عندما استقبل الصفار البريك


   

تعزيز الأخوة الإسلامية

إن من أسمى فوائد اللقاء المتبادل بين الرموز الدينية للمذاهب الإسلامية هو ليس حل الإختلاف المذهبي، أو تقديم التنازلات، بل هو لتذويب العنصرية الدينية لدى أفراد كل مذهب. إن بعض الأنظمة والقوانين قد لا تحتوي على التمييز الطائفي ولكن من يستخدمها قد يكون طائفياً، أو العكس بالعكس. فليس تصحيح الأنظمة يكفي بلا وعي إجتماعي. ولا ضمانة للوعي بلا أنظمة صحيحة وعادلة تنصف كل فرد ومواطن.

ليس الهدف هو تغيير نظرة السنة لمعتقدات الشيعة مباشرةً، أو العكس. ونحن لا نريد تنازل من الشيعة عن معتقداتهم، وكذلك لا نريد من السنة تغيير مذهبهم، وهذا مفهوم حرية التدين المذكور في الآية الشريفة ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ. ولكن الهدف الأسمى هو تذويب حالة الإحتقان والقطيعة، التي يعمل الأجنبي ليل نهار على تعزيزها، فهي ضمانة الهيمنة الأجنبية على الشعوب الإسلامية. ومن أسمى فوائد اللقاء بين رجالات السنة والشيعة هو أن يتآخى أبناء الطائفتين، وهما اللذان يتقابلان في المدرسة، والعمل، والمتجر، والملعب.

اللقاء وتصحيح الإنطباعات السيئة

كذلك من فوائد اللقاء بين الرموز الدينية للمذاهب المختلفة هو تصحيح الإنطباعات السيئة لدى كل طرف تجاه الطرف الآخر، وحالة التخوين والتي زرعتها وغذتها بعض وسائل الإعلام والمطبوعات لسنوات عديدة. فمن حق أهل السنة أن يسمعوا من الشيعة مباشرةً بدلاً من أن تكون مصادر معلوماتهم عن الشيعة هي وسائل مغرضة أو قاصرة أو مقصرة في إظهار الحقائق بمصداقية. وكذلك من حق الشيعة أن يسمعوا مباشرةً من السنّة لتتبدد أسباب الفرقة والإختلاف.

إن ما يعلق في أذهان الناس ليس ما قال هذا أو ذك. ومن حقق انتصارات في الحوار أو من لم يحقق. إن ما يعلق في أذهان الناس أكثر هو الصور والأفعال. فلقد تم لقاء بين قطبين من السنّة والشيعة وهذا يعني الكثير. أولاً عزز جسور الثقة بين الطرفين، فلا خوف من الجلوس مع الشيعي للسني، والعكس بالعكس. ولا ضير للسني أن يأكل من طعام الشيعي، وأن لا يستعدي الشيعي أخوه السني، فمثل هذه اللقاءات تصحح كثير من الإنطباعات المغلوطة والسيئة التي نسجت حول الشيعة لسنوات، أو حالة التخوف التي يعيشها الشيعة تجاه السنّة.

لا تنسوا الفضل بينكم

إن الإختلاف في العمل الإجتماعي أمر وارد في كثير من الحالات، وخصوصاً العمل الديني. فهناك اختلافات في الرأي والتوجهات وتشخيص المصلحة. لكن يبقى حسن الظن والنصيحة والتعاون الإيجابي هو المحدد الرئيس في التعامل في حالات الإختلاف. ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ.

ليس من الضروري أن يتفق جميع من يتصدى للعمل الإجتماعي على رأي واحد وأسلوب واحد في مجال خدمة الإسلام أو المجتمع، فلكل فرد قدرات وإمكانات وفرص متاحة ترسم ملامح العمل الذي يستطيع القيام به. وبالتالي فإن قدرة كل فرد على العمل تختلف. ليس ذلك فحسب، بل إن أهداف وأولويات كل فرد في العمل الإجتماعي لابد وأن تختلف طبقاً لاختلاف الإمكانات المتوفرة لكل فرد، والفرص المتاحة أمام كل منهم.

لذلك يجب على الرموز الإجتماعية والدينية أن تكون على حالة عالية من التقوى لأن إسقاط أو تجريح حرمة المؤمن هو من الذنوب الكبيرة، وهو أكبر عند الله من هدم الكعبة، ولعله يُسقط الإنسان من درجات عالية، أو أنه يمحق الإيمان من القلب كما يمحق الماء الملح. فعندما يتعامل الإنسان مع الشخصية المؤمنة، فعليه أن يرى أن هذا المؤمن هو من أولياء الله، وقد يكون أعظم من الملائكة فعليه أن يحذر جُلّ الحذر.

وعلى المؤمنين والمسلمين أن يتقوا الله في أنفسهم حتى لا يعاقبهم المولى عز وجل فيجعل بأسهم بينهم، ويذيقهم بأس بعض، ويمزقهم كلّ ممزق، إن الله شديد العقاب. إنه كلما كانت نياتنا مخلصة وصادقة في خدمة المعبود في ساحة القدس الإلهي، فإنه لا مجال عندها للإختلاف.

سوء الظن إثم

إن سوء الظن في مثل هذه المواقف عندما يختلف الأفراد أو القيادات في العمل الإجتماعي يصبح في عداد الظن الآثم. فلا مجال من حسن الظن بنوايا الأفراد العاملين إلا بوجود البيّنة التي لا لبس فيها. وحتى لو حدثت بعض الريبة لابد ومن حمل المؤمن على سبعين محمل أو أكثر.

إن مجرد سوء الظن بالمؤمن هو لون من ألوان الظلم والإعتداء. وإن متابعة الظن السيء في حق المؤمنين بقول أو عمل هو مجاهرة الله بالمعصية، وفيه نصرة للشيطان الحريص على الفرقة بين المؤمنين والصلحاء ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا.

حالة الاستقطاب الطائفي

إن حالة التدافع المذهبي والسجال الطائفي لتسجيل إنتصار هنا أو هناك لصالح مذهب على آخر يعمّق الفرقة الإسلامية، ويجعلنا نمضي في الدوّامة التي وضعها لنا الغرب، ونفسد إسلامنا ووحدتنا بأيدينا، وبأيدي الجهلة وقصيري النظر من كلّ مذهب.

إنه من المؤلم أن قد وصل الحال بالمسلم بأن يبحث عن التعايش مع أخيه المسلم الآخر ولو اختلفوا في المذهب، فالأصل هو الأخوة الإسلامية إن كنا فعلاً نؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر. فمن الطبيعي أن تحدث القاءات والزيارات والعتاب الجميل بين الأخوة. ولكن لعله الأشد إيلاماً على قلب المصلح في الأرض هو أن نرفض الأخوة الإسلامية، أو أن نرفض التعايش واللقاء بين المسلمين تحت أي عنوان.

وإذا كانت نوايانا صادقة ومخلصة لله، فلعل المولى عز وجل أن يبارك في مثل هذه الأعمال البسيطة فيجعل منها سبباً ونواةً لألفة وإصلاح بين فريقين كبيرين من المسلمين، إن الله لطيفٌ خبير.

أما آن للأمة أن تتوحد

إلى متى نعيش في صراع بين السنة والشيعة رغم وحدة الإل?ه والرسول والكتاب والقبلة. نحن لا نريد صراعاً ظاهرياً ولا نريد صراع باطني تحت الرماد. لقد ولى زمن الصراع الديني بين الطوائف، ونحن في أمس الحاجة اليوم الى التعاون بين المثقفين والنخب لنهضة الأمة الإسلامية، ولتأخذ موقعيتها في العالم، وتصنع فكرها وتسترد حقوقها المسلوبة. إنه عندما تحقق انتصار وهمي على أخيك المسلم بانتقاص او تجريح في معتقده، فإن ذلك لا يصبح إنتصاراً حقيقياً، بل هو هزيمة للطرفين، وهزيمة للأمّة الإسلامية.

اليوم نحن نعيش زمن الإنفتاح الديني، فمع ثورة المعلومات والإتصال أصبح من الصعب التلبيس وتشويه المذاهب والأديان. ولم يبقى إلا أن يظهر كلّ دين أو مذهب ما يملك من أفكار ومعتقدات. وأصبح لكل فرد الحرية في إختيار المعتقد الذي يراه صائباً، وتحققت الآية الشريفة بأن ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ.

الإحسان يمحو الخصومات

إن من أقوى وسائل الدفاع عن الذات هو الإحسان إلى المسيء. فعندما يقابل المسلم إساءة إخيه المسلم أو تجريحه، سيّان كان لجهلٍ أو لسوء نيّة، ويقابلها بالإحسان، ويفتح له داره ويضيّفه، فإنه ليس فقط يطرد الشيطان والذي ينزغ بين الناس عن طريق الإساءة أو التجريح، بل كذلك يمنع الطرف الآخر من الإستمرار في الإساءة، ويجعل من الإحسان حجّة أمام الناس، ولعلهم يهتدون.

فأقوى وسيلة لدفع إساءة الخصوم هو الإحسان إليهم. فالإحسان إلى الخصم هو أبلغ خطاب، وبلا كلمات، يظهر حسن ذاتك. وإن خطاب الإساءة بشكل عام هو نتيجة لجهل أو لقبح من يتلفظ به. ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ سورة فصلت، آية 34.

فإخوة يوسف عندما حسدوه على ما أنعم الله عليه من فضل ونبوّة وكمالات، لم يقابل إسائتهم بالمثل، بل عفى عنهم، وأتى بهم من البدو وضمهم إليه في ملكه. فالعفو ضروري للمصلحين في الأرض، وبالعفو تتغير أرواح الناس وتتطهر، ومعذرةً إلى ربكم، ولعلهم يهتدون. وإنه ليس من الحكمة أن يدخل المصلح في الأرض في صراع مع الجهّال، لأن الصراع مع الجاهل لن يكون له نتائج إيجابية، ويبعد الإنسان عن الإصلاح وبذل الخير. ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ، وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ الأعراف، آية 199.

الأئمة واختلاف الأمّة

نحن لا ننسى إستقبال الإمام الحسن للشامي الذي كان يشتمه ويجرح فيه وهو على جهل بحقيقة أهل البيت ، فما قابله الإمام الحسن إلا بالحسن. فسأله إن كان لديه حاجة ليقضيها له، ودعاه إلى داره واستضافه في بيته. ولم يخرج الشامي إلا والإمام الحسن أحب الخلق إليه. فاستبدل الإمام الحب والنصيحة مكان البغض والفرقة.

ولعل بعض أئمة أهل البيت سمّو أولادهم بأسماء بعض الصحابة هو لتخفيف حدة الخلاف بين الفرق الإسلامية، وطرد الشيطان، وحفظاً للذرية والمصلحة العامة، وكذلك لعله كان زواج الرسول الأعظم من بعض البيوت العربية. والإصلاح بين المذاهب الإسلامية هو ضرورة أساسية في هذا الزمن. وليس من مصلحة الأمّة الإسلامية التمزق بين المذاهب. ولذلك هناك نصائح عدة من أئمة أهل البيت لأتباعهم بأن يزوروا المخالفين عنهم، ويعودوا مرضاهم ويمشوا في جنائزهم، بل ويصلّوا معهم.

التوجس واليقظة

لعل البعض يريد أن يصنّف الشيعة إلى صنفين معتدلين ومحافظين، أو عرب وعجم، ويخاطب شباب الشيعة وابنائهم ويدعوهم الى رفض بعض الأفكار والمعتقدات الشيعية، وبالخصوص تلك التي تعطي المذهب الشيعي قوته وحماسه وتشكل الحصانة الأولى له ومن أبرزها إقامة عزاء الإمام الحسين . فكل ما لدينا هو من الحسين.

فلابد من إلتماس العذر للذين يتوجسون من مثل هذه الدعوات ليس تحت عنوان رفض التسامح والوحدة، ولكن تخوفهم تحت عنوان التمزق الشيعي الشيعي عن طريق تصنّيف الشيعة وتعزيز الخلافات الشيعية.

كيف تزول الفُرقة الدينية

إن العالم اليوم بصراعاته لايسمح بأن يعيش المسلمين التمزق والتكفير والتخوين لبعضهم البعض. بل نحن في أمس الحاجة لكي نتآلف ونتآخى ونتعاون ونتعاضد، وأن ننبذ أسباب الفرقة. إن الفرقة والخلاف حقيقةً هو ليس نتيجة الإختلاف المذهبي، أو اختلاف المرجعيات الدينية، بل إن الفرقة هي نتيجة تطاول كل طرف على الآخر، وانتقاص كلّ طرف بأفكار ومعتقدات الآخر. إن الفرقة هي نتيجة رمي المذاهب الإسلامية بعضها بعضاً بالسفه والجهل أو غير ذلك، وعدم احترام كل طرف لمعتقدات الآخر، وعدم احترام كلّ طرف للمذاهب الأخرى.

وإذا زال هذا التطاول والإنتقاص بين أصحاب كل مذهب تجاه المذاهب الأخرى، فسوف تنتهي الفرقة، ويحل محلها الحب والتوادد والتآخي. فعندما يتوقف التطاول على معتقدات الآخرين، ويتم احترام المذاهب الأخرى بعلّاتها، ومن دون بيانات وتصريحات أو تنازلات، فسوف نرى عظمة الله وبركاته وسوف تتجلى الأخوّة الإسلامية من جديد، إن الله واسعٌ قدير.

﴿لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا.

26/6/2010م
المدينة المنورة