الشيخ الصفار: انتظار الإمام أمل وعمل
بمشاركة سماحة الشيخ حسن موسى الصفار والشاعر سعيد الشبيب والرادود (السيد ثامر الشخص) أقام مسجد الرسول الأعظم بصفوى احتفالا بمناسبة ميلاد الإمام المهدي (عج) مساء يوم الأحد ليلة الأثنين 13/8/1431هـ.
تحدث فيه سماحة الشيخ حسن الصفار عن بناء الشخصية الملتزمة، وبناء المجتمع الإيماني القوي، ومشاركة الشيعة في ترشيد مسار الأمة، مطالبا إياهم بالحضور على المستوى العالمي.
بدأ الشيخ الصفار كلمته بحديث عن رسول الله أنه قال: لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلماً وجوراً وعدواناً, ثم يخرج رجل من عترتي, أو من أهل بيتي, يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً (الألباني: محمد ناصر الدين, سلسلة الأحاديث الصحيحة, ج 4 ص 39).
وحديث آخر انه التفت إلى ابنته وبضعته فاطمة الزهراء وقال: ابشري يا فاطمة فان المهدي منك (كنز العمال ح 34208).
ثم أشار سماحته إلى أن قضية الإمام المهدي (عج) تكون أكثر حضورا في مثل هذه الليال في ذهن ووجدان المؤمنين، وهي قضية لا تغيب عن ذهن كل مؤمن، لكنها تتجدد، وتتأكد في مثل هذه المناسبة العظيمة.
قضية الإمام المهدي (عج) التي تسالم المسلمون على ثبوتها عن رسول الله للأحاديث الواردة، التي لم تقتصر على مذهب دون آخر، بل انه يمكن القول بكل ثقة: أنه ليست هناك قضية وردت فيها أحاديث وروايات متواترة بعضها لفظا، وبعضها تواترا في المعنى، بمستوى هذه القضية وذلك لأن أهم أفاق هذه القضية أنها تعزز الأمل في نفس الإنسان المؤمن، مهما ادلهمت الخطوب، وقست الأوضاع واشتدت الفتن يبقى المسلم يعيش الأمل والتطلع والثقة بالمستقبل، ولا شك ان لهذه المعاني أثرا كبيرا في نفس الإنسان وسلوكه، فحينما تحيط به المشاكل على الصعيد الفردي، أو على الصعيد الجمعي، فإن هذه المشاكل في بعض الأحيان تحدث أزمة في داخل نفس الإنسان، فيفقد الأمل، ويسيطر عليه اليأس والإحباط، وحين يسيطر اليأس والإحباط على نفس الإنسان الفرد، أو تسود أجواء اليأس والإحباط في أجواء المجتمع، فإن ذلك يؤدي إلى سلوك مأزوم، وقد يؤدي إلى الهروب أو الانتحار.
إن الفرد الذي يواجه مشكلة ولا يرى أمامه ضوءً في آخر النفق قد يفكر بالانتحار، أو يشعره ذلك بالاكتئاب، وقد يصيبه بالعقد النفسية المختلفة ويدفعه إلى الانتقام ممن حوله، وهذا معروف لدى علماء النفس، ويبحثونه في علوم المجتمع، فحينما بحث العلماء في أسباب بعض الجرائم، وبعض المشاكل التي يقوم بها الأفراد، اتضح لهم حصول مثل هذه الأزمات في نفوسهم، وهكذا على مستوى المجتمعات، فالمجتمع الذي يرى نفسه أمام طريق مسدود تتخبط به المشاكل والأزمات، ولا يرى مخرجا منها، هذا الشعور قد يدفع المجتمع إلى التأزم, وإلى سلوك طريق خطأ.
إن هذه العقيدة (العقيدة بالإمام المهدي / انتظار الفرج) هي التي جعلت نفوس المؤمنين عبر الأجيال مطمئنة ومتمسكة بخط أهل البيت ، برغم ما واجهوا من صعوبات، وما عانوه على مدى الزمن، سواء في ظل السلطات الأموية، أو في ظل الحكومة العباسية، أو غيرهما من الحكومات الأخرى الظالمة، التي واجه منها شيعة أهل البيت العناء والإبادة في بعض الأحيان، وواجهوا القمع في كثير من الأحيان.
ما الذي جعل هذه الطائفة وهؤلاء الأتباع يتمسكون بنهج الاعتدال والسلم، وبنهج التعقل بحكمة وهدوء؟.
إن من الأسباب الرئيسة هذه العقيدة (انتظار الفرج) التي لم تسمح بتحول المشاكل والأزمات إلى عقد في داخلهم، وإلى إحباط ويأس في نفوسهم.
هناك بعض الخطوط في داخل مدرسة أهل البيت لم تأخذ بهذه التوجيهات من الأئمة فكانت النتيجة ضعفا في التقدم والنمو.
ومسيرة الخوارج التي اتسمت بالشدة والعنف نرى كيف أنها لم تستطع الانتشار والتوسع في ارض الأمة، لكن منهج أهل البيت بما فيه من تعقل وحكمة، وبما فيه من أمل وتطلع، استطاع ان يواجه كل الضغوط، والمشاكل والأزمات، فرب أزمة تأتي فيظن البعض أن أتباع هذا المنهج لن تقوم لهم قائمة، ولكنهم يتجاوزون تلك الأزمات بقوة اكبر.
إن روح الأمل أمر مهم جدا، فهو روح الثقة بالله، وروح التطلع إلى المستقبل، هذا ما تعززه لنا فكرة انتظار الفرج، وكما ورد عن النبي أنه قال: أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج، فـ (أفضل الأعمال) بمعنى انه (عمل)، وهذا يوضح أن الانتظار ليس مجرد أمل، إنما هو برنامج عمل، وليس برنامج تقاعس.
ولأن الانتظار برنامج عمل نتحدث عن أمور أربعة، بمثابة البرنامج العملي للمؤمنين في زمن الغيبة.
فحينما يعتقد إنسان ان له قيادة معصومة، وأن هذه القيادة قد تظهر في أي لحظة من اللحظات، وانه يتمنى ويتطلع ان يكون جنديا من جنود تلك القيادة، كما هو معنى الانتظار، والإيمان بالإمام المهدي، فان ذلك يعني ان يهيئ نفسه كما يتهيأ الجندي للدخول في المعركة، وأن يتدرب ويجهز عدته، وإلا كيف سيخوض المعركة؟ الإنسان المؤمن بالإمام المهدي يجب ان يعيش الالتزام على المستوى الشخصي، ان يكون ملتزما دينيا رغم التحديات الكبيرة، لان الأهواء والشهوات الأجواء المغرية ووسائل التأثير المختلفة تجعل من عملية الالتزام أمرا شاقا، روي عن الإمام جعفر الصادق انه قال: يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فقلت - زرارة يسأل الإمام : ما يصنع الناس في ذلك الزمان؟ قال يتمسكون بالأمر الذي هم عليه حتى يتبين لهم (البحار 52/149 ح75).
وعن الإمام الجواد عن جده أمير المؤمنين أنه قال: للغائب منا غيبة أمدها طويل... ألا فمن ثبت على دينه، ولم يقس قلبه لطول أمد غيبة إمامه، فهو معي وفي درجتي يوم القيامة (نفسه 52/109 ح1).
وعن الإمام الصادق قال: ان لصاحب هذا الأمر غيبة المتمسك فيها بدينه كالخارط للقتاد.. ثم اطرق مليا, ثم قال: إن لصاحب هذا الأمر غيبة فليتق الله عبد عند غيبته وليتمسك بدينه (الكافي 1/336 ح1).
نصوص كثيرة تؤكد علينا هذا الأمر، فمن أراد الانتظار الصحيح عليه ان يتحلى بالورع ومحاسن الأخلاق.
وما أصعب الورع عن المحارم في هذا العصر، ان تكون ورعا في نظراتك، وورعا في لسانك وألفاظك، وفي ما تتناول من طعام وشراب، وان تكون ورعا في علاقاتك مع الآخرين، هذا هو شرط أساس من لم يوفر هذا الشرط في نفسه فلا ينبغي له ا ن يراهن على الأمل والرجاء والدعاء، إن على كل واحد منا ان يهي نفسه وان يساعد الآخرين على تهيئة أنفسهم، وأن نبني الشخصيات الملتزمة من حولنا من أبنائنا وأصدقائنا وان نصنع وندعم في البرامج التي تساعد على بناء الشخصيات الملتزمة.
المجتمع الذي ينتمي إلى أهل البيت ينبغي ان يكون مجتمعا قويا مترابطا متماسكا، فلأننا ننتمي إلى أئمة متميزين ينبغي ان يكون مجتمعنا متميزا، وهذا ما تؤكد عليه روايات أهل البيت ، كقول الإمام الصادق : يا معشر الشيعة, إنكم قد نسبتم إلينا, كونوا لنا زينا ولا تكونوا علينا شينا (البحار 85/199 ح83).
ينبغي للمجتمع المنتمى إلى أهل البيت ان يحلق في آفاق أهل البيت، يقول أمير المؤمنين : ألا وان لكل مأموم إمام يقتدي به ويستضيء بنور علمه، ألا وان إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع أو اجتهاد وعفة وسداد.
مجتمع المؤمنين يجب أن يكون متميزا في ترابطه الداخلي، فلا تعصف به الفتن والخلافات والنزاعات، لأن هذا يؤذي أهل البيت، ولا يقدم الصورة السليمة لأتباع أهل البيت، فحينما سأل رجل الإمام الصادق كيف من خلفت من إخوانك؟ فأجابه بحسن الثناء والتزكية والإطراء, كيف عيادة أغنيائهم على فقرائهم؟ فقال: قليلة, قال: وكيف مشاهدة أغنيائهم لفقرائهم, فقال: قليلة, قال: فكيف صلة اغنيائهم لفقرائهم في ذات أيديهم, فقال: انك لتذكر أخلاقاً قل ما هي فيمن عندنا, قال: فقال: فكيف تزعم هؤلاء أنهم شيعة (بحار الانوار ج 65 ص 168).
أتباع أهل البيت هم جزء من هذه الأمة الإسلامية العريضة، وهم معنيون بواقع الأمة وبحالها، وليس صحيحا ان الشيعة معنيون بأنفسهم، ولا شان لهم ببقية الأمة، كلا إنهم يشعرون بمسؤولية تجاه امة الإسلام، كما كان أئمة أهل البيت يشعرون بالمسؤولية، فرغم ما واجه أئمة أهل البيت من ظلم وأذى, لكنهم ما تخلوا عن مسؤوليتهم تجاه الأمة، ولم يتعاملوا معها بمنطق رد الفعل، لم نسمع أحدا منهم يقول: الأمة التي لم تعطنا مكانتنا ولم تستجب لإمامتنا وشاركت في ظلمنا لا شأن لنا بهم!!.
إن أئمة أهل البيت كانوا طوال حياتهم يحملون هم الأمة، ويفكرون في مصلحتها, ويعملون من اجل خيرها، بل حتى السلطات التي كانت تضطهد أئمة أهل البيت إذا واجهوا مأزقا أو محنة، كان الخلفاء يلجئون إلى أئمة أهل البيت، وكان أهل البيت يقومون بدورهم في إنقاذ الأمة من الفتن والمحن، وما كانوا يتصرفون على أساس الانتقام لذواتهم، إنما كانوا يشعرون بالمسؤولية تجاه مصلحة الدين، وتجاه مصلحة الأمة، ولسنا الآن بصدد ذكر الشواهد فانها كثيرة، لذا يجب علينا الحذر فهناك من يعمل لإيجاد صدام بين شيعة أهل البيت وبين الأمة, لإيجاد خلاف ونزاع, حتى يكون الشيعة في كفة, ويكون باقي الأمة الإسلامية بسائر مذاهبها في كفة أخرى، إن المتشددين التكفيريين انما يسعون لخلق هذه المعادلة، ويسعون من اجل ان تكون هذه الفئة من أتباع أهل البيت خارج الأمة، وكأن لا شأن لها بالأمة، بل وكأنها في حالة عداء مع الأمة، ولكن على الواعين من أتباع أهل البيت -والحال العام في أتباع أهل البيت هو حال الوعي – أن يفشلوا هذه الخطط، ويكونوا كما كان أئمتهم، هم الأخلص للأمة، والأخلص للدين، في أوقات الشدائد والمحن.
وهذا ما نرى بعض تجلياته فيمن يحملون راية الدفاع عن فلسطين؟ والفلسطينيين المحاصرين في غزة؟ ومن يحملون راية المقاومة ويدفعون الثمن الباهظ؟ برغم وجود مساومات كثيرة، فلو أن شيعة أهل البيت يتغاضون عن القضية الفلسطينية ويقبلون بوجود إسرائيل لكان الوضع وضعاً آخر، لكن دينهم واقتدائهم بأئمتهم وإخلاصهم لمبادئهم يفرض عليهم ان يسيروا في هذا النهج، لذلك يدفع الشيعة ضريبة باهظة بسبب هذه المواقف المبدئية.
صاحب العصر والزمان ليس منقذا لطائفة، ولا مخلصا لجماعة، ولا إماما لأمة وإنما هو منقذ للعالم كله، "يملا الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا"، ونحن الآن نعيش في عصر العولمة، وأذهان العالم متفتحة، وعقولهم تواقة للمعرفة، وبالخصوص معرفة حقائق أهل البيت، لذا يجب ان يكون هناك حضور على المستوى الدولي، لا ينبغي ان نبقى في حالة تقوقع، ولا نرضى بأن نحاصر، وأن نبقى في مساحات محدودة من التأثير، يجب ان ننطلق إلى العالم، ووسائل الانطلاق كثيرة، ونحن الآن نعيش في عهد المؤسسات الدولية، وفي عهد المنظمات العابرة للقارات والمؤسسات التطوعية والمدنية التي تخترق الحدود الدينية والقومية والعرقية والجغرافية، ولا ينبغي ان يكون الآخرون انشط منا، في الأمم المتحدة مجال للمنظمات الأهلية التطوعية، يمكن لأي منظمة دولية تطوعية ضمن مواصفات معينة ان تنضم إلى الأمم المتحدة، وان تكون ضمن منظومة المنظمات الأهلية التابعة لها، ولهم اجتماعاتهم ومؤتمراتهم، ولهم تأثيراتهم.
كم منظمة شيعية لدينا مسجلة في الأمم المتحدة؟ سيكون الجواب مخيبا، فلا يوجد أكثر من مؤسستين أو ثلاث، أين بقية المؤسسات؟ لماذا لا تطمح بعض مؤسساتنا الشيعية ان تصل إلى مستوى العالمية ؟ وتسجل ضمن المنظمات الأهلية في الأمم المتحدة، لماذا ليس عندنا صحافة دولية؟ لماذا ليس عندنا إعلام دولي؟ لماذا ليس عندنا نشاط اقتصادي دولي؟ في الماضي كانت هناك عراقيل وصعوبات كبيرة، إلى الآن هناك بعض الصعوبات، لكنها لا تحول دون الوصول إلى ذلك، الصعوبات يمكن تجاوزها، لذلك ينبغي ان نفكر على مستوى شيعة العالم في الحضور العالمي، ان يكون لنا رأي، ان يكون لنا حضور وبروز، وهذه هي مسؤوليتنا في هذا العصر، ونحن حينما نجتمع في هذه الليالي المباركة، إنما لكي نعاهد الله سبحانه وتعالى، ونعاهد الأئمة، ونعاهد ان نستمر صامدين ثابتين متمسكين موالين، رغم كل الضغوط والمشاكل، ورغم كل الفتن والأزمات.