مؤكدًا أن وحدة الأمة من أبرز تجليات شعيرة الحج

الشيخ الصفار في خطبة الجمعة: سياسات التمييز أنتجت المشاكل في بلاد كثيرة

أكد سماحة الشيخ حسن الصفار أن من أسمى تجليات الحج هي تعزيز وحدة الانتماء بين أبناء الأمة، فهم يجتمعون في وقت واحد، ومكان واحد، ونسك واحد. أنها عبادة تلامس مصالح الأمة في هذه الحياة.

وأشار بأن الدين الكريم لم يكتف بالدعوة للوحدة، بل شرّع عبادات تعزز الشعور الوحدوي ومن أبرزها الحج، هذه الشعيرة التي ينبغى أن تعطى زخمًا جديدًا كل عام لوحدة الأمة، والاعتصام بحبل الله تعالى، وأن لا تدع مجالًا للتفرقة والانشقاق.

وحول أوضاع الأمة الراهنة قال: ينبغي لأمة تمارس هذه الشعيرة أن تكون من أكثر الأمم تماسكًا ووحدة، ولكنا مع الأسف الشديد لا نرى الانعكاس المطلوب. بل إن أوضاعهم لا تسر على هذا الصعيد، فهم يعيشون حالة التفكك والتمزق في أكثر من موقع.

وأعرب سماحته عن استيائه من بروز دعوات واتجاهات للانفصال كما في السودان واليمن والصومال، حيث قال بأن بعض البلدان تعيش هذا الهاجس، بسبب غياب العدل بين الشعوب، فتشعر بعض الشرائح بالغبن، وضياع الكرامة، فتكون الأجواء خصبة لزرع الفتن. لذلك لابد لكل دولة تأمل في استقرارها وحفظ وحدتها أن تأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، وأن تجسّد المساواة بين مواطنيها.

داعيًا إلى بث روح التعاون والعمل الجمعي وذلك بحمل الهم المشترك، والوعي السليم، وتنظيم العلاقات، وأخلاقيات التعاون.

وفي ذات السياق أكد في خطبة الجمعة التي ألقاها في القطيف 6/12/1431هـ على أهمية أخذ العبرة من الأحداث، فتلك سمة أولي الأبصار والألباب. وتساءل بأن الإنسان قد يصله تحذير من الخطر وقد يرى النتائج السلبية لوقوع غيره في الخطر فما هو المبرر من عدم اعتباره؟

أن من يقع في الخطر بعد كل ذلك فإنه يكون المسؤول عما يقع عليه ومستحق له إذ لم يأخذ حذره. مشيرًا إلى أن مشكلة كثير من الناس في عدم الاعتبار هي اللهو والغفلة، وسيطرة الأهواء والشهوات. مؤكدًا سماحته على أن أبلغ العبر هو الموت إذ لا مجال للشك في وقوعه، وأنه حق على الجميع.

الحمد لله الذي أذعن الوجود لإرادته، وشهد الخلق بحكمته، ونطق الكون بآيات قدرته.

نحمده تعالى على ما أسبغ وأسدى، وعلى ما أنعم وأعطى ونشهد ألا اله إلا الله وحده لا شريك له، تنزه عن مشابهة مخلوقاته، و تفرد بكمال صفاته.

ونشهد أن محمدا عبده ورسوله، نبي الحق والهدى، وأفضل الرسل والأنبياء.

صلى الله عليه وآله الدعاة إلى الله والأدلاء على مرضاته، والمخلصين في توحيده.

عباد الله..

أوصيكم ونفسي قبلكم بتقوى الله فإن التقوى هي ما يردع عن اتباع الشيطان وما يمنع من اقتراف الظلم والعدوان.

قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿فاعتبروا يا أولي الأبصار﴾.

قد يتلقى الإنسان تحذيرًا تجاه خطر ما، وهنا عليه أن يأخذ هذا التحذير بعين الاعتبار، لأنه لو وقع في المحذور سيكون ملومًا، فالذي وقع عليه لم يكن مفاجئًا، بل سبقه تحذير وإنذار. في المجال الإداري مثلًا يعطى للموظف إذا أخطأ إنذار، ولكنه في المرة الثانية قد يعاقب لتكرراه الخطأ وعدم اعتباره من خطئه السابق. وحينما يسير الإنسان في طريق مليء بالحفر والانحناءات الشديدة وهناك إشارات تحذير فإنه إذا وقع في الخطر فهو المسؤول وهو الملام. ولكن الأبلغ أن يرى إنسانًا يسير في نفس الطريق، ويرى وقوعه في المحذور، وبالرغم من ذلك لا يتعظ منه! بعبارة أخرى، قرأ ورأى إشارات التحذير، ثم رأى نتيجة مخالفة ذلك على غيره، وبالرغم من ذلك وقع في الخطر! فهل ثمة مبرر لفعله؟ أوليس هو المسؤول عما حدث له؟

القرآن الكريم يخاطبنا في أكثر من آية أن نتعامل مع الأخطار في حياتنا تعاملًا جديًّا، فهناك تحذيرات من عقولنا، ومن ديننا، وأكثر من ذلك أننا نرى النتائج العكسية للوقوع في الأخطار. ولذلك يقول تعالى مخاطبًا بني البشر: ﴿فاعتبروا يا أولي الأبصار﴾، أنتم يا من تلاحظون لكم أعين تبصرون بها، ويا من تعقلون لكم عقول يقظة تعي، رأيتم وسمعتم عما حلَّ بالأمم السابقة فاعتبروا منها: ﴿لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب﴾ لمن يُعمل عقله وفكره. والعبرة مأخوذة من مادة (اعتبار) وهي في الأصل العبور من شيء إلى آخر. فيقال للدموع عَبرَة لأن قطراتها تعبر من العين. وكذلك الناقلة البحرية تُسمى عبَّارة، ولتوضيح فكرة يقال عِبارة، ولتفسير رؤيا المنام يقال تعبير، والحال نفسه للحوادث التي فيها دروس وعظات يقال عِبر.

فالعبرة هي الانتقال من الحدث إلى الدرس والعظة، كأن يرى الإنسان شخصًا معاقًا بسبب التفحيط، فيتعظ ويتجنب الأمر. وكم في الدنيا من عبر، ولكن المشكلة أن الإنسان يلهو ويغفل، وتسيطر عليه الأهواء والشهوات.

الإنسان يسمع عن أضرار التدخين، ويرى غيره في حرب مع المرض بسبب التدخين، ولكنه مع كل ذلك، تمنعه الرغبة من أن يعتبر بما يسمع ويرى.

ويسمع عن أهمية النظام الغذائي، ويعلم أن الإفراط في التهام السكريات يؤدي إلى مرض السكري، ويرى كيف يعاني المصابون بهذا المرض، لكنه لا يستطيع أن يقاوم رغبته، فيغامر بصحته من أجل تلك الرغبة.

شباب في ريعان شبابهم، يسمعون عن آثار المخدرات، ويرون عواقبها، لكنهم في لحظة من لحظات الرغبة والشهوة ينحرفون ويصابون بداء الإدمان.

والفتيات يسمعن عن مشاكل الدردشة في الجوال والإنترنت، وأن ذلك يكون مدعاة لاستدراجهن، وابتزازهن، ويسمعن كثيرًا من القصص، وفظاعة النتائج، ولكنهن بالرغم من ذلك، يقعن في هذا الفخ. ألا يقرأن عن مثل هذه المشاكل التي وقع فيها غيرهن؟ ألا يسمعن الوعظ والنصح؟

يقرأ الإنسان عن الذنوب والمعاصي، وما يترتب عليها من اضرار دنيوية وأخروية, لكنه يتجرأ على خالقه ويعصي.

من هنا يركز القرآن الكريم على أهمية الاعتبار، وكذلك النصوص الواردة عن أئمة أهل البيت . أمير المؤمنين يقول: «السعيد من وعظ نفسه بغيره». لماذا تجعل من قصتك وقضيتك عبرة لغيرك؟ لماذا لا تعتبر أنت من غيرك حتى لا تقع فيما وقع الآخرون فيه. ويقول : «المؤمن ينظر الدنيا بعين الاعتبار». فيأخذ منها الدروس والعبر، قبل أن يكون هو درسًا لغيره. وعنه : «من جهل قل اعتباره». وجاء عنه : «ما أكثر العبر، وأقل الاعتبار» كثيرة هي الدروس التي ينبغي أن يستفيد منها الإنسان ولكن أين من يعتبر؟ ومن أبلغ العبر: الموت. فهل في الموت شك؟ الموت ليس حديثاً ينقل، ولا أمراً نتكهن به هل يقع أم لا، هل هو حق أم لا، وإنما هو واقع لا محالة. كل يوم نسمع عن ميت، أفلا يتبادر إلى ذهننا أننا لاحقون به، وأن مصيرنا هو نفس مصيره؟ أفلا يكون هذا مدعاة لاعتبارنا؟

يقول الإمام علي : «عجبت لمن نسي الموت، وهو يرى الموتى!». ويقول أيضًا : «ما رأيت إيمانًا مع يقين أشبه منه بشك على هذا الإنسان، إنه كل يوم يودع إلى القبور، ويشيع، وإلى غرور الدنيا يرجع، وعن الشهوة والذنوب لا يقلع، فلو لم يكن لابن آدم المسكين ذنب يتوكفه، ولا حساب يقف عليه إلا الموت يبدد شمله، ويفرق جمعه، ويؤتم ولده، لكان ينبغي له أن يحاذر ما هو فيه بأشد النصب والتعب». وسئل : ما الاستعداد للموت؟ فقال : «أداء الفرائض، واجتناب المحارم، والاشتمال على المكارم، ثم لا يبالي أوقع على الموت، أم وقع الموت عليه».

على الإنسان أن يعتبر مما يرى ويسمع، وأن يحذر من الغفلة والركون إلى الرغبات والشهوات. وكفى بالموت واعظًا. نسأل الله تعالى أن يهدينا إلى الحق، واتباع الحق، وأخذ العبر من هذه الدنيا حتى لا نقع فيما نكره، وما يغضب الله تعالى، إنه سميع الدعاء، قريب مجيب.

قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالًا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق، ليشهدوا منافع لهم، ويذكروا اسم الله في أيام معلومات﴾.

نعيش هذه الأيام أيامًا مباركة، حيث يستعد الحجاج لأداء مناسك حجهم، تلبية لنداء الله عز وجل، على لسان نبيه وخليله إبراهيم .

الحج عبادة عظيمة أنعم الله تعالى بها على هذه الأمة، إنها عبادة تلامس مصالح الأمة في الحياة، ولها أسرار عظيمة، نشير إلى بعد واحد منها، وهو تعزيز وحدة الانتماء، ووحدة الاتجاه عند أبناء الأمة.

المسلمون الذين تتعدد مناطقهم، وانتماءاتهم، ومذاهبهم، يجتمعون في مكان واحد، ووقت واحد، ويرددون شعاراً واحداً هو التلبية, ويؤدون نسكاً واحداً، فالدين الكريم لم يكتف بالدعوة للوحدة، بل شرّع عبادات تعزز مشاعر الوحدة وتربي عليها.

الحج الذي هو شعيرة عظمى، ويقصدها ملايين المسلمين كل عام، ينبغى أن تعطى زخمًا جديدًا كل عام لوحدة الأمة، والاعتصام بحبل الله تعالى، في مواجهة دواعي الفرقة والشقاق.

ينبغي لأمة تمارس هذه الشعيرة أن تكون من أكثر الأمم تماسكًا ووحدة، ولكنا مع الأسف الشديد لا نرى الانعكاس المطلوب. لو قارنا وضع المسلمين بالأمم الأخرى، لوجدنا أن الأمم الأخرى أقرب للاتحاد والاندماج والتعاون فيما بينهم. أما أوضاع المسلمين فإنها لا تسر على هذا الصعيد، فهم يعيشون حالة التفكك والتمزق في أكثر المواقع.

في الصومال حرب أهلية رهيبة، وفي السودان الدولة الواحدة يوشك أن تكون دولتين، واليمن الذي تفاءلنا بتوحده حيث كان دولتين شمالًا وجنوبًا، بات اليوم بعد عقدين من الوحدة يشهد بروز دعوات للانفصال.

وهناك حالات من الصراعات الخطيرة في أكثر من دولة ووطن كافغانستان وباكستان والعراق ولبنان.

كل ذلك بسبب غياب العدل بين الشعوب، فتشعر بعض الشرائح بالغبن، وضياع الكرامة، فتكون الأجواء خصبة لزرع الفتن، لذلك لابد لكل دولة تأمل في استقرارها أن تأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار.

وحتى إذا ابتعدنا عن الجانب السياسي، واستقرأنا الجانب الاجتماعي، فإننا سوف نجد فيه ضعفاً وهشاشة.

إذا كان الساسة يتنافسون على المناصب والمواقع، فماذا عن علماء الدين، والنشطاء الاجتماعيين؟ لماذا هذه الانشقاقات والنزاعات؟ لماذا لا يتحدون؟

إن هذا يؤكد حاجتنا لبث روح العمل الجمعي وإرادة التعاون، وهناك عوامل مهمة تساعد على تنمية هذه الروح:

أولًا: الهم المشترك.
ثانيًا: الوعي السليم لمعادلات الحياة.
ثالثًا: تنظيم وتقنين العلاقات.
رابعًا: أخلاقيات التعاون.

يقول أمير المؤمنين : «يا بني: اجعل نفسك ميزانًا فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك، وأكره له ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم، وأحسن كما تحب أن يحسن إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك، ولا تقل ما لا تعلم، وإن قل ّ ما تعلم، ولا تقل ما لا تحب أن يقال لك».

نسأل الله تعالى أن يوحد كلمة هذه الأمة، ويجمع شملهم، وأن لا يجعلهم عرضة للفتن والشقاق فتذهب ريحهم. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبيه محمد وآله وسلم تسليمًا كثيرًا.