ويدعو إلى توثيق الصلة بالله

الشيخ الصفار يدعو إلى صناعة المعروف ومأسسته

مكتب الشيخ حسن الصفار أديب أبو المكارم

في القطيف، الجمعة 4/8/1431هـ وبمناسبة أيام ذكرى ميلاد الإمام الحسين وأبي الفضل العباس والإمام زين العابدين ألقى سماحة الشيخ حسن الصفار خطبتي الجمعة مؤكدًا على أهمية الاستفادة من هذا الشهر العظيم شهر شعبان المنسوب لرسول الله وكذلك أهمية الاستفادة من سيرة هؤلاء الأطهار الذين نحتفي بذكراهم. وحول شخصية الإمام الحسين تحدث عن صناعة المعروف مشيرًا إلى أن المعروف ينبغي أن يصنع للجميع رافضًا الانتقائية في بذله أو تحديده. وقال: إن المعروف ينبغي أن يكون سجية في النفس، ومكرّسًا في المجتمع, ويقصد به رضى الله عز وجل, ولن يكون كذلك إلا إذا استفاد منه الجميع. داعيًا إلى أن يكون منظمًا ومؤسسًا حتى يحقق نتائجه. ولاشك بأن أولي القربى أحق بالمعروف ولو بالكلمة الطيبة منوهًا إلى أهمية توثيق الصلة بين الأخوة الأشقاء والأرحام كما يعلمنا ذلك أبو الفضل العباس .

من جهة أخرى أكد في الخطبة الثانية على أهمية الدعاء وهو الباب المفتوح بين العبد وربه مشيرًا إلى أن في سيرة سيد الساجدين تراثاً وثروة تدعونا إلى توثيق الصلة بالله واللجوء له في كل الأحوال.

افتتاح:

الحمد لله ذي المجد والسلطان، والطول والامتنان، والجود والإحسان.

نحمده تعالى على عظيم آلائه، وقديم عطائه. ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تبسط الأمل، وتدفع إلى العمل، وتقي من أعظم الزلل. ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، النبي المنتجب، والرسول المصطفى، وأحب الخلق إلى رب السماء. اللهم صل عليه وآله بأفضل صلواتك، وبارك عليه وعليهم بأعظم بركاتك.

عباد الله! أوصيكم ونفسي قبلكم بتقوى الله، وأحذركم ونفسي من التعرض لسخطه وغضبه.

الخطبة الأولى: صناعة المعروف

قال رجل عند الإمام الحسين : إن المعروف إذا أسدي إلى غير أهله ضاع.

فقال الإمام الحسين : (ليس كذلك، ولكن تكون الصنيعة مثل وابل المطر تصيب البر والفاجر).

نعيش هذه الأيام الفاضلة الشريفة من شهر شعبان الذي حفّه الله بالرحمة والمغفرة والرضوان، وهو الشهر المنسوب إلى رسول الله ، وحيث ذكريات موالد الأئمة والصالحين. كذكرى مولد الإمام سيد الشهداء الحسين بن علي وأخيه العبد الصالح أبي الفضل العباس، وابنه زين العابدين علي بن الحسين وكذلك سائر المناسبات العظيمة، وعلينا أن نستفيد من هذا الشهر وهذه الذكريات العطرة فيه.

قبسات من سيرهم:

في سيرة أبي عبدالله الحسين نقرأ الكثير من الرؤى والمواقف الخالدة، ولكن نريد أن نركز هنا على مسألة (صناعة المعروف).

المعروف صُنع الحَسن للناس. أي شي حسن تفعله للناس يسمى معروفًا. وفي الإسلام ينطلق من ثلاثة منطلقات:

1ـ التقرب إلى الله. حينما ينوي الإنسان فعل المعروف ويسعى لأدائه, عليه أن يكون هدفه الأساس التقرب إلى الله عز وجل فلا يهمه حينها لمن يعمل هذا المعروف، لأنه إذا عمل لشخص ما، فسوف ينظر هل يستحق أو لا يستحق على ضوء صلته الشخصية به.

ولكن الإنسان الذي يصنع المعروف طلبًا لرضى الله عز وجل فلا يهمه ذلك، ويكون هدفه الأساس تحقيق رضى الله تعالى، فيعمل لكل عباد الله وخلقه. ولا ينتظر من أحد شكرًا، ولا يعمل بهدف كسب مصالح أخرى لذاته. جاء عن أمير المؤمنين : (ابذل معروفك للناس كافة، فإن فضيلة المعروف لا يعدلها عند الله سبحانه شيء). وقال أيضًا: (عليكم بصنائع المعروف فإنها نعم الزاد إلى المعاد).

2ـ تعزيز وتكريس صناعة المعروف في نفس الإنسان. حين يعوّد الإنسان نفسه على صناعة المعروف للجميع بدون استثناء فإنه سيخلق في نفسه طبعًا وسجية طيبة لا تنفك عنه، أما إذا كان بالانتقاء فهذا لا يخلق تلك السجية والجبلة في ذاته. وهنا تتجلى ميزة التخلق بأخلاق الله عز وجل، حيث أن الله تعالى يعطي لجميع خلقه، البر منهم والفاجر، المؤمن والكافر، من عرفه ومن لم يعرفه كما في الدعاء: (يا من يعطي الكثير بالقليل، يا من يعطي من سأله ومن يسأله ومن لم يعرفه تحننًا منه ورحمة). ولهذا على الإنسان المؤمن أن يكون معروفه مبذولًا للجميع. وقد ورد عن رسول الله ما يشير إلى هذا الجانب أيضًا: (اصطنع الخير إلى أهله وإلى من ليس أهله، فإن لم تصب من هو أهله، فأنت أهله).

3ـ إقامة الحياة الإجتماعية على أساس المعروف. حينما يكرّس الإنسان صناعة المعروف في نفسه, فإنه سوف يشجع هذه الحالة في المجتمع, لأن هناك من سيسير على طريقته ونهجه الحسن، وهذا ما تؤكد عليه الروايات والنصوص الدينية. لذلك علينا أن نرفض صفة الانتقائية في صناعة المعروف، أن نعطي لشخص دون آخر، أو لجهة دون أخرى, لسبب أو لآخر هذا غير صحيح، لأن المعروف لا يكون منهجًا إلا إذا وصل للجميع دون تمييز.

مأسسة المعروف:

نرى أن أفضل شيء لصناعة المعروف وتكريسه في المجتمع هو مأسسة المعروف. أن نؤسس جهات مختصة لمساعدة الناس, وتلبية حاجات المحتاجين منهم, مهما كانت الحاجة. والمؤسسة في الغالب تكون أدعى لترسيخ هذا الأمر, وتفادي حالة الانتقائية في العطاء, سيما إذا كان هدفها إنسانيًا صرف. كما نرى في المجتمعات الغربية كيف يؤسسون جمعيات لمساعدة المحتاجين على مستوى العالم, بغض النظر عن أديانهم وأعراقهم وما شابه. لا يهتمون بمن هم في بلادهم فقط, بل ينطلقون إلى الدول التي تكون في أمس الحاجة للعطاء. وهذا هو الوضع السليم والذي يشجع عليه الإسلام.

الإمام الحسين حين سمع الرجل يقول: إن المعروف إذا أسدي إلى غير أهله ضاع. اعترض عليه ونبهه إلى الأمر الصحيح فقال: ليس كذلك ـ يعني هو لا يضيع  فأجره عند الله عظيم، وأثره في النفس فعال، وتكريسه في المجتمع نافع ـ  ثم أوضح له: ولكن تكون الصنيعة مثل وابل المطر، تصيب البَّر والفاجر. أ ولسنا نقرأ في سيرته العظيمة أثناء طريقه إلى الكوفة وحين رأى الجيش الأموي يلهث من شدة العطش كيف أمر أصحابه بأن يسقوا القوم وأن يرشفوا خيولهم ترشيفا؟ هكذا كان سلام الله عليه وعلينا أن نتعلم منه هذا الدرس العظيم.

العباس وسجية الإيثار وحسن الإخاء:

وبما أننا نعيش ذكرى ميلاد هذا العبد الصالح أبي الفضل العباس بن علي , فلنأخذ منه درسًا عظيمًا تجلى في شخصيته وهو الإيثار وحسن الإخاء, وقد شهد له بهذه الصفة الإمام جعفر بن محمد الصادق : (كان عمي العباس بن علي نافذ البصيرة، صلب الإيمان، جاهد مع أخيه الحسين، وأبلى بلاء حسنًا، ومضى شهيدًا).

حينما نسمع عن تباعد الأخوة الذين هم من أب وأم أو من أحدهما، ونرى أن الزمن يباعد بينهم بسبب الخلاف على الإرث أو أي أمر آخر, فعلينا أن نقدم لهم أبا الفضل العباس نموذجًا قيمًا في إيثاره أخيه الحسين وعيال وحرم أخيه الحسين على نفسه. وإذا كان الناس محتاجين للمعروف فإن ذوي القربى أكثر حاجة إليه ولو بالكلمة الطيبة. يقول أحد الشعراء:

ازرع جميلًا ولو في غير موضعه
إن  الجميل  وإن  طال الزمان iiبه

فلا   يضيع   جميلٌ   أينما  iiزرعا
فليس   يحصده   إلا  الذي  iiزرعا

نسأل الله تعالى الهداية والتوفيق للجيمع وأن يجعلنا ممن يصنع المعروف ويرجو رضى الله عز وجل.

الخطبة الثانية: الدعاء وتوثيق الصلة بالله عز وجل

قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿أ من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء.

حين يكون الحديث عن الإمام زين العابدين وسيد الساجدين علي بن الحسين فلا يكون بدٌ من الحديث عن الدعاء، هذا الباب المفتوح إلى الله عز وجل، وفي حياة الإمام زين العابدين تراث وثروة من الأدعية الروحية. وهناك سؤال يطرح هنا: لماذا هذه الخصوصية في حياة الإمام السجاد في جانب الدعاء أكثر ظهوراً من سائر الأئمة الكرام صلوات الله عليهم أجمعين؟ هناك أسباب ومنها:

ـ فرصة التوجيه والتوعية في عهد الإمام زين العابدين كانت أقل من سائر الأئمة بسبب الظروف الضاغة التي واجهها من قبل الأمويين، فلجأ إلى الدعاء ليبث منه القيم والتربية، لذلك نجد أدعيته مليئة بالقيم والتوجيهات وليست مجرد طلب وابتهال إلى الله عز وجل.

ـ من جهة أخرى فقد عاش الإمام ظروفًا صعبة على المستوى الشخصي، وإن كان سائر الأئمة قد واجهوا هذا الأمر لكن ما واجهه يعتبر أشد وأقسى فقد رأى قتل أبيه الحسين وأعمامه وأخوته حتى الرضع، ورأى سبي عماته وأخواته، وغيرها من الفضائع فنالت منه وهو بشر له أحاسيسه ومشاعره، ولذا يثيبه الله عز وجل على صبره وتجلده. وقد عاش معاناة الإذلال والشماتة مع علمه بمكانته التي وضعه الله فيها، ولكنه يرى إحاطة ذلك الأمر به، حين سأله رجل في الشام: كيف أصبحت يا ابن رسول الله؟

أجابه: أصبحت العرب تفتخر على العجم بأن محمد منها، وأصبحت قريش تفتخر على العرب بان محمداً منها.....، وأصبحنا ذرية محمد وعترته مقتلين مشردين نساق كسبايا الترك أو الديلم.

هذه أجواء ضاغطة عاشها الإمام، وأكثر من ذلك شماتة الأعداء كما أشار إلى ذلك هو حين سئل: ما كانت أشد الأشياء عليك؟ قال: الشام.. الشام وشماتة الأعداء. يأتيه شخص يقول له: الحمد لله الذي خذلكم ونصر أمير المؤمنين يزيد عليكم. أي ذل وشماتة أكثر من هذه؟ لكنه في هذه الظروف كان يلجأ إلى الله عز وجل لكي يعلمنا أن الإنسان مهما اشتدت به الظروف فعليه أن يلجأ إلى الله تعالى سواء كانت عنده ظروف عائلية أو مالية أو جسدية أو أي ظرف كان، فعليه أن يعرف أن هناك ربًا رحيمًا يسمع نداءه ويعطيه الثمرة عاجلًا أو آجلًا (أ من يجيب المضظر إذا دعاه) الله هو الذي يجيب لا غيره. وعند الإمام السجاد أدعية كثيرة تنشر القيم والمبادئ، وتفتح أبواب الثقة بالله مهما اشتدت به الظروف. له دعاء إذا عرضت له مهمة أو نزلت به ملمة، وعند الكرب. يقول : (يا من تحل به عقد المكاره) مهما قست الظروف وتعقدت واستحكمت كما يعقد الحبل ويصعب فتحه، لكن تلك الصعوبة تهون عند الله وتتلاشى. (ويا من يُفثأ به حد الشدائد) أي تسكن وتخف به، ومهما كانت حدتها فإنها تسكن وتخف عند الله تعالى. «وَيَا مَنْ يُلْتَمَسُ مِنْهُ الْمَخْرَجُ إِلَىٰ رَوْحِ الْفَرَجِ، ذَلَّتْ لِقُدْرَتِكَ ٱلصِّعَابُ، وَتَسَبَّبَتْ بِلُطْفِكَ الأَسْبَابُ، وَجَرَىٰ بِقُدْرَتِكَ الْقَضَاءُ، وَمَضَتْ عَلَىٰ إِرَادَتِكَ الأَشْيَاءُ، فَهِيَ بِمَشِيِئَتِكَ دُونَ قَوْلِكَ مُؤْتَمِرَةٌ، وَبِإِرَادَتِكَ دُونَ نَهْيِكَ مُنْزَجِرَةٌ، أَنْتَ الْمَدْعُوُّ لِلْمُهِمَّاتِ، وَأَنْتَ الْمَفْزَعُ فِي الْمُلِمَّاتِ، لاَ يَنْدَفِعُ مِنْهَا إِلاَّ مَا دَفَعْتَ، وَلاَ يَنْكَشِفُ مِنْهَا إِلاَّ مَا كَشَفْتَ».