الشيخ الصفار يستقبل جمعاً من الكتاب والمثقفين
زار جمع من الكتاب والمثقفين في المنطقة سماحة الشيخ حسن الصفار في مكتبه مساء يوم الاثنين 7 شعبان 1431هـ الموافق 20/7/2010م مبدين استياءهم مما تشهده أجواء المنطقة من ارتفاع حدة الجدل، واستخدام أساليب التحريض والتعبئة بين الجهات والفئات في ساحة المجتمع، وخاصة على صفحات مواقع الانترنت، وبلغة منافية للقيم والأخلاق، التي يجب أن يتحلى بها المجتمع المسلم.
وألقى الشيخ الصفار كلمة شكر فيها الإخوة الكتاب والمثقفين على زيارتهم وعلى اهتمامهم بتنقية الأجواء العامة في مجتمعهم، وأشار إلى عدد من النقاط:
أولاً: إن اختلاف الآراء وتعدد وجهات النظر هو أمر طبيعي وصحي في كل مجتمع، فليس مطلوباً أن تتطابق وجهات النظر في مختلف الأمور، ولكن ينبغي إدارة الاختلاف بروح حضارية، لا يمارس فيها طرف وصايته مقصياً الأطراف الأخرى، ولا تتهم فيها النوايا، فالجميع إن شاء الله مخلصون لدينهم وعقيدتهم، ومحبون لخدمة مجتمعهم، لكنهم قد يختلفون في الخيارات والمناهج.
وإذا ما اعتبر طرف أن خياره ومنهجه ورأيه فقط هو الذي يمثل الدين والمجتمع، وأن ما عداه مروق وتمييع للدين وخيانة للمجتمع، فذلك منزلق خطير.
ثانياً: هناك احتقانات في المجتمع بسبب ما يواجه من ضغوط ومشاكل، وفي حالة عدم التوجيه السليم، تتفجّر هذه الاحتقانات داخلياً، على أساس نظر بعض الأطراف لبعضها على أنها جدار هبيط، فتوجه السخط نحوها.
ثالثاً: تتحمل وسائل الإعلام والاتصال الحديثة كالمواقع الالكترونية دوراً كبيراً في صنع مثل هذه الأجواء السلبية، بنشر كتابات تسيء للأشخاص بدل أن تمارس النقد الموضوعي للفكرة أو الحدث، أو تقدم الأخبار بصياغة تعبوية تحريضية.
وأشار الصفار إلى خطورة الكتابات بأسماء مستعارة، وكذلك التعليقات السلبية الجارحة، التي هي مدخل للاختراقات من قبل أعداء المجتمع، الذين يعملون على إشغال المجتمع بالنزاعات والخلافات لإضعافه، وإسقاط رموزه وشخصياته.
وقال الشيخ الصفار أنه قد أصدر بياناً تحذيرياً يدين فيه هذا النهج في المواقع الالكترونية ويتبرأ منه، تحت عنوان (إلى أصحاب المواقع الالكترونية: اتقوا الله في مجتمعكم) نشر بتاريخ 24/8/2005م كما أصدر بياناً آخر بتاريخ 4/8/2008م، تحت عنوان: (لا علاقة لي بأي من المواقع الالكترونية).
وألقى خطبة جمعة بتاريخ 19 جمادى الآخرة 1430هـ تحت عنوان (مواقع الانترنت وإفساد العلاقات الاجتماعية) وقد طبعت ونشرت في وقتها.
وقال إن الجميع يسمع ويقرأ خطاباته وكتاباته، فهو في كل كتاباته وخطاباته يدعو إلى الحوار الايجابي، والاحترام المتبادل، ويرفض التشكيك في أديان الناس ونواياهم، ولم يسبق له أن تحدث ضد أحد أو أساء إلى أحد، ممن يختلف معه.
وقال الشيخ الصفار أنه يتحمل مسؤولية ما ينشر على موقعه الخاص به، ويبرأ إلى الله تعالى من تحمل مسؤولية أي موقع آخر، ويدين هذا الأسلوب المسيء من أي موقع كان.
رابعاً: إن الحاجة ملحة لوجود إطار وصيغة للتشاور والتعاون بين المهتمين بقضايا الشأن العام في المجتمع من علماء ومثقفين ووجهاء وناشطين وسياسيين، وإن جهوداً بذلت في سبيل ذلك، وحصلت تجارب للقاءات ضمت شخصيات شيعية من المدينة والأحساء والدمام والقطيف، وتكررت خلال عام كامل، ولكنها لم تصل إلى مستوى الاتفاق على إطار وصيغة دائمة.
وكان في القطيف لقاء منتظم بين عدد من الرموز الدينية الفاعلة استمر لأكثر من سنتين ثم توقف.
كما كنا نستضيف لقاءً أسبوعياً للمشايخ والخطباء لمدة ثمان سنوات، ثم تحول إلى لقاء شهري متنقل بين مجالس العلماء، لكنه توقف أيضاً.
ومن أواخر المحاولات ما سعى إليه الإخوة في ديوانية القطيف بعد أحداث البقيع في المدينة المنورة قبل عامين، وبعد نجاح تجربة الوفد الكبير الذي ذهب إلى الرياض، لمعالجة تلك المشكلة، حيث حصلت لقاءات لبلورة إستراتيجية وصيغة للتعاون بين قوى المجتمع ورموزه الاجتماعية والدينية، ولكنها توقفت.
وقال الشيخ الصفار: إن ذلك يعني أننا نحتاج إلى نضج أكبر في ساحتنا لانجاز مثل هذا العمل، ويجب أن تستمر المحاولات والجهود.
ولكن لا يعني ذلك أن يتوقف العاملون عن خدمة مجتمعهم وفق اجتهاداتهم إلى أن يحصل توافق واتفاق فهذا ما لا يقوله أحد، ولا يلتزم به أحد، حيث نرى الأنشطة والمواقف والمبادرات من قبل مختلف الجهات.
خامساً: إن الحوار مع الآخر على مختلف المستويات الإنسانية والدينية والوطنية من القيم العليا دينياً وحضارياً.
وقال الشيخ الصفار: إنه سعى للانفتاح على مختلف الأطياف في الوطن، وبالرجوع إلى موقعه الالكتروني على الانترنت يتضح تنوع لقاءاته، في زياراته للآخرين أو استضافته لهم، وأنه قد نظر وكتب حول موضوع التعددية والحرية والحوار والانفتاح، حتى قبل عودته للبلاد، فكتابه (التعددية والحرية في الإسلام) مطبوع سنة 1410هـ.
ويرى الشيخ الصفار أهمية للحوار مع السلفيين فهم القوة الأبرز والأكثر تأثيراً، وجانب كبير من معاناة الشيعة في الوطن والعالم يأتي من اتجاه التشدد في الوسط السلفي كما هو معروف.
وأشار إلى رؤيته حول هذا الموضوع التي قدمها في كتابه المطبوع (السلفيون والشيعة نحو علاقة أفضل). وأن الحوار لا يعني التنازل عن شيء من المعتقدات والخصوصيات المذهبية إلا عن الإساءة من أي طرف للآخر.
وأشار الشيخ الصفار إلى عدم السكوت عن الإساءة للمذهب مستذكراً موقفه من تكفير الكلباني للشيعة، وموقفه المعروف من إساءة العريفي للمرجعية، لكن ذلك لا يعني أن لا نصرف جهداً في السعي لتغير موقف المسيئين، عبر التواصل والحوار، وخاصة عندما نجد استعداداً عند الطرف الآخر.
وعن زيارة الشيخ سعد البريك قال الشيخ الصفار إنها زيارة متفق عليها من قبل حوالي شهرين، عندما التقاه في الحوار مع قناة دليل. وأن الزيارة كانت فرصة لكي يلتقي البريك مع بعض الشخصيات الشيعية، وأن يجري حوار صريح حول ما يساعد على التقارب ويسهم في تجليّة مواقف كل طرف تجاه الآخر.
وكان الحوار معه حينما حضر في مجلسنا جيداً وهو منشور بتفاصيله.
أما عن حديث البريك في صالة الملك عبدالله، فقال الشيخ الصفار: أنه لم يحضره ولم يعرف تفاصيله.
ولا يرى أنه ينبغي أن يمنع من اللقاء وتوضيح الصورة، واستشهد بموقف الإيرانيين من الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي، وكيف أنهم حاولوا احتواء المشكلة وليس تكبيرها.
سادساً: يؤكد الشيخ الصفار على ما كتب حوله وتحدث به سابقاً من أن الأساس في المشكلة الطائفية هو العامل السياسي، وأن الدولة تتحمل مسؤولية تحقيق المساواة بين أبنائها دون تمييز طائفي، لكن الحوار مع السلفيين والأطياف الأخرى مفيد لتجاوز سلبيات القطيعة، والصور النمطية المتداولة.
وحتى في البلدان التي لا يوجد فيها تمييز طائفي فإن الحوار والتقارب بين السنة ومنهم السلفيون وبين الشيعة أمر مطلوب، فالحوار قيمة بحد ذاته، وليس مجرد وسيلة لعلاج مشكلة سياسية.
لقد عانت الأمة كثيراً من الصراعات الطائفية، وعلى كل واعٍ أن يبذل جهده للتخفيف من الاحتقان.
ولا ينبغي أن نستسلم لقوى التطرف والتشدد ونترك الساحة لها، فإن ذلك مضر بمصلحة أوطاننا ومجتمعاتنا، ومخالف لتوجيهات الدين.
وقد تحدث في اللقاء وداخل عدد من الكتاب والحاضرين ومنهم الأستاذ علي البحراني، والأستاذ فؤاد نصر الله، والأستاذ منير النمر، والأستاذ محمد الصادق، والأستاذ حسين العلق، والأستاذ محمد الشيوخ، والأستاذ حسن حمادة، والأستاذ أحمد الربح.