الشيخ محمد الصفار: الإعلام الطائفي خطيئة في حق الدول قبل الشعوب
تدفعنا الروايات الواردة عن النبي وأهل بيته إلى البحث ما استطعنا عن قوالب سليمة نضع فيها تصرفات الآخرين ونحمل فيها مواقفهم وكلماتهم، لأننا إذا أوجدنا إطارا سليما وقالبا صحيحا تمكنا من التعامل بتدين ودقة وسلامة، بهذه الكلمات بدأ الشيخ محمد الصفار خطبة الجمعة 27/4/1430هـ مستشهدا بقول أمير المؤمنين علي : "ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاَ".
وأضاف صحيح أن تصرفات الأئمة كلها تدل على النبل والأخلاق والقداسة والطهر، لكن الصحيح أيضا أنها تدل على عقل وحنكة وسياسة ورعاية للمصالح، واجتناب عن المفاسد.
داعيا لقراءة مواقف الإمام علي من الذين كفروه، والذين كذبوه، وحاربوه، ومن الذين دعوا للخروج عليه وقتله، لمعرفة أن الإمام كان يسعى لجذبهم، وإرجاعهم إلى الجادة، وكان يبتعد ويبعد أصحابه عن ممارسة أسلوب الطرد والإبعاد لهم.
المتأمل في سيرة الإمام علي – يقول الشيخ الصفار - يجده لا يقبل بتوتير العلاقات الاجتماعية بين أصحابه وبين من يتخذ رأيا آخر ضده، فمع أن أهل الشام خرجوا لقتاله لم يكن ليرضى بسبهم، وقال مخاطباً أصحابه «إني أكره لكم أن تكونوا سبابين» لأنه يولد الضغائن والأحقاد ويتسبب في المواقف الحادة وقطع الصلة القائمة بين الناس الذين يخضعون تحت حكمه ودولته.
وكذا لم يقبل بإخراج من يعارضونه من السياق الديني الذي كانوا ينتمون إليه فقد روي أن عليا سئل عن الخوارج «قيل: أمشركون هم؟ قال! من الشرك فروا، قيل: أمنافقون هم؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا».
حنكته وحكمته كانت تقضي ببقاء الأطر والسياقات قائمة رغم الحروب والمشاكل, لأننا إذا أخرجنا المختلفين معنا من السياقات التي يرتضونها لأنفسهم والتي تجمعنا بهم فكيف ستتلاقى معهم؟ وعلى أي أرضية سنتفق وإياهم؟
وقال الشيخ الصفار: الإمام علي أكد على جانب الأخوة بين أبناء المجتمع وبينهم وبين الحاكم، هناك مشكلة بيننا وبينهم، هناك تعد نحن نعتقده منهم، لكن هذا لا يمنع من التزام أخلاق التعامل، والتزام الرباط الديني بيننا وبينهم، ثم تأكيد جانب الأخوة بين الجميع. «قيل: أمشركون هم؟ قال! من الشرك فروا, قيل: أمنافقون هم؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون اله إلا قليلا, قيل: فما هم؟ قال: إخواننا بغوا علينا».
موضحا أن القوالب كانت جاهزة في نفوس الناس لرمي هؤلاء بأبشع التهم وأشنعها، وهذا يتضح من سياق المحادثة مع علي أمير المؤمنين، بل كان الناس يقتصرون على القوالب السيئة، دون أن يخطر في بالهم أيُ قالب إيجابي، لكن عليا يأتي بالقالب الجديد (إخواننا بغوا علينا).
وعن استحضار هذه السيرة المجيدة في حاضرنا اليوم قال الشيخ: ما أحوج الإعلام وما أحوج الدول والمؤسسات لنهج علي في تعاملها مع شعوبها ومحكوميها، فقد جربنا كيف كان الإعلام في الثمانينات أيام الحرب العراقية الإيرانية، بداً من إعلام مصر حينها ومرورا بكل دولنا العربية، هؤلاء روافض صفويون أتباع ابن العلقمي قبوريون خونة، واستمرت الاسطوانه طيلة 10 سنوات.
مضيفا أن مشكلة الحوثثين في اليمن أعادت الأسطوانة، وكذا مشكلة البحرين التي حدثت بين الدولة وشعبها ومن جديد تحركت الأقلام والفتاوى والإعلام يتحدث عن الخونة وأتباع الدول الإقليمية، والأجندات الخارجية، مستدركا أن الكلام لو كان حول أهل البحرين لقلنا أنه صراع قد تستخدم فيه كل الوسائل، لكن الأمر ليس كذلك فالحملة على الشيعة من وسائل إعلام متعددة، وهي في كل مكان والتشويه لهم أينما كانوا.
محذرا من هذا التحريض الإعلامي الذي غايته الرعب والتخويف، ومشدداً على ان الرعب لا يولد حبا ولا يحل مشكلة ولا ينهي أزمة، وهو خطيئة في حق الدول قبل أن يكون خطيئة في حق الشعوب.
من جانب آخر وفي الخطبة الثانية تطرق الشيخ الصفار إلى تضليل السيارات التي تستخدم لنقل النساء والطالبات إلى مدارسهن وأعمالهن.
مقدما لكلامه بأنه حينما يتحدث عن هذا الموضوع فأنه لا يعمم ولا يشمل بكلامه الجميع، فمن السائقين لهذه الباصات أباء يسترزقون من هذا العمل، وهناك أسر اقتصادها يقوم على هذه المهنة، وهناك شباب هم قمة في الأخلاق والأمانة وهم الأغلب والأكثر، لكن "هناك حالات عديدة وصلتنا وقصص كثيرة تدخلنا في بعضها كان سببها تلك الأجواء التي توحي بها أو توجدها تلك السيارات المغلقة".
وأضاف أن هناك بعض المبررات التي يعرضها من يسوقون تلك الحافلات لكنها مبررات فيها من النقاش ما فيها كما أن الحاجة إليها ليست حقيقية، ومن تلك المبررات:
يقولون: نحن نضع هذه الستائر وهذا التظليل حتى لا يضايق هؤلاء النسوة أحد من الشباب والسائقين في السيارات المجاورة خصوصا عند الإشارات المرورية.
ورد على ذلك بقوله: الكثير من النساء يمشين في الشوارع ويقصدن الأسواق ويتحركن فيها ولا شك أن هناك من يتعرض لهن من ضعاف النفوس ومع ذلك لا يبالين فما بالك وهن في السيارة.
وأيضا: أغلب هؤلاء من الموظفات والعاملات يعملن في أجواء مختلطة، والفتاة التي منحها أهلها الثقة لتبقى مع الرجال في مكان عملها لأكثر من 6 ساعات لا يخاف أهلها عليها من سير الطريق وهي في سيارة تسير بشكل طبيعي.
وذكر أن من مبرراتهم أن هذه الحافلات حتى تبرد في أيام الحر الشديد تحتاج إلى هذا التظليل وإلى تلك الستائر.
رادا على ذلك بأن النساء يمشين في الحر، ويركبن مع آبائهن وأزواجهن وإخوتهن في سيارات عادية وفي أيام الحر.
وقال الصفار أنا أعتقد أن تبريد السيارة 50% مع الوضوح والسلامة خير من تبريدها 100% مع الكثير من القصص التي نسمعها.
وذكر الشيخ الصفار تبريرا ثالثا قال: هناك من يقول أننا نضع هذا التظليل حتى تأخذ النسوة راحتهن في السيارة.
ورد عليه بقوله: هذا تبرير ضعيف، ففي السيارة السائق وهو أجنبي، ثم مدة المشوار ليست طويلة وخانقة خصوصا في التنقلات الداخلية والتنقلات القريبة.
خاتما حديثه بأنه لا يعتقد أنك تجد في بلدان العالم وحتى الحارة منها هذه الطريقة من السيارات التي تسير وكأنها غرف مغلقة، داعيا للتعامل بجد مع هذا الموضوع ومناقشته، فالسيارة العادية والطبيعية والمكشوفة توجب الاطمئنان أكثر مستشهدا بالحديث الشريف «من وضع نفسه في مواضع الشبهة فلا يلومنّ إلاّ نفسه». فمع ثقتنا في كل السائقين وسلامة نياتهم ومنطلقاتهم وحرصهم على أخواتهم وبنات مجتمعهم إلا أن الوضوح هو الأسلم والأحسن.