سلفيون في بيوت الشيعة

في الوقت الذي تستعر نار الطائفية في العالم الإسلامي ويعاني منها وبسببها المجتمع ما يعاني من خلافات وصراعات لا تؤدي إلى شيء إلا إلى التخلف والتراجع إلى الوراء. وفي الوقت الذي تعاني كثير من مكونات المجتمع الواحد من حالات التمزق والتشرذم إما لخلل في فهم ثقافة الإختلاف أو لانجرارهم وراء مطامعهم الشخصية والجماعية المختلفة. نسمع ونرى بالرغم من هذا كله مبادرات إيجابية من قبل عقلاء القوم الوسطيين الذين يسعوون من خلال عملهم إلى التغلب على كلّ هذه التحديات والنهوض بأنفسهم وبمجتمعاتهم إلى المستوى الذي يرتقي إلى مستوى الإختلاف الإيجابي مع الآخر من خلال خلق بيئة علمية تبتعد عن شخصنة الخلاف وتأخذه بعيداً عن أعناق الزجاجات الخانقة.

من تلك التحركات الإيجابية تلك المبادرات التي يقوم بها سماحة الشيخ حسن الصفار من خلال انفتاحه على الآخر ودعوته لشخصيات وطنية متنوعة التوجهات والمشارب خصوصاً من التيار السلفي الذي كنا، إلى عهد ليس بالبعيد، نعيش معهم جموداً وقطيعة منقطعة النظير تصل إلى حد الكره والنفور. بيد أنّ واقع الحال هو أنّ حالة القطيعة الغير مبررة والمبنية في أغلبها على أوهام سرعان ما تتلاشى أو على الأقل تقل في حدتها بمجرد التواصل ومد الجسور الطبيعية التي تتلاقى مع طبيعتنا كبشر. ناهيك عن الحاجة الوطنية الملحة التي تدعو إلى الإلتفات لهذا الجانب المهم الذي من شأنه أن يكوّن اللحمة الوطنية المفقودة بشكلٍ ملحوظ بين الكثير من أبناءه ويبنيها البناء الصحيح والمناسب بحيث تشكّل سداً منيعاً في وجه كلّ التحديات العالمية والإقليمية والمحلية التي تعصف بهذا الوطن بين الفينة والأخرى.

عندما يُدعى مشائخ الإخوة السلفييون للمنطقة، وآخرها دعوة فضيلة الشيخ عيسى الغيث القاضي بالمحكمة الجزائية بالرياض ومستشار وزير العدل، عندما يدعى أمثال تلك الشخصيات لزيارة المنطقة والإجتماع بأهلها ومثقفيها ينفتح باب للحوار لم يكن متاحاً من قبل. بل تتاح لهم فرصة التعرف على طاقات هذه المنطقة وطبيعة أهلها وما يحملونه من فكر وتجربة وهموم في شتى المجالات. إضافة إلى أنه فرصة للتأكيد على إيجابية أبناء هذه المنطقة وتشبثهم بوطنهم وإصرارهم على الحوار مهما حاول من في قلوبهم مرض ومن لهم مصلحة إفساده أو التشكيك فيه.

ربما يتحفظ البعض على دعوة من لهم تاريخ في التشدد أو من هم باقون على تشددهم وهو تحفظ يحترم. ولكن هنا يجب أن نتوقف قليلاً ونتأمل في الهدف من ذلك التواصل أصلاً. إذا لم يكن الهدف هو الإستجداء او الإستعطاف أو تعريض النفس للإهانة. بل إيصال رسالة وطنية واضحة بأن قلوب أبناء هذه المنطقة، على الرغم من اختلافهم المذهبي والعقائدي، مفتوحة للجميع وأيديهم ممدودة لكلّ محاولة للتقارب والتواصل المبني على أساس وطني راسخ، بعيداً عن كلّ تلك الإثارات العقدية والفكرية التي لم تغير ولم تبدل طيلة هذه السنين. فذلك التواصل أمر لابد منه فمن خلاله نصل بطريق أكثر وعياً وأكثر هدوءاً لحلحلة الكثير من مطالبنا وقضايانا العالقة. ومن خلاله أيضاً قد ننجح في تخفيف حدة ذلك التشدد وهو ما ثبت بالتجربة مع البعض، فكونه احتمالاً لا يعني التخلي عنه.

من تلك المبادرات الإيجابية أيضاً التصريح الأخير لفضيلة الشيخ عائض القرني الذي دعى فيه إلى قرار سياسي ينهي هذه الأزمة بين السنة والشيعة. وما تبعه من تفاعل صريح ومباشر من قبل فضيلة الشيخ حسين البيات الذي دلل على تلّمس العقلاء والمعتدلين لكلّ خطوة إيجابية حتى لو كانت مجرد تصريح لجهة إعلامية.

إنّ هذه المبادرات ومثيلاتها جديرة بالتأمل والقراءة الموضوعية فبين سطورها سنجد معانٍ كثيرة للحكمة والإعتدال الذي نحن في أمس الحاجة إليه للخروج بحلٍ أو حلولٍ للكثير من أزماتنا ومشاكلنا التي لا ندري كيف نواجهها في الكثير من الأحيان. فلننظر نظرة مستقبلية لنرى بأي شكل سوف تؤثر على مستقبلنا ومستقبل الأجيال القادمة. لا أرى حرجاً في القول بأننا من خلال تمسكنا بهذا النهج نصنع تاريخاً سوف يحمده المستقبل ويثني عليه.

9/1/2011م
متخصص في العلاقات الدولية ودراسات الشرق الأوسط - القطيف