عاشوراء.. ومسؤولية الإصلاح
تستقبلنا مطلع كل عام هجري جديد ذكرى ثورة أبي عبدالله الحسين، وقد شاء الله تعالى للمسلمين أن يستقبلوا عامهم ويستفتحوه بهذه الذكرى العظيمة لتذكرهم بمسؤولية الإصلاح وواجب التغيير، فالإمام الحسين ثار من أجل الإصلاح في الأمة.
الإصلاح ضرورة لكل أمة، وفي كل عصر وزمان ذلك أن عوامل الفساد والظلم والانحراف حينما تتسلل إلى داخل الأمة وتحصل فيها، فإن السكوت عنها وعدم مقاومتها يجعل الفساد منتشرًا، والظلم مهيمناً. لذلك تحتاج الأمة إلى الإصلاح في كل وقت إما لمقاومة الفساد، أو لمقاومة الجمود. فالجمود والركود لون من ألوان الفساد، فالعيش على نفس الوضع والمستوى هو بحد ذاته ظلم، ومنتج للفساد والانحراف.
الإصلاح مسؤولية يتحملها الواعون من أبناء الأمة، أما إذا اكتفوا بالتفرج أو التذمر، فسيسألون أمام الله والتاريخ عما يجري عليهم ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾.
في استقبال هذه الذكرى العظيمة علينا أن نتحمل مسؤوليتنا في إحيائها لأن إحياء ذكرى الحسين حياة لنا، وهذا هو سبب النصوص الصادرة عن الأئمة المعصومين التي تدعو لإحياء ذكرى الإمام الحسين «ع». إحياء عاشوراء يجب أن يوظف باتجاه الإصلاح وفي شتى الجوانب، لذا فالخطابة ومواكب العزاء ينبغي أن تركز على موضوع الإصلاح في الأمة والمجتمع. أن نصلح أفكار الناس حتى يتعلموا مفاهيم دينهم الصحيحة.
وعلى المصلح أن يعلم أن الثمن باهظ، ويتوجب عليه تحمل دفعه، وأن يتخذ من الإمام الحسين الذي ضحى بكل شيء قدوة له، فهو «ع» لم يجلس في بيته ويتحدث عن الإصلاح، وإنما خرج وضحى وتحمل، ونحن عندما نريد خدمة توجهات الإصلاح علينا أن نتحمل ذلك، فأصحاب الآراء الأخرى لن يتركوا من يخالفهم وشأنه، ويفسحون له المجال في فضح خطئهم.
نحتاج إلى الإصلاح الاجتماعي لحل المشاكل السلوكية، والأزمات المعيشية. ينبغي أن يكون موسم عاشوراء فرصة لكل مؤسسات العمل الأهلي التطوعي والاجتماعي من التبرع بالدم، ومساعدة الفقراء والمحتاجين، والانضمام في المؤسسات الأهلية الاجتماعية. ما دمت تحضر في مدرسة أبي عبدالله الحسين فعليك أن تنتهج نهجه، وأن تخرج من مجلس العزاء وأنت مستعد للسير على دربه فيما يرتبط بالإصلاح في أي شأن كان. وإلا فماذا استفدنا من الحسين ومن هذه المجالس؟ ينبغي أن نخلق زخمًا لصالح هذه المؤسسات الأهلية لمعالجة المشاكل التي يعاني منها المجتمع.
كما أننا بحاجة إلى الإصلاح السياسي، فحينما يعاني الناس في الوطن من مشاكل وضغوط بسبب ممارسات خاطئة فعلى الواعين من الناس أن يتحركوا لرفع الظلم والضغوط عن أنفسهم وعن مجتمعهم. ينبغي أن تكون هذه المناسبة فرصة لتصحيح الأوضاع السياسية، وهل ثار الإمام الحسين إلا حينما رأى الظلم والفساد قائمين متفشيين؟
حينما يواجه الناس مشكلة التمييز بينهم كمواطنين فإن هذه المشكلة لا ينبغي أن تغيب عن خطابنا، يجب أن نوعي الناس ونبصرهم الطريق لمعالجة الأمر، وأن نتحدث عنها بوضوح. في السابق كان الحديث عن مثل هذه الأمور صعبًا وممنوعًا، ولكننا في وقت أصبح المجال فيه متاحًا وبالوسائل المختلفة المشروعة.