ويؤكد على استقبال شهر الله بقلوب طاهرة من الأحقاد
الشيخ الصفار يدعو إلى إنشاء مؤسسات للتنمية الأسرية
دار حديث خطبة الجمعة للشيخ حسن الصفار في القطيف 25/8/1431هـ حول أهمية العلاقة الزوجية، وقال: "ليست هناك علاقة في العالم البشري أكثر عمقًا وانفتاحًا من العلاقة الزوجية". مشيرًا إلى التعابير الدقيقة في القرآن الكريم حول هذه العلاقة حيث عبّر عنها بالسكن، واللباس، وكذلك الإفضاء. مستدركًا سماحته بأن هذه العلاقة الوثيقة قد يشوبها ما يكدرها نظرًا لاختلاف الطبائع، وصعوبة الحياة ومتطلباتها. مؤكدًا على أن حل المشاكل بين الزوجين يكمن في ثلاث قنوات مهمة: الزوجان بنفسهما، ثم عائلتا الزوجين، وأخيرًا المجتمع. وحول تطوير هذا الجانب قال: "نحن الآن بحاجة إلى مأسسة إصلاح ذات البين، حيث أن الأمور تعقدت، والحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تطورت، نظرًا لتغير ظروف الحياة ومتطلباتها، ونظرًا لازدياد التعداد السكاني، فنحن بحاجة إلى أكثر من شخص وأكثر من متخصص ليقوم بهذا الدور، وبحاجة إلى مضاعفة الجهد لحل مشاكل الناس". "فالحمد لله لدينا تجار، وأهل خير وخبرة، وعلماء دين، ومثقفون، وزكاة ما عندهم من خير يكون بإنفاقه. ينبغي أن ندرك عمق التحديات التي نواجهها في هذا العصر، وأن نسعى لحل مشاكلنا، ومراجعة واقعنا".
وقد دعى سماحته في الخطبة الثانية إلى استقبال شهر رمضان الكريم، والتهيؤ لضيافة الله عز وجل, وأكد بأن ذلك يكمن عبر عدة أمور منها: التهيؤ الروحي، والتهيؤ النفسي، والتهيؤ العملي. وحول التهيؤ النفسي ذكر بأن هناك روايات كثيرة تؤكد على أهمية خلو النفس من الأحقاد والبغضاء لأن ذلك يبعد الإنسان عن عفو الله وكرمه. مشيرًا إلى أنه "من أسوء أنواع الأحقاد أن تحمل حقدًا على شخص لأنه لا يوافقك الرأي، ويختلف معك في توجهك". وقال مؤكدًا: "ينبغي علينا أن نرفض هذه الأحقاد وأن نزيلها من قلوبنا، حتى من يخالفنا في الدين أو المذهب نحن لا نحمل عليهم حقدًا نفسيًا، ولا ينبغي لنا ذلك، ولذلك نسعى لهدايتهم، ولتغيير انطباعاتهم وتفكيرهم".
الحمد لله الذي يرفع درجات العاملين، ويتقبل من المحسنين، ويتجاوز عن المسيئين. احمده تعالى حمدًا يليق بجلال وجهه، وعظيم مجده، وأشهد ألا اله إلا الله الواحد الأوحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد.
وأشهد أن محمدًا عبده المصطفى من بين العباد، ورسوله الداعي إلى الحق والرشاد، صلى الله عليه وآله الأئمة الهداة، والقادة الدعاة.
عباد الله! أوصيكم ـ ونفسي قبلكم ـ بتقوى الله والحذر من معصيته في السر والعلن، إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ﴾ [النساء 35].
ليست هناك علاقة في العالم البشري أكثر عمقًا وانفتاحًا من العلاقة الزوجية، التي تكون بين زوج وزوجة. وقد عبّر القرآن الكريم عن هذه العلاقة بمصطلحات فريدة من نوعها ومن ذلك:
ـ أنها سكن للطرفين. حيث يركن الزوج إلى زوجته والعكس، وكأنها المأوى إليه، وكأنه مأوى لها. فقال عز وجل: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم 21].
ـ علاقة الجسم باللباس. حيث قال تعالى: ﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾ [البقرة 187]. أترى كيف يحمي اللباس الجسم، ويستره، ويزينه، ويلتصق به؟ كذلك هي العلاقة الزوجية، تحمي الإنسان، وتصونه، وتزينه، ويكون هناك التصاق عميق بين الزوجين.
ـ الانفتاح الكبير بين الزوجين. حيث عبّر عن ذلك تعالى بقوله: ﴿وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء 21]. العلاقة الوثيقة بين الزوجين تجعل كلا منهما منفتحاً على الآخر جسمياً ونفسياً وروحياً بلا حدود.
هذه العلاقة المميزة الوثيقة كما تدفع نحو الاندماج والتناغم، قد يشوبها بعض الأكدار احياناً، فتفسد هذه العلاقة، وقد تفككها. ولأن العلاقة الزوجية واسعة في زمنها وميادينها فان احتمالات الاحتكاك فيها تكون أكثر من أي علاقة محدودة زمنياً أو في مجالات محددة.
منغصات العلاقة الزوجية:
هذه العلاقة الوثيقة قد ينغصّها عدة أمور ومنها:
أن كل زوج له طبائعه الخاصة، وقد لا يتفق مع زوجه عليها. حينما لا تناسب الطرف الآخر هذه الطبائع عندها يقع الاختلاف بينهما.
كذلك هناك ضغوط الحياة وصعوبتها والتي قد تسبب احتكاكًا وتنافرًا بين الزوجين. حتى طبيعة الأجواء وقسوتها لها أثر في ذلك، فهناك إحصائيات تشير إلى أن بعض الفترات الزمنية تزداد فيها الخلافات الزوجية كفترة الصيف، وقد يكون للتدخلات الخارجية من أهل الزوجين دور في خلق بعض المشكلات. ثم إن حالة الانفتاح الاعلامي والثقافي تسربت من خلالها كثير من القيم وانماط السلوك التي أثرت على بساطة الحياة التقليدية في مجتمعاتنا.
إذا وقعت المشكلة والخلاف بين الزوجين، فإن الرهان يكون عليهما. أن يبادر أحدهما إلى إرضاء الآخر، وحل المشكلة بالتفاهم بينهما، وتحمّل بعضهما بعضًا. ولكن إذا صعبت المشكلة، ولم يمكنهما حلها فهنا يأتي دور العائلتين: عائلة الزوج، وعائلة الزوجة. ينبغي أن يكون للعائلتين موقف مسؤول يسعى للصلح، لا أن يأجج المشكلة ويفاقهما. في بعض الأحيان ترى أهل الزوجة يصطفون مع ابنتهم ضد زوجها. وأهل الزوج ضد زوجة ابنهم، وهذا غير صحيح، ولا يعود بنفع للزوجين، سيما إذا كان بينهما أطفال. ينبغي من العوائل أن يكون لها موقف إيجابي لا سلبي، بأن يُشجع الزوج والزوجة على تفهم بعضهما بعضًا، وأن يتنازل أحدهما عن موقفه وعن بعض حقوقه للآخر حتى يعيدا جو الألفة بينهما. وهذا ما يشير إليه القرآن الكريم: ﴿فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا ﴾ [النساء 35].
والمرحلة الثالثة في حل المشكل بين الزوجين، إذا لم ينفع دور العائلتين، هو دور المجتمع. الخلافات الزوجية لا تبقى في حدودها، وإنما تترك آثارًا في المجتمع. كمٍ زوج انزلق إلى الحرام، وزوجة سعت إليه؟ أطفال ينحرفون، وقوع جرائم قتل، وسرقة، واعتداء، وأمور كثيرة تحصل في المجتمع بسبب المشاكل الزوجية. لذلك كان من المهم وجود من يقوم بإصلاح ذات البين ولهذا يدعو الله تعالى المؤمنين لذلك: ﴿إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم﴾ [الحجرات 10]. وفي الحديث عن رسول الله : (إصلاح ذات البين خير من عامة الصلاة).
في السابق كان إصلاح ذات البين يتم بشكل فردي، يقوم به كبير القوم، أو كبير العائلة. ولكننا الآن بحاجة إلى مأسسته حيث أن الأمور تعقدت، والحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تطورت، نظرًا لتغير ظروف الحياة ومتطلباتها، ونظرًا لازدياد التعداد السكاني، فنحن بحاجة إلى أكثر من شخص وأكثر من متخصص ليقوم بهذا الدور، وبحاجة إلى مضاعفة الجهد لحل مشاكل الناس.
في ذلك الزمن كان هناك شخص ما يقوم بعلاج المرضى، ولكننا الآن نحتاج إلى مستشفيات ومراكز صحية. وكان هناك معلم واحد لتعليم أبناء الحي، ولكننا الآن بحاجة إلى مدارس، وجامعات. كذلك بالنسبة لموضوع إصلاح ذات البين. فإننا بحاجة إلى مراكز ومؤسسات تقوم بهذا الدور.
في الدول المتقدمة الغربية، تجد عددًا كبيرًا من المؤسسات لمعالجة أسباب المشاكل الزوجية ومحاولة حلها، وتعقد لأجل ذلك المؤتمرات والندوات، وتشكّل دراسات علمية اجتماعية لمعالجة الأمر. في بلادنا بدأ هذا الاهتمام ولكننا نشكو من نقص في المؤسسات، و الدراسات، ومن الباذلين والساعين في هذا الجانب.
الآخرون لا يكتفون بالعلاج بل يهتمون بجانب الوقاية. في ماليزيا يفرض على الشاب والشابة أن يأخذا دورة تعليمية تعرّفهم عن الزواج، والحقوق، والواجبات، فهم مقبلون على مرحلة بناء أسرة، ومرحلة قيادة عائلة لها أثرها في المجتمع. كما يُطالب من يقود السيارة باستخراج رخصة القيادة، ولا يكون ذلك إلا بعد تمرين ودراسة، فالمقدم على الزواج أكثر احتياجًا إلى ذلك. هل فكرنا في أن نعمل دراسات للمشاكل القائمة عندنا، كمشكلة العنوسة، وتقليل موضوع الطلاق، وتيسير أمور الزواج، والتوفيق بين رأسين، واحتواء المشاكل الأسرية؟ ونحن بلا شك نحتاج إلى متخصصين في علم النفس وعلم الاجتماع بالإضافة إلى العلوم الدينية، وكلهم تجمعهم مؤسسة منظمة. إن عدم وجود هذه المؤسسات يشبه عدم وجود مدارس، ومستشفيات!
نحن بحاجة ماسة إلى هذه المؤسسات، في المنطقة الشرقية يوجد مركز التنمية الأسرية بالاحساء، تأسس عام 1426هـ. فيه فريق متخصص من طلبة العلم، وأخصائيين تربويين ونفسيين، مهمتهم تقديم الخبرة والمشورة والحل للأسر حتى عن طريق الهاتف. عندهم ستون مستشاراً ومستشارة ويستقبلون كل يوم ما بين 40 إلى 80 مكالمة هاتفية, وهو رقم يرمز إلى زيادة عدد المشاكل العائلية. وقد نجحوا في حل عدد كبير من المشاكل. وفي جمعية القطيف الخيرية هناك توجه لإطلاق مشروع مشابه وقد رصدت له ميزانية أولية من وزارة الشؤون الاجتماعية ولكنه يحتاج إلى الدعم المادي والمعنوي. ونعيد القول مؤكدين بأن مركزًا واحدًا لا يكفي، نحن بحاجة إلى المزيد. وينبغي أن نوسع مداركنا وآفاقنا، وأن لا نكتفي بالاهتمام ببناء مسجد وحسينية فقط ـ وهو أمر مهم ومطلوب ـ ولكن هناك أمورًا هامة يدعو لها الدين، ويجعلها من أكبر المهمات كإصلاح ذات البين.
والمسألة لا يمكن أن تتوقف عند الدعم الرسمي، فالحمد لله لدينا تجار، وأهل خير وخبرة، وعلماء دين، ومثقفون، وزكاة ما عندهم من خير يكون بإنفاقه. نشرت الصحف أمس بأن أربعين شخصًا من أكبر أثرياء أمريكا تعهدوا بإعطاء نصف ثرواتهم للجمعيات الخيرية والاجتماعية. هذا في أمريكا! فما بالنا نحن المسلمين نعاني من نقص العطاء؟ ينبغي أن ندرك عمق التحديات التي نواجهها في هذا العصر، وأن نسعى لحل مشاكلنا، ومراجعة واقعنا.
عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: دخلت على أبي الحسن علي بن موسى الرضا في آخر جمعة من شهر شعبان، فقال لي: يا أبا الصلت إن شعبان قد مضى أكثره، وهذا آخر جمعة فيه، فتدارك فيما بقي تقصيرك فيما مضى منه، وعليك بالإقبال على ما يعنيك، وأكثر من الدعاء، والاستغفار، وتلاوة القرآن، وتب إلى الله من ذنوبك، لِيقبِل شهر رمضان إليك وأنت مخلص لله عز وجل، ولا تدعنّ أمانة في عنقك إلا أديتها، وفي قلبك حقدًا على مؤمن إلا نزعته، ولا ذنبًا أنت مرتكبه إلا أقلعت عنه، واتق الله وتوكل عليه في سر أمرك وعلانيتك، ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ [الطلاق 3]. وأكثر من ان تقول فيما بقي من هذا الشهر: اللهم ان لم تكن غفرت لنا فيما مضى من شعبان فاغفر لنا فيما بقي منه. فإن الله تبارك وتعالى يعتق في هذا الشهر رقابًا من النار لحرمة شهر رمضان.
نحمد الله تعالى أن بلغنا وإياكم لهذا الشهر الكريم، ونسأله تعالى أن يبلغنا وإياكم لشهر رمضان المبارك. هذه الرواية وروايات كثيرة جاءت لتهيأ الناس في آخر شعبان لشهر رمضان فلماذا؟
لأن شهر رمضان شهر يكون فيه الإنسان في ضيافة الله عز وجل كما قال رسول الله : (شهر دعيتم فيه لضيافة الله تعالى). وحينما يدعى الإنسان إلى أن يكون ضيفًا عند شخص بارز كمرجع أو قائد أو ملك فإنه يفتخر بهذه الدعوة، وينتظرها بفارغ الصبر، ويهيأ نفسه لذلك اليوم حتى يكون في أكمل صورة. هذا مع شخص بارز، فكيف إذا كان الداعي هو الله عزّ وجل؟ وهل هناك أعز وأجل من الله تعالى؟ فكيف ستلقاه؟ وكيف ستهيأ نفسك للولوج إلى ضيافته؟
علينا أن نفكر بذلك مليًا. ولكي تلقى الله في هذا الشهر الكريم، وتحضى بحسن ضيافته فهناك ثلاثة أمور ينبغي أن تُعد لذلك:
أولًا: التهيؤ الروحي. وذلك عبر قراءة القرآن الكريم، والتدبر في آياته المباركات، وعن طريق كثرة الاستغفار، والدعاء، وعندنا أدعية كثيرة مباركة تشحن روح الإنسان بالنقاء والصفاء وتهيؤه لضيافة الله عز وجل.
ثانيًا: التهيؤ النفسي. روايات كثيرة تؤكد على تزكية النفس وتطهيرها من الأحقاد والأضغان في مثل هذه الأيام واستقبال شهر رمضان، فلماذا؟ ذلك لأنك تريد الاقتراب من الله والفوز بضيافته. حينما تريد الاقتراب من شخص ما فإنك تتعطر وتتزين إليه، وتلبس أجمل ما عندك، فكيف بك إذا كنت تريد الاقتراب من الله تعالى؟ الأحقاد والأضغان تعتبر أوساخاً وقاذورات تحمل روائح كريهة نتنة، فعليك بتطهير نفسك منها وإزالتها حتى تدنو من الله وتقترب منه. ولذلك يؤكد الإمام الرضا : (وفي قلبك حقدًا على مؤمن إلا نزعته). الحقد يعرّف بأنه الإمساك على العداوة في القلب. أي إبقاؤها في القلب. قد يغضب الإنسان للحظة، ولكن عليه أن ينسى تلك اللحظة وينسى ذلك الغضب، حتى لا يتحول إلى حقد ينتن نفسه. إذا أراد الشخص منا أن يتخلص من الرائحة الكريهة فإنه لا يحكمها داخل الغرفة بل يسعى لفتح منافذ لدخول الهواء حتى يزيلها. الأحقاد كذلك تحتاج إلى منافذ حتى تزول من النفس.
ومن أسوء أنواع الأحقاد أن تحمل حقدًا على شخص لأنه لا يوافقك الرأي، ويختلف معك في توجهك. مثل أن تحقد على شخص ما لأنه يلبس لباسًا لا يروق لك! تحقد على شخص ما لأنه يحمل فكرًا يخالف فكرك؟ لكل شخص اجتهاداته وقناعاته وتوجهاته، كما أنت لديك ذلك فلماذا تحقد عليه؟ وإذا سألك الله تعالى عن سبب حقدك على شخص ما، فبماذا ستجيبه؟ هل ستقول لأنه يعتقد بالرأي الفلاني؟ أو لأنه يقلد المرجع الفلاني؟ أو لأنه ينتمي إلى هذه الفئة؟ وهل سيقبل الله منك هذه الأسباب؟ هل كلّف الله أحدًا بمحاسبة عباده حتى تضع نفسك هذا الموضع؟
ينبغي علينا أن نرفض هذه الأحقاد وأن نزيلها من قلوبنا، حتى مع من يخالفنا في الدين أو المذهب نحن لا نحمل عليهم حقدًا نفسيًا، ولا ينبغي لنا ذلك، ولذلك نسعى لهدايتهم، ولتغيير انطباعاتهم وتفكيرهم. ولنا في سيرة أهل البيت أسوة وقدوة. رسول الله على ما لاقى من أذى أثناء دعوته أهل الطائف، جاءه ملك الرياح وملك المطر وغيرهما كلٌ يقول: ادع يا محمد ونحن نكفيك أمرهم. لكنه توجه إلى الله عزّ وجل وقال: (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون). يدعو لمن كال له العذاب والأذى كيلا! وكذلك الإمام الحسين ومع كثرة ما لاقى ممن أتوا لحربه وقتلوا من قتلوا من أهله وأنصاره، كان يبكي! ولما سئل أتبكي لما حلّ بك يا أبا عبدالله؟ قال: لا ولكني أبكي على هؤلاء يدخلون النار بسبب قتلهم أي – كما ينقل ذلك -.
الدين لا يسوّغ لنا الحقد والكراهية لاختلاف الناس معنا في الفكر والتوجه. هذا أمر يحرمه الشرع. الإمام علي بن أبي طالب له روايات كثيرة تحذر من الحقد يقول: (الحقد ألأم العيوب). (الحقد شيمة الحسد). ( الحقد من طبائع الأشرار). ويقول: (الدنيا أصغر وأحقر وأنزر من أن تطاع فيها الأحقاد). تحقد اليوم على شخص ما، لحظة وإذا بك تسمع عن موته، وانتقاله إلى عالم آخر، ولعلك من تسبقه إلى ذلك، ولكن إثم الحقد يبقى. يقول : (حقد المؤمن مقامه وحقد الكافر دهره).
ثالثًا: التهيؤ العملي. إذا أردت أن تحضى بضيافة الله عز وجل وتقترب منه، فلا تترك عليك أي حق للآخرين. عليك الخروج من عهدة حقوق الآخرين، وإن من أصعب المواقف غدًا في المحشر أن يطالبك أحد بحق له عليك. وشهر رمضان محطة مباركة لكي تتخلص من حقوق الآخرين وتؤديها. كما يوصي الإمام الرضا : ولا تدعنّ أمانة في عنقك إلا أديتها.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لاستقبال شهر رمضان المبارك بنفس طيبة زكية نقية حتى يقبلنا الله تعالى في ضيافته. مبتهلين إليه بهذا الدعاء:
اللهم إني أسألك أن تجعل لي إلى كل خير سبيلا، ومن كل ما لا تحب مانعًا، يا أرحم الراحمين، يا من عفا عني وعما خلوت به من السيئات، يا من لم يؤاخذني بارتكاب المعاصي، عفوك، عفوك، عفوك يا كريم. إلهي وعظتني فلم اتعظ، وزجرتني عن المعاصي فلم أنزجر، فما عذري، فاعف عني يا كريم عفوك عفوك. أللهم إني أسألك الراحة عند الموت، والعفو عند الحساب، عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك، يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة، عفوك عفوك.
اللهم أبقني خير البقاء، وأفنني خير الفناء، على موالاة أوليائك ومعاداة أعدائك، والرغبة إليك والرهبة منك، والخشوع والوقار، والتسليم لك والتصديق بكتابك، واتباع سنة رسولك صلواتك عليه وآله.