الشيخ محمد الصفار: الاستفزاز الإعلامي يواجه بالتعقل
بعد أن أكد الشيخ محمد الصفار أن العقل زينة للإنسان, وأنه طريق الكمال لمن تمسك به, فالعقل زينة يرفع صاحبه ويعلي من يرعاه، قال في خطبة الجمعة 4/5/1432هـ: "حاجتنا للعقل تزداد في الظروف الاستثنائية والحساسة"، مشيرًا إلى أننا أمام تعبئة طائفية لم تكن مسبوقة في تحريضها وتعبئتها وخلطها للأمور.
وقال الشيخ الصفار مفتتحًا خطبته بحديث مروي عن الإمام الرضا حيث سئل: (ما العقل؟ قال : التجرع للغصة)، أن العقل كالنور بل هو نور يتحرك به الإنسان، وسراج يتلمس بواسطته الطريق في حياته, فكلما اعمله الإنسان وجعله قائده تمكن من العيش بأمان وسلام.
ولتأكيد التشابه بين النور والعقل قال: إن الحاجة للنور تزداد كلما كانت الطرق وعرة وخطرة ومليئة بالحفر، كذلك تزداد الحاجة للعقل في الظروف الاستثنائية والحساسة.
مشيرًا إلى أن التعبئة الإعلامية الطائفية التي نعايشها اليوم في بلداننا هي ملء السمع والبصر، وهذا ما يجب أن يدفعنا إلى مزيد من التعقل والتروي والحكمة وضبط النفس, مؤكدًا أنه لا يشك أن من يلعب بنار الطائفية ويؤججها لا يندفع من حبه لوطنه, ولا من حبه لخيراته وأمنه وأمانه.
وفي التعامل مع هذا الواقع المؤسف قال: إن الواجب يحتّم على الجميع أن يتعامل مع هذا الواقع ضمن مسارين رئيسيين يحكمهما العقل والتعقل:
الأول: الحديث عن ثقافة الانسجام والتلاقي وحب الوطن والتمسك بأمنه وأمانه بين الحاكم والمحكوم وبين مختلف مكونات وأطياف هذا المجتمع, فبالقدر الذي تندفع به ثقافة الفرقة والطائفية يجب أن تنطلق ثقافة الوحدة والمحبة والانفتاح, وإذا فكر أي احد أن يسلم عقول أتباعه إلى ثقافة الكره والإقصاء فعلينا ألا نسلم عقول مجتمعنا إلى هذا النهج الخارج عن الدين وقيمه وتعاليمه.
الثاني: ضبط النفس والسيطرة عليها بإعمال العقل والتفكير في عواقب الأمور, فنحن في زمن الاستفزاز بدءاً من الإعلام ومروراً بمختلف القضايا والأمور، علينا أن نحكم السيطرة على عواطفنا، فعن أمير المؤمنين علي : "نصف العاقل احتمال ونصفه تغافل".
ودعا سماحته المؤمنين إلى مراعاة بعض الأمور:
1/ البعد عن النقاشات والحوارات العقدية خصوصاً في أعمالنا وأماكن شغلنا والأماكن التي تجمعنا بالآخرين، وذلك مراعاة للظروف وتغير الأمزجة.
2/ التعقل في الحديث عن القضايا العامة, والتوقف عن ذلك مطلقاً إذا شعر الإنسان أن البوصلة تتجه إلى مسارات غير حميدة.
3/ ضبط النفس في مواقع الاستفزاز العفوية أو الطارئة أو المتعمدة، ناقلًا قصة حصلت لأحد الأشخاص، يقول في احد المجمعات التجارية كنت أسير وأنا أدفع عربة المشتريات ومعي زوجتي وأولادي، وكان اتجاهنا إلى سيارتنا عبر إحدى البوابات – احد المخارج – وإذا بشابين يسيران وراءنا ويتحدثان مع بعضهما بكلام طائفي مسيء وكل غرضهما أن نسمع ما يقولان.
ثم تحدث سماحته عن نقاط التفتيش وما يحصل في بعضها من استفزاز، مشيرًا إلى أن وجودها متفهم لكن تصرفاتها في تأخير الناس واستفزازهم غير مقبول، داعيًا إلى ضبط النفس وعدم الاستجابة للاستفزاز مستحضرا قول أمير المؤمنين علي : "العاقل من يملك نفسه إذا غضب".
وفي الخطبة الثانية تحدث الشيخ الصفار حول ضعف الإنسان، وتكرار سقوطه في الخطأ، وأن الله خلقه وهو يعلم تركيبته وضعفه، ومقدار تحمله وقدرته ويعلم أنه لن يكون معصومًا بل سيخطئ في حق نفسه وفي حق الناس من حوله، وسيقصر مع من خلقه وسواه، ولأنه يعلم من خلق ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ كيّف بحكمته قوانينه مع هذا المخلوق وهو يلحظ جانب التمرد والعصيان والخطأ والزلل، ففتح باب التوبة وباب الاستغفار ﴿ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾.
كما ورد عن الرسول : "إن كل بني آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون".
مشددًا على أن المشكلة تكمن في أن المخلوق لا يتعامل مع من هم مثله بهذا الفهم والإدراك، ولذلك تتأزم العلاقات بين البشر.
داعيًا إلى أن يضع الإنسان من نفسه ميزانًا فلا يطلب من الآخرين عدم الخطأ، بل المفترض أن يطلب منهم في كل مرة ألا يصرّوا على الخطأ، قال أمير المؤمنين : "فباليقين اقطع لولا ما حكمت به من تعذيب جاحديك وإخلاد معانديك.. لجعلت النار كلها بردا وسلاما وما كان لأحد فيها مقرا ولا مقاما. وأن تخلد فيها المعاندين"، فإذا طلب الزوج من الزوجة أو الولد أو الصديق ألا يخطئ معه فأنه يطلب المحال؛ لأن الجميع سيخطئ.
وأضاف: نجلس أحيانًا في بعض المشاكل الأسرية مع الزوجين فيبدأ الزوج أو الزوجة بعدّ بعض المواقف بينهما، فأقول لهما هذا هو الأمر الطبيعي في البشر، وعلينا أن نعرف أننا نتعامل مع خطّائين ولا نتعامل مع معصومين.
وأشار الشيخ إلى أن ما يكون خطأ عندي قد لا يراه الآخرون خطأ وهذه مسألة مهمة، فأحيانا ترى عراكًا بين الأب وابنه على طريقة قصة الشعر، وأنتم تعلمون بموضات الشباب في هذه الأيام، فينفعل الأب بينما يرى الابن أن ما يفعله لا غبار عليه.