بين أبناء أمة الإسلام بكافة مشاربهم، مشيرا إلى أن المشتركات الفكرية التي تجمع أبناء الوطن كثيرة، ولا بد من تعزيزها في ظل دولة انتهجت مشروع الحوار الوطني منذ سنوات.
وقال ان ما نعرفه عن الشيعة انهم يتشهدون الشهادتين ويؤدون فرائض الصلاة الخمسة, ويستقبلون القبلة, ويحجون إلى بيت الله الحرام, ويصومون شهر رمضان, وهكذا فهم متفقون مع أهل السنة في أساسيات الدين, ولا مشاحة من الاختلاف في الفروع والتفاصيل, ما دمنا نجتمع على دين واحد ونبي واحد وقبلة واحدة وفرائض واحدة.
وقد حضر اللقاء عدد من الشخصيات والأكاديميين والمثقفين من أهالي المدينة المنورة منهم:
الدكتور عبدالله فهد الشريف رئيس قسم الفقه في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
الأديب المحامي سعود بن عواد الحجيلي عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية والصناعية بالمدينة المنورة
الناقد محمد الدبيسي نائب رئيس أدبي المدينة المنورة
الأديب الدكتور محمد العيد الخطراوي
الدكتور عبدالباسط بدر نائب رئيس مركز بحوث دراسات المدينة
مدير مكتب عكاظ بالمدينة المنورة الأستاذ محمد الأحمدي
مدير مكتب الوطن بالمدينة المنورة الأستاذ خالد الطويل
اللواء عشق نجر الصقر قائد منطقة المدينة المنورة سابقا
الدكتور نايف الدعيس عضو مجلس الشورى سابقا ورئيس قسم الحديث بكلية التربية في جامعة طيبة سابقا
الدكتور الشيخ عدنان الزهراني إمام جامع النهضة بجدة
الشيخ كاظم الشيخ محمد علي العمري
الشيخ صالح الجدعان
الدكتور فهد أبو العصاري
الأستاذ محمد علي الحسون
الأستاذ عبدالعزيز أحمد الأبرق
الأستاذ طلال غداف
وفي نهاية اللقاء دعا الدكتور بن صنيتان الحاضرين إلى تناول العشاء على شرف ضيفه الكريم.