الشيخ الصفار يدعو للاهتمام بالمعاقين بتنمية طاقاتهم ودمجهم في المجتمع
الإيمان بالقضاء والقدر عقيدة المؤمن بالله تعالى الذي يعي بأن كل شي يقع فبإرادة وحكمة إله عليم، لذا يُسلّم ويرضى بما يقع عليه. حول هذه النقطة افتتح الشيخ الصفار حديث الجمعة في القطيف 17/8/1431هـ مركزًا موضوعها حول الاهتمام بالمعاقين. وقال موجهًا: إن من يبتلى بأي نوع من أنواع الإعاقات فعليه أن ينطلق من عقيدته الإيمانية التي تؤكد له حكمة الله فيما وقع. وحول نظرة المجتمع إلى المعاقين قال: يجب أن ننظر إليهم كأي فرد من أفراد المجتمع، وأن نتجاوز حالة الشفقة والعطف بهم فقط، إلى حالة إدماجهم في المجتمع وتنمية طاقاتهم ومواهبهم. وقال مؤكدًا: يجب أن نحسن التعامل معهم، وأن نراعي مشاعرهم، وأن يمنحوا مزايا خاصة بهم، وقوانين مناسبة، وأن نشركهم معنا في كل شي. مشيرًا إلى أن كثيرًا ممن عندهم إعاقات معينة لديهم قدرات ومواهب، وأن النقص الذي عند المعاق لا يعني عجزه كليًا.
وقد فرّق سماحته في الخطبة الثانية بين التوكل والتواكل، وقال بأن التوكل على الله مفهوم له قوة خارقة على نفس الإنسان وإرادته حيث إن التوكل يعني أن يعمل الإنسان للشيء الذي يريد تحقيقه بمقدار استطاعته مستمدًا قوته من الله تعالى. أما المتواكلون فإنهم ينتظرون المدد من الله دون عمل. وقال بأن كل عمل يواجه مشاكل وعقبات وما من شيء يقاومها أقوى من التوكل على الله، "التوكل حالة نفسية تصد الخوف والفشل، وتدفع المتوكل على الله إلى الأمام والمضي قدمًا لتحقيق عمله، بخلاف المتواكلين، أو من لا يتكلون على الله حق الاتكال، فإنهم وأمام أدنى عقبة يتراجعون".
الحمد لله غافر الزلل، وساتر الخلل، ورافع العمل، ذي المجد والسلطان، والطول والامتنان، والجود والإحسان. أحمده تعالى على نعم أغدقها، وألطاف بسطها، ومحن كشفها وفرقها. وأشهد ألا اله إلا الله وحده لا شريك له، يسبح له البحر بجزره ومده، وإن من شيء إلا يسبح بحمده.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، النبي الذي جاء بالحق و العدل، وحارب الظلم والجهل. صلى الله عليه وآله خير البرية، أئمة الهدى ومصابيح الدجى وأعلام التقى.
عباد الله!
أوصيكم ونفسي قبلكم بتقوى الله الذي إليه مرجعكم ومآبكم، وبيده موتكم وحياتكم، فاتقوا الله ما استطعتم، واسمعوا، وأطيعوا، وأنفقوا خيرا لأنفسكم.
ورد عن رسول الله أنه قال: (يقول الله عز وجل: من لم يرض بقضائي، ولم يشكر لنعمائي، ولم يصبر على بلائي، فليتخذ ربًا سواي)[1] .
الإيمان والرضا بالقضاء والقدر عقيدة الإنسان المؤمن الذي يؤمن بأن للكون إلهاً خالقًا حكيمًا، وأن كل ما يجري في الكون من خير الأمور وشرها هي من تقديره عز وجل، وذلك لحكمة شاءها وقدرها.
انطلاقًا من هذه العقيدة فإن الإنسان يقبل بما يقع عليه من أمور مما لا قدرة له على دفعها، ويتقبلها بطيب نفس. قضية الموت مثلًا أمر بيد الله عز وجل، وليس للإنسان قدرة على دفعه، فإذا وقع الموت على عزيز له، فليس له إلا التسليم لقضاء الله وقدره كما تمليه عليه عقيدته الصحيحة. ومن مظاهر القدر الإلهي هو حصول الإعاقات في هذه الحياة.
هذه الإعاقات قد تكون جسمية فيزيائية، كأن يفقد الإنسان عينه، أو سمعه، أو يده. وهناك إعاقات عقلية، كصعوبة الفهم والإدراك. وثالثًا الإعاقات النفسية، كالاضطرابات والوسواس القهري وما شابه. ويطلق على المصابين بأي نوع من أنواع الإعاقات اسم معاقين، أو ذوي الاحتياجات الخاصة.
وتكون هذه الأنواع الثلاثة من الإعاقات ـ التي يبتلى بها الإنسان ـ إما وراثية لا دخل للإنسان فيها، وقد تكون بسبب حادث ما. فالحروب مثلًا تخلف عددًا كبيرًا من المعاقين، والكوارث الطبيعية، وحوادث المرور، وحوادث العمل وما شابه، كلها تخلف وراءها إعاقات بشتى أنواعها.
حينما يبتلى الإنسان بإعاقة ما في جسمه أو في عقله أو في نفسه، وراثية كانت أم طبيعية، فماذا يصنع؟
من يبتلى بإعاقة ما، فهو في أحضان قضاء الله وقدره، فعليه أن ينطلق من عقيدته الإيمانية التي تؤكد له أن ما حصل كان بتقدير الله عز وجل، فعند ذلك ليس له إلا التسليم بقضاء الله وقدره والرضا بهما.
وقد أصبحت الإعاقات على مستوى العالم تُدْرس ويعتنى بها على مدار بحث كبير، وذلك لوجود عدد كبير من المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة. في العالم العربي وحده هناك عشرون مليون معاق وهو رقم أقل بكثير مما تعاني منه الصين وحدها والذي يبلغ ثمانين مليون معاق. وفي بلدنا الحبيب يوجد أكثر من سبعمائة وعشرين ألف معاق, والنسبة الكبرى منهم للذكور حيث تصل 55.80 % في مقابل 44.20% للإناث. وأما الإعاقات الوراثية عندنا فتصل ما بين أربعمائة إلى خمسمائة طفل يولد معاقًا في السنة حسب بعض التقارير.
وما دامت كل المجتمعات يوجد فيها شريحة من المعاقين، فكيف ينبغي أن يتم التعامل معهم وبهم؟
في الماضي كانت بعض المجتمعات تتخلص من المعاق، حيث يعتبرونه عبئاً على المجتمع، ولا فائدة ترجى منه. وفي فترة لاحقة صارت بعض المجتمعات تبقي المعاق، وتعزله عن المجتمع. وفي بعض المجتمعات يتعاملون مع المعاق بازدراء واحتقار، حتى بعض الأسر تخفي معاقها عن الناس, وكأنه عيب ومصدر حرج لهم، وهذا خلاف الرضا بالقضاء والقدر.
الآن ولله الحمد أصبحت لدى كثير من المجتمعات ثقافة جديدة، فهناك اهتمام عالمي بالمعاقين حتى إنهم استبدلوا كلمة المعاقين بذوي الاحتياجات الخاصة، حتى لا تؤثر الكلمة في نفوسهم ويكون لها أثر سلبي عليهم، أما كلمة ذوي الاحتياجات الخاصة، فهي تعني أن هذا الشخص عنده حاجة ناقصة، وهو بحاجة إلى علاجها، أو تجاوزها حتى لا تعيقه عن أداء دوره كبقية الناس. لقد خطى العالم الإنساني المتقدم خطوات كثيرة إلى الأمام تجاوزت حالة الإشفاق بالمعاقين فقط, إلى مستوى أكبر وأهم، فبالإضافة إلى هذه النظرة الحانية صاروا ينظرون إلى أهمية إدماجهم في المجتمع والاستفادة من طاقاتهم المتعددة، ومعاملتهم كأي فرد من أفراد المجتمع، بل يضعون لهم قوانين خاصة، وأنظمة مناسبة لهم، وامتيازات خاصة كما في الطيران، ومواقف السيارات، وغير ذلك مما يشجعهم للاندماج في المجتمع وهذه حالة متقدمة. وهناك أكثر من ألف وخمسمائة مدرسة تحت عنوان دمج المعاقين هي مدارس شتاينر. وقد بدأت عندنا هذه الخطوة تأخذ مجراها وهذا أمر طيب.
لاشك أن هناك أسباباً تدعونا للاهتمام بهذه الفئة من الناس:
أولًا: هؤلاء بشر ولهم كل مقومات الإنسانية، وهم مكرّمون كبقية الناس، ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾.
ثانيًا: الدين يدعونا للاهتمام بهم. في السابق بسبب الجهل كان الناس يزدرون هذه الفئة من الناس، أما الآن وبفضل تقدم العلم فقد أصبحوا يهتمون بهم، وتم تجاوز حالة عزلهم، وهذا الأمر الذي يوجهنا له الدين الكريم. ورد عن رسول الله قال: (لا تديموا النظر لأهل البلاء والمجذومين؛ لأن ذلك يحزنهم)[2] . الرسول يهتم بمشاعرهم، ويرفض إدخال الحزن في نفوسهم والذي قد تسببه نظرة غير طبيعية. الإمام الصادق أيضًا كان يقول: (من نظر إلى ذي عاهة أو مَن قد مُثّل به، أو صاحب بلاء، فليقل سرًا في نفسه من غير أن يسمعه: الحمد لله الذي عافاني)[3] . وعنه : (إسماع الصم من غير تضجر صدقة هنيئة)[4] . فثواب الاهتمام بهم ثواب عظيم عند الله.
ثالثًا: الشخص المعاق كسائر الناس، أبتلي بشيء ما، وهذا الشيء قد يصيبك ـ لا سمح الله ـ لا حقًا، فليس هناك من يضمن لك سلامة جسمك ونفسك وعقلك ما دمت حيًا، نسأل الله تعالى للجميع السلامة, وإذا سَلِم الشخص نفسه فقد يبتلى بأحد أفراد أسرته، فلا راد لقضاء لله تعالى. ولا شك أن هذا أمر يدفع إلى حسن التعامل معهم؛ لأنه ابتلاء قد يتعرض له أي احد.
رابعًا: النقص الذي عند المعاق لا يعني عجزه كليًا. لذا لابد من مساعدتهم على تفجير طاقاتهم، فكم مِن مخترع ومكتشف ومفكر كانوا معاقين. نيكولاس ماوندرسن، ولد أعمى وتغلب على إعاقته وأصبح عالمًا في الرياضيات وأستاذًا في جامعة كامبردج. أبو العلاء المعري، الشاعر الفيلسوف أصيب بالعمى وهو في الثانية من عمره، وما عاقه ذلك. والأديب طه حسين عميد الأدب العربي أيضًا كان أعمى. الأمريكية هيلين كيلر (1880 – 1968م) أعجوبة المعوقين في العصور، لديها ثلاث عاهات: صماء بكماء عمياء، ولكنها عن طريق لغة الإشارة، وما تمليه على من حولها من حركات، أصبحت من كبار الشخصيات، وحققت على ما قدمت جوائز عديدة، وقد تبنّت الاهتمام بتحسين وضع المكفوفين في الدول النامية ألقت محاضرات في أكثر من 25 دولة، وهي مؤلفة عالمية ترجمت كتبها لأكثر من 50 لغة ومن كتبها: يجب أن نؤمن بالله. تقول فيه: "قد لا يصدق الكثيرون أنني حينما كنت أفكر في الله تفكيرًا متواصلًا عميقًا، كنت في بعض الأحيان أسمع من يحدثني، ويشجعني، ويشد أزري، نعم كنت أسمع ذلك على الرغم من أنني صماء!! ولولا معاونة الله وقدرته لما تمكنت إطلاقًا من تحقيق أي شيء مما حققته، ومما يعجز عنه الملايين ممن يتمتعون بحاسة البصر، والسمع، والقدرة على الكلام".
لذلك لا ينبغي أن ينظر إلى المعاق أنه عبء على المجتمع وأنه لا نفع يرجى منه. في سفري الأخير إلى أميركا رأيت بعضًا من أبنائنا المبتعثين من ذوي الاحتياجات الخاصة، وقد كانوا منبهرين من تعامل الأمريكان معهم، وكيف كانوا يبادرون إلى خدمتهم.
الإعاقة ابتلاء من الله عز وجل، لذا إذا وقعت على شخص ما، فعليه التسليم بقضاء الله وقدره. وأن لا ييأس من رحمة الله عز وجل. وعليه أن يفجر طاقته ويستفيد من مواهبه التي أودعها الله فيه. وعلى عائلته أن تهتم به، وعليهم أن يعلموا أن هذا الاهتمام هو عمل من أعمال البر، وهو من أفضلها، و(صدقة هنيئة) كما يقول الإمام . كما أن هناك مبالغ تصرف للمعاقين من قبل الدولة، لكن البعض يتصرفون في هذه المبالغ خارج مصلحة المعاق، وهذا حرام لا يجوز وهو أمر غير سوي. وعلى المجتمع أن يعاملهم باحترام، وأن يشيد المؤسسات للرعاية بهم والاهتمام بصقل مواهبهم. كدور الرعاية النهارية، وهو أمر مهم. كما يجب وضع القوانين من قبل الدولة التي تضمن حقوق هؤلاء الناس في الدراسة والعمل وغير ذلك.
نسأل الله لنا وللمؤمنين الرحمة والصحة والعافية، وأن يلبس المرضى لباس الشفاء، إنه سميع الدعاء قريب مجيب.
قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾[سورة العنكبوت: الآيتان 58- 59].
هناك مفاهيم إذا لم تعرف على حقيقتها فإنها تسبب للإنسان انزلاقات في فكره وحياته، كما أن هناك وسائل تستلزمها الحياة ولكنها إذا لم تستخدم بالشكل الصحيح فإنها تضر وتؤذي.
التوكل على الله هذا المفهوم الذي يتلقاه الإنسان المسلم من بيئته ومن أجوائه الدينية ماذا يعني؟ وكيف يتعامل معه؟
البعض يفهمه على أنه السكون والركون، وعدم العمل. يتمنى الشيء وينوي التوكل على الله، وهذا لا شك أمرٌ خاطئ فهذا يسمى التواكل وليس التوكل. التوكل أن يعمل الإنسان للشيء الذي يريد تحقيقه بمقدار استطاعته، مستمدًا قوته من الله تعالى. وفي أي عمل يقوم به الإنسان قد يواجه نوعين من المشاكل: مشاكل من داخل نفسه. وهي الهواجس والشكوك التي تدور في باله، حول إمكانية النجاح فيما هو مقدم عليه, وثقته بذاته في انجازه, هل أستطيع أم لا؟ سهل أم صعب؟ وهذه لها أثر في أن تقعده عن العمل. وهناك مشاكل خارجية حيث يواجه عقبات في مسيرة حياته، وهي أيضًا تؤثر عليه سلبًا بأن ترجعه إلى الوراء، بل قد توقفه عن العمل. هذه المشاكل بنوعيها تتطلب من الإنسان قدرة على مواجهتها والتغلب عليها، والتوكل هي القدرة الخارقة التي تقاوم هذه المشاكل، فما دام الإنسان واثقًا من نفسه، ومن عمله، فهو يمضي في أمره ويقول: توكلت على الله.
التوكل حالة نفسية تصد الخوف والفشل، وتدفع المتوكل على الله إلى الأمام، والمضي قدمًا لتحقيق هدفه، بخلاف المتواكلين، أو من لا يتكلون على الله حق الاتكال، فإنهم وأمام أدنى عقبة يتراجعون. ولهذا يمدح الله عباده العاملين المتوكلين وليس القاعدين, كما في الآية الكريمة: ﴿نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ ثوابهم عظيم، وصفتهم الصبر ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ وأيضًا يثقون بالله تعالى حيث يتوكلون عليه: ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾. ويقول تعالى في آية أخرى، حول من يواجه عقبات اجتماعية تثبطه عن عمله الذي يراه صحيحًا: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾[سورة آل عمران: الآية173].
هكذا يعلمنا القرآن الكريم كيف يتوكل المؤمن على ربه، ورسول الله كان يوضح إلى أصحابه معنى التوكل على الله تعالى وأهميته، كما ورد عن أنس بن مالك قال: قال رجل: يا رسول الله أعقلُها وأتوكل، أو أطلقها وأتوكل؟ قال: اعْقْلها وتوكل[5] . وذات يوم رأى رسول الله قومًا لا يزرعون، قال: ما أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون. قال: لا بل أنتم متواكلون[6] .
وروي أن قوما من أصحاب رسول الله لما نزلت: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ أغلقوا الأبواب وأقبلوا على العبادة وقالوا: قد كفينا، فبلغ ذلك النبي فأرسل إليهم قال: ما حملكم على ما صنعتم؟ فقالوا: يا رسول الله تكفّل لنا الله بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة، قال: إنه من فعل ذلك لم يستجب له، عليكم بالطلب[7] .
وقال : (يا أيها الناس توكّلوا على الله، وثقوا به، فإنه يكفي ممن سواه)[8] .
وعن أمير المؤمنين : (أقوى الناس إيمانا، أكثرهم توكلا على الله سبحانه)[9] .
وعنه : (من وثق بالله توكل عليه)[10] .
وقال أيضًا: (من توكل على الله ذلّت له الصعاب، وتسهّلت عليه الأسباب)[11] .
وفي رواية أن لقمان قال لابنه: (يا بني ثق بالله ثم سل في الناس هل من أحد وثق بالله فلم ينجه؟ يا بني توكل على الله ثم سل الناس من ذا الذي توكل على الله فلم يكفه؟)[12] .
هذه الروايات تعلمنا كيف نتوكل على الله؟ وهناك جانب آخر يعلمنا هذا الأمر أيضًا وهو الأدعية الواردة عن أئمة أهل البيت ، وهي ذات مضامين عظيمة، وتغرس في نفوسنا مفهوم التوكل على الله عز وجل، وأن لا تكون المشاكل مهما كثرت سببًا لليأس والإحباط. ومن تلك الأدعية المباركة مناجاة المعتصمين للإمام زين العابدين يقول فيه:
(أَللَّهُمَّ يا مَلاَذَ اللائِذِينَ، وَيا مَعاذَ الْعآئِذِينَ، وَيا مُنْجِيَ الْهالِكِينَ، وَيا عاصِمَ الْبآئِسِينَ، وَيا راحِمَ الْمَساكِينِ، وَيا مُجِيبَ الْمُضْطَرِّينَ). إلى أن يقول: (وَما حَقُّ مَنِ اعْتَصَمَ بِحَبْلِكَ أَنْ يُخْذَلَ، وَلا يَلِيقُ بِمَنِ اسْتَجَـارَ بِعِزِّكَ أَنْ يُسْلَمَ أَوْ يُهْمَلَ. إلهِي فَلا تُخْلِنا مِنْ حِمايَتِكَ، وَلاَ تُعْرِنَا مِنْ رِعَايَتِكَ، وَذُدْنا عَنْ مَـوارِدِ الْهَلَكَةِ، فَإنَّا بِعَيْنِكَ وَفِي كَنَفِكَ، وَلَكَ أَسْأَلُـكَ بِأَهْـل خاصَّتِكَ مِنْ مَلائِكَتِكَ ، وَالصَّالِحِينَ مِنْ بَرِيَّتِكَ، أَنْ تَجْعَلَ عَلَيْنا واقِيَةً تُنْجِينا مِنَ الْهَلَكاتِ، وَتُجَنِّبُنا مِنَ الآفاتِ، وَتُكِنُّنا مِنْ دَواهِي الْمُصِيباتِ، وَأَنْ تُنْزِلَ عَلَيْنا مِنْ سِكَيْنَتِكَ، وَأَنْ تُغَشِّيَ وُجُوهَنا بِأَنْوارِ مَحَبَّتِكَ، وَأَنْ تُؤْوِيَنا إلى شَدِيدِ رُكْنِكَ، وَأَنْ تَحْوِيَنا فِي أَكْنافِ عِصْمَتِكَ بِرأْفَتِكَ وَرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ).
اللهم اجعلنا من العاملين في سبيلك المتوكلين عليك، إنك سميع مجيب.